حارث سليمان يكتب ل«جنوبية»: «حماس» فكرة لا تقتلع بالعنف

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ماذا عن اقتلاع حركة “حماس”، اما زال هذا الشعار هدفا تجمع عليه دول اوروبا واميركا، وتضمره العديد من دول المنطقة العربية وأنظمتها، بالأمس ادلى ناطق باسم البيت الابيض الاميركي، بأن “حماس” فكرة، ولا يمكن اقتلاع الفكرة بالعنف وبالعمل العسكري، بل لا بد من حل سياسي وفي حالة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، لا بد من حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية كاملة، تقوم الى جانب اسرائيل. 

اعلن نتنياهو ووزير دفاعه ان المعركة هي بين الظلام والنور!!

منذ اكثر من سبعين يوما من الحرب، أعلن بنيامين نتنياهو ان العالم يتوحد للقضاء على “حماس”- “داعش”، مشبهاً ما حدث في السابع من أكتوبر، بانّه “هولوكوست” لليهود مرة اخرى، بعد ان قامت ب”الهولوكست” الاولى المانيا النازية،  وان الامر هو تجدد للنزعة العنصرية بمعاداة السامية، وعندما لم تكفه هذه التهمة، اضاف اليها تشبيها آخر، بانْ اعتبر هجوم حركة “حماس” هو ١١ ايلول آخر، يوم هاجمت منظمة “القاعدة”، بقيادة أسامة بن لادن بطائرات مدنية، برجي التجارة الدولية في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الاميركية، وبذلك تربط التهمة الثانية هجوم حركة “حماس” بنزعة كراهية اسلامية للغرب، قوامها اتوقراطية دينية متزمتة، متأتية من صراع الحضارات، ورفض لنمط حياة غربية، يقوم على الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، و استنتاجا من هذه المزاعم، اعلن نتنياهو ووزير دفاعه ان المعركة هي بين الظلام والنور!!

ولكي تحشد حكومة المجانين التي يرأسها نتنياهو، كل دول العالم، وراء حربها على الشعب الفلسطيني، وليس على “حماس” فقط، لجأت الى الكذب واطلاق روايات مرعبة، عن قيام حركة “حماس” بقطع رؤوس الأطفال او مهاجمة حفل موسيقي راقص، واعدام أعداد هائلة من المدنيين، بحيث أصبح مفتاح اية مقابلة إعلامية على جميع وسائل الاعلام العالمية، الالحاح والمطالبة بادانة “حماس”، كمقدمة لازمة ووحيدة، لاستمرار اي نقاش حول الحرب في غزة، او ادارة اية ندوة حول الأزمة الراهنة.

لكي تحشد حكومة المجانين التي يرأسها نتنياهو كل دول العالم، وراء حربها على الشعب الفلسطيني وليس على “حماس” فقط لجأت الى الكذب واطلاق روايات مرعبة

ولم يمض وقت طويل، حتى انفضحت هذه الأكاذيب جميعها؛ من عدم وجود اطفال مقطعي الرؤوس، الى ان “حماس” لم تكن على علم بوجود حفل موسيقي، ولم يكن الحفل، ضمن جدول اهدافها، وان معظم قتلى الحفل الموسيقي سقطوا بسلاح الطيران الاسرائيلي، كما سقط العديد من أفراد الشرطة الإسرائيلية والمستوطنين بسلاح الجيش الاسرائيلي، وهي حقائق نشرتها الصحافة الإسرائيلية، نتيجة تحقيقات أجرتها الشرطة الإسرائيلية ذاتها، ولكي تتكشف تفاصيل عملية حركة “حماس”، بأنها استهدفت أساسا ٢١ ثكنة عسكرية، كانت تنتشر في غلاف غزة ومستوطناتها.

وأظهرت عمليات تبادل الاسرى المدنيين الإسرائيليين، مقابل النساء والأطفال الاسرى لدى اسرائيل، بان اسرائيل لا تتمتع بأي تفوق أخلاقي على “حماس” في هذا المستوى، فهي تسجن دون محاكمة، وبموجب حجوزات إدارية الاف الاطفال والنساء الفلسطينيين ولسنين طويلة، قبل عملية “طوفان الأقصى” وبعدها.

أظهرت عمليات تبادل الاسرى المدنيين الإسرائيليين، مقابل النساء والأطفال الاسرى لدى اسرائيل بان اسرائيل لا تتمتع بأي تفوق أخلاقي على “حماس” في هذا المستوى

في المقابل، لم تكن العملية العسكرية الاسرائيلية في الهجوم على غزة، سوى عاصفة حقد وانتقام، صبت فيها آلة القتل التدميرية لدى العدو جام غضبها على عشرات الاف المدنيين، مرتكبة كل انواع جرائم الحرب الموصوفة في القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني والبند الرابع من معاهدات جنيف، حول مسؤوليات الدول وجيوشها اثناء الحروب، فقطعت عنهم الماء والكهرباء والغذاء والوقود، ثم قصفتهم بشتى أنواع القنابل  في منازلهم، ومراكز ايوائهم في المستشفيات والمدارس التابعة للأمم المتحدة، ثم لاحقتهم على طرقات النزوح التي دفعتهم إليها… 

في الوقت الذي اعترف فيه، مسؤولون دوليون وغربيون، بأن الدمار في مدن قطاع غزة، يفوق دمار المدن الالمانية في نهاية الحرب العالمية الثانية، وانَّ اسرائيل ومجرمي الحرب في قيادتها السياسية والعسكرية، قد جعلوا من قطاع غزة، ارضا لا يمكن الحياة فيها، ولايمكن العيش فوقها.

