واشنطن توسط الصين لوقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر!

سفن البحرية الاميركية

بَدَلَ الضغط على تل أبيب لإنهاء الحصار المفروض على غزة ووقف الأعمال العدائية، طلبت الولايات المتحدة مساعدةَ الصين في وقف هجمات الحوثيين على السفن المتّجهة أو المملوكة أو التي تحمل بضائع إلى إسرائيل.

وهذا يوضح النهج الإستراتيجي لإدارة الصراع في البحر الأحمر، والذي يبدو أنه يفضّل إشراك أطراف دولية لمعالجة جوانب محدّدة من الصراع عوض معالجة القضايا الأساسية للوضع الإسرائيلي – الفلسطيني في شكل مباشر. ورداً على ذلك، دعتْ بكين، القادة الأميركيين لوقف الأعمال العدائية في غزة ورفع الحصار وإنهاء الحرب على القطاع، قبل أي شيء.

ويؤكد استمرار عبور السفن الصينية والروسية وسفن دول أخرى، البحر الأحمر وسط هذه التوترات، الأهميةَ العالمية لهذا الطريق البحري كشريان للتجارة الدولية خصوصاً حركة البضائع من آسيا إلى الشرق الأوسط وأوروبا.

وتلعب إيران دوراً مهماً – بحسب المصادر المطلعة – إذ أبلغت الصين أنها تقدم لها ضمانات لعبور سفنها البحر الأحمر وعدم تعرّضها لأي هجوم أثناء توريد البضائع الآسيوية.

ويعكس تدخل طهران، مصلحتها الإستراتيجية للحفاظ على دورها ونفوذها الإقليمي ودعم حليفها اليمني. وهي تسعى أيضاً لتحقيق توازن بين دعم الحوثيين والحفاظ على علاقتها الإيجابية مع شركائها مثل الصين ودول آسيا الأخرى.

وتتعامل كل دولة مع التحديات التي يفرضها الصراعُ في البحر الأحمر، وفق أولوياتها الإستراتيجية.

ويبدو أن واشنطن تركّز على المَخاوف الأمنية المباشرة والاقتصادية لإسرائيل قبل كل شيء، حتى ولو تحول البحر الأحمر ساحة حرب وانخفاض الحركة الملاحية بعد القرار الذي اتخذتْه ونفذته أميركا وبريطانيا بشن حملات قصف في اليمن من دون أن يحقق هذا العمل العسكري أهدافه.

ومن الواضح أن عدم فعالية الضربات العسكرية في تحقيق أهدافها أدى إلى تصعيد التوترات، ما يرفع من مستوى التعقيد وخطر زعزعة الاستقرار الإقليمي. وقد أكد ذلك الرئيس جو بايدن بقوله إن الضربات لن تغيّر أي شيء في المعادلة، ولكنها لن تتوقف.

أميركا أبلغت الحوثيين مسبقاً بنياتها بدء الأعمال العسكرية في كل مرة تقرر ضرب أهدافٍ في اليمن

وتُعد شبكة الحوثيين الواسعة من الأنفاق تحت الأرض وكذلك مصانع الصواريخ من العناصر الأساسية في الصراع، وسط اقتناعٍ بأن بضع مئات من الغارات الأطلسية لن تؤثّر فيها ولن تضعفها، خصوصاً في ضوء تطور القدرات الصاروخية للحوثيين بحيث أصبحت أكثر تقدُّماً بعد المساعدات التكنولوجية التي تقدّمها إيران.

وقد تأكد لـ «محور المقاومة» أهمية دور الحوثيين في الحرب ضد إسرائيل لإيلامها اقتصادياً وكذلك لضرب سيطرة الولايات المتحدة على البحار. وقد ذهب الحوثيون إلى أبعد من ذلك بعد الإعلان أن أي سفينة أميركية أو بريطانية ستصبح هدفاً مشروعاً. وقد طلبوا من المواطنين الأميركيين والبريطانيين مغادرة المناطق التي تقع تحت سيطرتهم في مهلة لا تتعدى الشهر الواحد.

وتقول مصادر إن أميركا أبلغت الحوثيين مسبقاً بنياتها بدء الأعمال العسكرية في كل مرة تقرر ضرب أهدافٍ في اليمن. وهذا الإنذار يعطي الحوثيين الوقت الكافي لاختيار أهداف ظاهرة وتقليل الأضرار الجانبية، ويؤكد كلام بايدن عن أنه لا يريد للحرب أن تتوسع وأن بلاده ليست في حرب مع اليمن.

وجل ما يهمّ أميركا هو إبقاء سيطرتها على البحار ومكانتها كقوة عظمى مهيمنة، وعدم الانجرار إلى صراع أوسع نطاقاً.

أما بالنسبة لأوروبا، فيُعدّ البحر الأحمر أحد الطرق البحرية الحيوية في العالم والرابط مع القارة الآسيوية عبر قناة السويس. وأي اضطراب في باب المندب يؤثر في شكل مباشر على تدفق السلع وإمدادات الطاقة، ما يشكل تهديداً للأمن البحري الأوروبي. ولذلك فإن من مصلحة أوروبا أن تنهي الحرب في غزة ليعود الاستقرار إلى البحر الأحمر بسرعة وتخمد التوترات ويُفكّ الحصارُ المفروض.

تُعد شبكة الحوثيين الواسعة من الأنفاق تحت الأرض وكذلك مصانع الصواريخ من العناصر الأساسية في الصراع

ولكن مَن المستفيد؟ لدى أميركا مصالح اقتصادية وصناعية تأخذها في الاعتبار، خصوصاً في ظل الاضطرابات التجارية الآسيوية – الأوروبية. فقد يجد مصنّعو السلع الصناعية والآلات الأميركية أسواقاً جديدة في أوروبا إذا لم تعد الشركات الأوروبية قادرة على الحصول على المنتجات الصينية.

علاوة على ذلك، من الممكن أن يستفيد قطاع التكنولوجيا الأميركي ليسدّ الفجوة. وهذا ينطبق على منتجات التكنولوجيا واستيراد المنتجات الزراعية وقطاع السيارات الذي تشهد الولايات المتحدة طلباً أوروبياً متزايداً عليه وعلى قطع الغيار الأميركية الصنع بعدما أصبحت المنتجات الصينية غير متوافرة وأقل قدرة على المنافسة بسبب الأوضاع غير المستقرة.

وهذا أيضاً ينطبق على قطاع الطاقة خصوصاً الغاز الطبيعي وصناعة الأدوية والمعدات الطبية والمستثمرين الذين يفضّلون تنويع محافظهم.

إقرأ ايضاً: الطقس العاصف «يُهدئ» جبهة الجنوب.. ونازحون يتفقدون بيوتهم!

مما لا شك فيه أن ممرات مائية مثل مضيق هرمز وباب المندب والبحر المتوسط يملك تأثيرات مهمة جداً على الاقتصاد العالمي وان هذا الاستقرار مهدَّد بشكل كبير فقط لأن إسرائيل أصبحت قوية لدرجة أنه لم تعد هناك دولة تستطيع أن تفرض عليها وقف جرائمها أو لجمها. وإذا اضطربت الأسواق العالمية وتعرّضت الممرات للخطر الاقتصادي وتوسّعت الحروب لتشمل دولاً عدة فقط من أجل إكمال إسرائيل حربها، فإنها تسير على خطى مَثَل واحد لا لبس فيه… «وبعدي الطوفان».

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الخميس في 25 كانون الثاني 2024
التالي
حراك لافت في شباط.. محاولة رئاسيّة جديدة؟