كتاب «الأراضي والسُّلطات والصِّراعات».. تاريخ العنف السياسي_الزراعي

كتاب

تاريخُ العالَم الزِّراعيّ، هو تاريخُ عُنفٍ سياسيّ ، وَفقَ تجلّيّاته اللآّ عادلة زراعيّاً، التي ينطوي عليها الكتاب الصّادر، حديثاً، عن “دار الفارابي” في بيروت، تحت عنوان : ” الأراضي والسُّلطات والصِّراعات / تاريخُ العالم الزِّراعيّ “. ( ترجمة : جورج سعيد ؛ ومراجعة : غازي برّو ) .
وهذا الكتاب ، هو كتابٌ جديد للباحث والكاتب الدكتور بيير بلان .

الأرض والسياسة

وفي هذا الكتاب ، الذي هو ، إذاً ،تاريخُ العُنف السياسيّ للعالَم الزِّراعيّ ، نَجِدُ تاريخاً زِراعيّاً للعالم ، يُعِيدُ فيه الكاتِبُ ، النَّظرَ في التاريخ المُعاصِر ، مِن زاوية وَضعِ مسألة الأرض في قلب منطق السلطة : ” لِفَهم القضايا الجيوسياسية للقرن الحادي والعشرين ” . وذلك على خَلفيّةِ : أنّ الأرض – وبالمَنظور الجيوسياسي الإستيلائيّ – تُغدِقُ مَوارِدَها على أولئك الذين يستولون عليها ، وتَمنَحُ السُّلطة لهم . وعلى هذه الخَلفيّة ، نرى إلى المجتَمَعات أنّها لم تتوقّف عن القتال والموت مِن أجلها أبداً : عبر فتوحاتٍ وحروبٍ أهليّة واستبداد وما إلى ذلك . فمِن الفاشيّة الأوروبية إلى ديكتاتوريّات أمريكا اللاّتينية ، ومِن الثّورة الصّينيّة إلى حرب العصابات الكولومبية ، كَم هي عديدةٌ النِّزاعاتُ السياسية على خَلفِيّة أرضٍ موَزَّعة توزِيعاً غير عادِل؟ ومِن الولايات المتحدة في الحرب الباردة إلى الصين وروسيا اليوم إلى دول الخليج ، كَم هي عديدةٌ الدول التي أعربت عن رغبتها في الهيمنة وتحقيق أمنها من خلال الإستيلاء على الأراضي ؟ ومِن الأكراد إلى التّيبيتييّن ، ومِن الفلسطينييّن إلى الإيغور ، كَم هي عديدةٌ الشّعوب التي شهدت انزلاق الأرض بعيداً وتلاشي حُلمها بالاعتراف ؟

مضمون هذا الكتاب يهدف إلى فهمِ القضايا الجيو سياسية للقرن الحادي والعشرين

و كتاب ُ: ” الأراضي والسُّلطات والصِّراعات ” يتألّف محتواه : من مقدّمة ؛ وخمسة فصول ؛ وخاتمة .

من مقدمة هذا الكتاب

وممّا حَوَته مقدِّمة هذاالكتاب ، ننقُل الآتي :
” تغطّي البِحار والمحيطات 71 % من كوكبنا . ومن بين البقية اليابسة ، التي تبلغ مساحتها حوالى 15 مليار هكتار ، يُخَصَّص الثُّلُثُ فقط للزّراعة وتربية الماشية . ولقد خُصِّص هذا الكتاب لهذه ال 10 % من سطح الكرة الأرضية .

” قد يبدو الموضوع هامشيّاً بهذا التّقديم . لكن من المؤكَّد أنّ الأمر ليس كذلك . تُسهِم الأراضي بشكلٍ كبير ، من خلال وظيفتها بالتّغذية ، في جعل الحياة ممكنة على هذا الكوكب . لا يفوتنا كذلك أنّها لا تزال تتيح لما يقرب من 40 % من البشر ممارسة نشاطٍ إقتصادي بصورة مباشرة .

في هذا الكتاب يُعيد الكاتب النظر في التاريخ المعاصر من زاوية وضع مسألة الأرض في قلب منطق السّلطة

” لن تكون الأرض ، ذات الرّهانات الغذائية والإجتماعية والإقتصادية الكبيرة ، وكذلك ألأوساط الزّراعية التي تعمل بها هنا ، موضوعَ دراسةِ خبير إقتصادي أو مهندس زراعي او عالِم اجتماع ؛ بل ستكُون نَظرَتُنا تاريخية وسياسية وحتّى جيو سياسية ، مع العِلم أنّ في الأرض مأساة وسلطة أيضاً . يتعلّق الأمر بملاحظة كيف تُشكِّل الأراضي الصّالحة للزّراعة أحد عوامل التّبرير ، من بين عوامل أخرى ، لعدم الإستقرار السياسي ومنطق القوّة التي تجتاز الكوكب منذ القرن العشرين .

