«جرأة» جنوب أفريقيا «تنتصر» لغزة.. القصة الكاملة!

لم تفلح الضغوط الدولية على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في انهاء الحرب على قطاع غزة، فهو رفض دعوات التهدئة وتعهد بتدمير حركة "حماس"، ضارباً بعرض الحائط كل الأعراف والقوانين الإنسانية والدولية، ومتجهلاً كل الإدانات "المحصورة" بالكلام، حول تزايد عدد الضحايا المدنيين، والمنتقدة لسياسة التجويع والتنكيل التي يتعرض لها أهل غزة.

لم تنجح الوساطات المتتالية، والسعي في لجم تدهور الوضع أكثر، بالتوازي مع نقمة في الداخل الاسرائيلي على سياسة نتنياهو، بعد أن فشل المجتمع الدولي في ردع آلة الإجرام، ومحاولات عدة في مجلس الأمن جوبهت بفيتو أميركي، حال دون الوصول الى حل للحرب المستمرة منذ أكثر من 3 أشهر.
وفي خطوة غير مسبوقة، خرقت حكومة جنوب أفريقيا مشهد “الخنوع” لارادة اسرائيل في 11 كانون الثاني، بدعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، لتنتهي بشكل من الأشكال ان تصرفات إسرائيل في غزة بأنها إبادة جماعية، وإصدار أمر يجبرها على سحب قواتها.
حظيت خطوة الدولة الأفريقية التي انتزعت قراراً لم ينصف العدالة بالكامل، الا أنه لاقى بترحيبا من مناصري القضية الفلسطينية، كخطوة أولى في مسار الحفاظ على كلمة القانون على الرغم من العوائق الموضوعة بوجه تطبيقه، بعد أن اكتفت الدول العربية ببينات الاستنكار، من دون الإقدام الى ما قامت به تلك الدولة،وبالتالي التي جابهت كل الاعتراضات وتصدت بالقانون، لمحاولات دول القرار الغربي بالتغطية على جرائم اسرائيل.

طلبت محكمة العدل الدولية من إسرائيل اتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية


وفي قرار تمهيدا للحكم النهائي صدر أمس، طلبت محكمة العدل الدولية من إسرائيل اتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها، كما ردت الطلب الإسرائيلي برفض الدعوى، لكنها في المقابل رفضت طلب جنوب أفريقيا بوقف إطلاق النار، وقالت المحكمة :”إن على إسرائيل أن تتخذ كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية”.
وطلبت أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة الجمعة من إسرائيل أن تبذل كل ما في وسعها لمنع ارتكاب أعمال إبادة جماعية في قطاع غزة.

اثناء جلسة مجلس الامن

انقسمت ردود الفعل على القرار الأولي الذي صدر في قضية اتهام إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” في غزة، على غرار المواقف من الحرب الدائرة في القطاع الفلسطيني التي اندلعت الحرب إثر هجوم حماس غير المسبوق على إسرائيل في السابع من تشرين الأول الذي أسفر عن مقتل 1140 شخصا، معظمهم مدنيون، وخُطف خلال الهجوم نحو 250 شخصا لا يزال 132 منهم محتجزين في قطاع غزة، بحسب السلطات الإسرائيلية فيما يرجح أنّ 28 على الأقل لقوا حتفهم، فيما ردت اسرائيل بعمليات برية وجوية وبحرية أسفرت عن سقوط أكثر من 26 ألف قتيل معظمهم من النساء والأطفال.

قضف اسرائيلي غزة
قضف اسرائيلي غزة

“تعاطف تاريخي” مع القضية الفلسطينية

يرتبط حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم، في جنوب أفريقيا بعلاقات تاريخية وتعاطف مع القضية الفلسطينية التي يرى أنها تعكس كفاحه ضد حكم الفصل العنصري، ومن هذا المنطلق، ارتكزت جنوب أفريقيا في خطوتها النادرة والشجاعة، على أن إسرائيل انتهكت التزاماتها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية، وإن تصرفات جيش الاحتلال الإسرائيلي “ذات طابع إبادة جماعية”، لأنها تهدف إلى تدمير الفلسطينيين في غزة، ودعت إلى وقف القتال وقالت إنه ينبغي محاكمة المسؤولين عن الحرب الإسرائيلية.