وعلى الرغم من هذه الوحشية الاسرائيلية، فلم تنجح اسرائيل، بتقديم صورة انتصار واحد لها على حركة “حماس” ؛ لا قتلى من قيادات الصف الأول في “حماس”، ولا  اسرى مقاتلين استسلموا لجيشها، لا نجاح عنوة في تحرير أي محتجز اسرائيلي لدى “حماس”، فيما استمرت الصواريخ الفلسطينية تسقط على المدن الإسرائيلية، من تل أبيب الى غلاف غزة وعسقلان، كما بدا اقتحام مدارس إيواء النازحين والمستشفيات، وخاصة مستشفى الشفاء، بزعم وجود قيادات “حماس” والرهائن في اقبيتها وأنفاقها، أمرا سخيفا و مأساويا وصبيانيا… 

في واقع الأمر لا تغريني افكار “حماس”، ولا عقيدتها ولا طريقتها في ادارة قطاع غزة، ولا في تطبيقها أحكام الشريعة الإسلامية، ومنعها الفنون وفرضها قيودا  على السلوك الاجتماعي المتشدد، منذ سيطرتها على غزة سنة ٢٠٠٥   وعلى مدى ١٧ سنة، وإرتكابها جريمة تصفية حركة “فتح”  في غزة.

ما يعنيني من “حماس” اليوم فقط، هو أولا القضية التي تصدت للدفاع عنها، أي قضية شعب فلسطين وحقه في تقرير مصيره وبناء دولته الوطنية، أما ما يعنيني ثانيا، فهو نجاحها في بناء قوة عسكرية هجومية ودفاعية، قادرة على مواجهة وايذاء جيش الاحتلال الاسرائيلي، وكسر غطرسة قياداته وفرض التنازلات عليه، وعلى قاعدة هاتين المسألتين، فأنا منحاز ل”حماس” داعما لها، لكن هذا الدعم لا يعفي “حماس” من دورها ومسؤوليتها في تخريب مسار التسوية السلمية، ومن دأبها على مدى حولين من الزمن، في ادامة الانقسام الفلسطيني وانهاك منظمة التحرير واضعافها، في مواجهة اليمين الاسرائيلي القومي والديني.

على الرغم من هذه الوحشية الاسرائيلية فلم تنجح اسرائيل بتقديم صورة انتصار واحد لها على حركة “حماس

فإذا كانت اقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، اصبح امرا يمكن قبوله على حد قول اسماعيل هنية، واذا كان اعتراف حركة “حماس” بكيان اسرائيل عبر “اتباع الموقف الرسمي، وهو أن منظمة التحرير الفلسطينية، اعترفت بدولة إسرائيل”، و “سنحترم التزامات منظمة التحرير الفلسطينية” كما قال موسى ابو مرزوق، فعلام تم تخوين ايقونة النضال الفلسطيني ياسر عرفات؟ وعلام كان الانقسام الفلسطيني والحرب على “فتح” ومنظمة التحرير الفلسطينية؟…

عند انتهاء الحرب في غزة وصمت أزيز الرصاص، سيبقى في عقل كل غزاوي او غزاوية صورتين، واحدة للبطولة والصمود في مواجهة العدو، وهي صورة صنعها أطفالُ غزة ونساؤُها ومقاتلُوها في القسام وغيرها من الفصائل، بشجاعة وفداء، الى جانب صورة ثانية هي صورة الكارثة الانسانية والدمار الشامل والخراب، وانعدام سبل العيش والحياة. لكن تلازم الصورتين واستمرارهما لن يكون طويلا، فصورة الصمود والبطولة، سرعان ما ستصبح ذكرى وماضيا يفتخر به من ساهم به، أما صورة المأساة فستكون حاضرا يتنامى و يترسخ كجزء من مستقبل بائس ومرير ومدمر، ولا معنى لاي صمود دون مواجهة الكارثة وإزالة اثارها وتداعياتها، عبر إعادة إعمار شاملة وسريعة، تتعهدها وتحميها وتمولها قوى عربية وإقليمية ودولية، وترعاها وحدة فلسطينية داخل منظمة التحرير الفلسطينية، كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني؛ وطبعا بعد إعادة تأهيلها.

الكارثة الانسانية في غزة تتحمل مسؤوليتها اسرائيل اولا، وأميركا والدول الغربية الداعمة لها ثانيا، وحركة “حماس” والجهاد الإسلامي ثالثا،  ومسؤولية الخروج من الكارثة الإنسانية  تقع على “حماس” اولا وعلى منظمة التحرير الفلسطينية ثانيا، وعلى مصر وقطر والسعودية والأردن والعرب ثالثا، فهل ينجح كل هؤلاء بالعمل سوية، من أجل أن تستعاد غزة ارضاً للطفولة والحياة؟

 أخيرا إن التضحيات والمآسي والبطولات الفلسطينية، يجب ان يقطف ثمارها الشعب الفلسطيني وحده، وان مسؤولية حماس هو منع تجبير هذه التضحيات والبطولات، لاية جهة اقليمية او دولية او عقائدية.. فهل تفعل؟!

السابق
مجلس التنفيذيين اللبنانيين يحتفي بالفنانة نضال الأشقر في الرياض
التالي
بالصور.. وقفة تضامنية لاطفال مخيمات صور مع نظرائهم في غزة!