” ربما تَكون هذه العلاقات قد أُغفِلت ، أقلّه في مجتمعاتنا المتحضّرة في أوروبا الغربية ، حيث تضاءل الرّبط بين الأرض والتاريخ السياسي . ومع ذلك ، فإنّ الحركة الواسعة للمبادلات العقارية ، التي تُوصف أحياناً بأنّها استيلاءاتٌ على الأراضي ( للإنجلوسكسونيين ) ، والتي بدأت تظهر في جميع أنحاء العالم ، منذ أزمة المواد الخام في الفترة 2007 – 2008 ، قد جعلت من هذه “السياسة الزّراعية ” موضوعَ السّاعة أو هي منحتها أقلّه تغطية إعلامية جديدة . تناول الباحثون أنفسهم مسألة العولمة العِقارية هذه بكثافة ، في أعقاب أزمة الغذاء التي ضاعفت الاستثمار الزّراعي الدولي بشكلٍة كبير ، ولكنّهم ظلوا لا يعالجونها ضمن مسار التاريخ الأبعد .

” وبالتالي ، يمكن أن تسهم القراءة الزّراعية – السياسية في فَهم التاريخ الحديث للمجتمعات ، مع مراعاة ما يقتضيه اختلاف الحال ، لا سيّما عندما تكون هذه المجتمعات ريفية بالدرجة الأولى كما هو الحال في أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا .

فصول هذا الكتاب

و” في سبيل تسليط ضوءٍ جديد على العلاقة بين الأرض والسياسة ، سنعود بالتالي إلى إعادة دراسة مسار التاريخ المعاصر من خلال نهجٍ جغرافي تاريخي يعطي الأولوية للتحليل حسب المناطق الجغرافية ، وداخل كلّ منها ، حسب المناطق الفرعية ثمّ حسب البلد . ” لذلك ف ” في القسم الأوّل ، من كل الفصول الجغرافية الخمسة ، لهذا الكتاب ، سنرى كيف أنشأ التاريخ عدم المساواة في الحصول على الأرض . ثمّ سيسمح لنا القسم الثاني من كل فصل بمراقبة كيفل أسهم هذا التفاوت في حيازة الأراضي في تشكيل سماتٍ معيّنة من التاريخ من القرن العشرين حتّى اليوم : كيف يسهم التفاوت في خَلق العُنف السياسي ، بدءاً من التمرّد أو حتّى الثّورة إلى الإستبداد ؟ كيف تمكّنت بعض الدول من اغتنام وجود هذا التفاوت لكي تسعى إلى إعادة بناء المجتمع من خلال إصلاحات زراعية جذرية ؟ كيف يمكن للأرض أن تغذّي دوافع البحث عن القوّة أو على العكس أن تعيقها ، كما رأينا في حالة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ، علمّ بأنّ هذه الازدواجية من القوّة / الضعف ترتبط أحياناً بعدم المساواة في حيازة الأراضي ؟ وثمة تساؤل عرَضيّ آخر : كيف استُخدمت السياسات العِقارية ، التي جاءت استجابة لعدم المساواة في الأراضي ، للسيطرة على حيّز متعدد الإثنيات ؟ كيف تفرض الأرضُ ذاتها في إنتج هويةِ بعض الروايات الوطنية أو السياسية ؟
” خلال هذه الرحلة عبر المكان والزمان ، سنتناول أوروبا أوّلاً .
” ثمّ سنتحدّث عن الأميركتين ( الشمالية واللاّتينية ) . وآسيا .
” ثمّ سننتقل إلى الشرق الأوسط ، كون هذه المنطقة ، الواقعة على حدود آسيا وأفريقيا وأوروبا ، تشكّل بؤرةً للصّراع الدولي .
” وأخيراً سننهي رحلتنا في أفريقيا . ” .

تشكّل الأراضي الصالحة للزراعة أحد عوامل التبرير لعدم الاستقرارالسياسي ومنطق القوّة التي تجتاز كوكب الأرض منذ القرن العشرين

ويوضح الكاتب في ختام مقدّمة هذا الكتاب ، قائلاً : ” إننا لاندّعي أنّ دراستنا هذه شاملةً ” “. ويضيف : و” لا يدّعي هذا الكتاب أنّه يكتب تاريخاً زراعيّاً سياسياً منطلِقاً من العدم . إنّه يقترح الرّجوع إلى التاريخ الذي سبق وكتبه الكثيرون ، والنظر إليه من خلال منظور زراعي ، من دون أن يجعل من الأرض ، بحال من الأحوال ، تفسيراً لكل شيء . لا اختزاليّة هنا !

ويكمل : ” وعندما يتعلق الأمر باستخدام رؤيةٍ زراعية ، فإننا نقوم بذلك من خلال العودة إلى أعمال العديد من الباحثين الذين ، من خلال دراساتهم حول الأرض ، قد أضاؤوا العديد من الحالات النوعية . ويقدّم هذا الكتاب من خلال جمع هذه التحليلات المتفرقة ضمن ذات العرض التوضيحي ، وبدمجها مع مجالاتنا الخاصة ، مصنَّفاً شاملاً يهدف إلى فهمِ كيف كانت الأرض ولا تزال أرضاً خصبة للسياسة . ”

عن مؤلِّف هذا الكتاب
بيير بلان : مهندس عام للجسور والمياه والغابات ، حامل دكتوراه في الجغرافيا السياسية ، يُدرِّس العلوم الزّراعية.

السابق
مصادر «عين التينة» لـ«جنوبية»: الورقة الأميركية أقرب إلى «الثنائي» من المقترحات الفرنسية!
التالي
«نرفض الحرب في لبنان».. الخارجية الفرنسية: لاعادة انتشار الجيش جنوباً!