نتنياهو
نتنياهو

إسرائيل تتنصّل.. ونتنياهو يصف الاتهام بـ”وصمة عار”

كما كان متوقعاً، تنصلت الحكومة الإسرائيلية من ارتكاباتها قائلة إن الحرب هي دفاع عن أراضيها وأنها عملت على منع سقوط ضحايا من المدنيين في حربها ضد حماس، وبعد رفض المحكمة لقرار جنوب أفريقيا طلب وقف إطلاق النار، رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقول:”إن الادعاء بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين كاذب وبغيض، وإن استعداد المحكمة حتى لمناقشة هذا الأمر هو وصمة عار لن تمحى لأجيال”.

يرتبط حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب أفريقيا بعلاقات تاريخية وتعاطف مع القضية الفلسطينية

أصل “الإبادة الجماعية” وتعريفها

تعتبر محكمة العدل الدولية أن الإبادة الجماعية محظورة في أي مكان، بما في ذلك الدول التي لم توقع على الاتفاقية.
تم إقرار اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في عام 1948 كرد فعل على محاولة ألمانيا قتل جميع اليهود في المحرقة، وإسرائيل وجنوب أفريقيا من بين 153 دولة صدقت على المعاهدة، وتجعل المعاهدة الإبادة الجماعية جريمة بموجب القانون الدولي، ويجب على الدول الموقعة العمل على منع الإبادة الجماعية وإدراجها كجريمة في قوانينها الوطنية، وصاغ هذا المصطلح رافائيل ليمكين، وهو يهودي بولندي فر من بلاده بعد الغزو الألماني عام 1939. وهي كلمة مركبة من الكلمة اليونانية “genos” أو العرق، وكلمة “-cide” التي تعني القتل.

محكمة العدل الدولية

صلاحيات “محكمة العدل الدولية”

تنظر محكمة العدل الدولية، ومقرها لاهاي، والتي يطلق عليها أحيانًا اسم “المحكمة العالمية”، فقط في القضايا بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بشأن تعارض القانون الدولي العام، وتصدرأحكامها ولكنها لا تستطيع تنفيذها بنفسها، وهي تعتمد عادة على امتثال الأطراف المعنية وعلى الجهات الفاعلة الدولية الأخرى للضغط عليها للقيام بذلك.

تعتبر محكمة العدل الدولية أن الإبادة الجماعية محظورة في أي مكان بما في ذلك الدول التي لم توقع على الاتفاقية


ويحق لمحكمة العدل الدولية أن تعلن أن دولة ما تنتهك قواعد الحرب أو اتفاقية الإبادة الجماعية، ولكن لا يمكنها محاكمة أو معاقبة أي شخص، فقد أسند القانون الدولي هذه المهمة إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي لديها مدع عام يمكنه التحقيق وتوجيه الاتهامات للأفراد بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

الجيش الاسرائيلي حرب غزة
الجيش الاسرائيلي حرب غزة

إسرائيل ستكون ملزمة “قانونًا” بالامتثال

يتطلب الحكم في تهمة الإبادة الجماعية مداولات مطولة من قبل المحكمة، وقد يستغرق الأمر سنوات قبل صدور حكم نهائي، الا أنه تعتبر أحكام محكمة العدل الدولية ملزمة، وغير قابلة للاستئناف، وينص ميثاق الأمم المتحدة على كل طرف “تعهده بالامتثال للقرار”، وهذا يعني أن إسرائيل ستكون ملزمة قانونًا بالامتثال، ومع ذلك، ليس لدى محكمة العدل الدولية آلية خاصة بها لتنفيذ مثل هذا الأمر، وهذا يعود إلى الحكومات الوطنية، ومن المرجح أن يتطلب الأمر قرارا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يسمح باستخدام القوة.

مندوب فلسطين في مجلس الامن

ردود فعل مرحبة.. وأخرى “مشكّكة”

أحرجت المحكمة العالم بقرارها على الرغم من أنها لم تدع الى وقف لاطلاق النار، وتباينت ردود الفعل حولها بين مرحب ومتحفظ، وفي تعليقها الأول، شددت وزارة الخارجية في جنوب إفريقيا التي رفعت القضية ضد إسرائيل، أن “ما حصل يمثل انتصارا حاسما لسيادة القانون الدولي وعلامة بارزة في البحث عن العدالة للشعب الفلسطيني”.
واعتبر رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا أنه” تقف إسرائيل أمام المجتمع الدولي، وجرائمها ضد الفلسطينيين مكشوفة في وضح النهار، نتوقع من إسرائيل، التي تريد أن تكون ديموقراطية ودولة قانون، أن تمتثل للقرارات الصادرة”.
وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية بعد صدور القرار: “ما زلنا نعتقد أن مزاعم الإبادة الجماعية لا أساس لها من الصحة ونشير إلى أن المحكمة لم تتوصل إلى قرار بشأن الإبادة الجماعية أو تدعو إلى وقف إطلاق النار في حكمها”.
من جهته، رأى وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي إن “القرار المصيري لمحكمة العدل الدولية يذكر العالم أن لا دولة فوق القانون وأن العدل يسري على الجميع ويضع حداً لثقافة الإجرام والإفلات من العقاب لإسرائيل والتي تمثلت بعقود من الاحتلال والتطهير العرقي والاضطهاد والفصل العنصري”.
واعتبرت حركة حماس أن قرار محكمة العدل الدولية يعد تطورا مهما يسهم في عزل إسرائيل وفضح جرائمها”.
كما رحّبت قطر بقرار محكمة العدل الدولية الذي طالب إسرائيل الجمعة ببذل كل ما في وسعها لمنع وقوع أي أعمال إبادة في قطاع غزة، معتبرة أنه “انتصار للإنسانية”.

دعت السعودية الجمعة إلى “محاسبة” إسرائيل في معرض تأييدها لقرار محكمة العدل الدولية


ودعت السعودية الجمعة إلى “محاسبة” إسرائيل، في معرض تأييدها لقرار محكمة العدل الدولية القاضي بمطالبة الدولة العبرية ببذل كل ما في وسعها لمنع وقوع أي أعمال إبادة في قطاع غزة.
وأكدت وزارة الخارجية الكويتية في بيان أن قرار المحكمة وعلى الرغم من عدم تلبيته لمطلب وقف إطلاق النار “يمثل خطوة مهمة في سبيل وضع حد لممارسات الاحتلال الإسرائيلي التي طالت بالتدمير جميع جوانب حياة ومرافق الشعب الفلسطيني”.
ورحبت الخارجية الأردنية بقرار المحكمة مؤكدة “ضرورة تنفيذ هذه الإجراءات التدبيرية بشكل فوري لوقف قتل الأبرياء في غزة وتدمير كل مقومات الحياة فيه”.
من جهته، قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز “نرحب بقرار محكمة العدل الدولية ونطلب من الأطراف تنفيذ الاجراءات المؤقتة التي صدرت عنها، وسنواصل الدفاع عن السلام وإنهاء الحرب والإفراج عن الرهائن والوصول إلى المساعدات الإنسانية وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل حيث يتعايش البلدان بسلام وأمن”.
واعتبر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان “ان قرار الأمر القضائي المؤقت الذي اتخذته محكمة العدل الدولية بشأن الهجمات اللاإنسانية في غزة قرارا قيما وأرحب به، ونأمل أن تنتهي هجمات إسرائيل على النساء والأطفال والمسنين”.
بدوره، أكد الاتحاد الأوروبي أن قرارات “محكمة العدل الدولية ملزمة للأطراف وعليها الالتزام بها. ويتوقع الاتحاد الأوروبي تنفيذها الكامل والفوري والفعّال”.
وقالت فرنسا:” إن قرار محكمة العدل الدولية بشأن غزة “يعزز تصميمها” على العمل من أجل وقف إطلاق النار، وأضافت أن جريمة الإبادة الجماعية، التي تتهم بعض الدول إسرائيل بارتكابها، تتطلب “إثبات النية”.
وقالت المديرة المساعدة لبرنامج العدالة الدولية في منظمة هيومن رايتس ووتش بلقيس جراح إن “قرار المحكمة الدولية التاريخي ينبه إسرائيل وحلفاءها إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمنع الإبادة الجماعية والمزيد من الفظائع ضد الفلسطينيين في غزة”.

السابق
هذا الموقف الإسرائيلي من شروط حماس للافراج عن الرهائن!
التالي
علي الأمين: قرار توسيع الحرب اصبح بيد إسرائيل.. وحزب الله مكشوف أمنياً