ما بعد «طوفان الأقصى»..3 سيناريوهات «أحلاها مر»!

ياسين شبلي

يومان وتدخل عملية “طوفان الأقصى” أسبوعها الثالث، وهي العملية التي بدأتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري ل”حركة حماس”، بهجوم صاعق وصادم على مستوطنات غلاف غزة وقواعدها العسكرية، وواجهتها إسرائيل بطوفان من الدم والدمار، كان آخرها قصف المستشفى المعمداني الذي خلَّف مجزرة رهيبة، راح ضحيتها حوالي 500 شهيد فلسطيني، وسط تعاطف ودعم أميركي وأوروبي غير مسبوق لها، مع تبني لروايتها المبالغ فيها عن تطورات العملية، وصلت حد ترديد الرئيس الأميركي أكاذيب، ثبت زيفها بعد ذلك ، وزيارات لرؤساء كل من أميركا وبريطانيا وألمانيا لإبراز الدعم، وصلت كذلك حد إشتراك الرئيس الأميركي ووزير خارجيته، بإجتماعات مجلس الحرب الصهيوني، الأمر الذي شجعها على التمادي ودفع الأمور إلى درجة التحضير لحرب شاملة، ما جعل الوضع في المنطقة شبيه بأجواء ما بعد أحداث 11 أيلول 2001، وقبل غزو العراق في آذار 2003، مع تحريك أميركا لأساطيلها البحرية وطائراتها و2000 من جنودها، في مسعى لردع من تسول له نفسه توسيع دائرة الحرب كما يقولون.

يترافق ذلك مع صمت عربي وإسلامي، بات غير مستغرباً بعد سلسلة التراجعات ومسار التطبيع، الذي كان آخر مراحله بداية تطبيع سعودي – إسرائيلي، ما ترك إنطباعاً لدى البعض، بأن هذا التطبيع الأخير بالذات، هو المستهدف بالدرجة الأولى من عملية “طوفان الأقصى”، لما للسعودية من ثقل عربي وإسلامي ودولي، وما يحمله هذا الثقل من تأثير على واقع المنطقة برمتها.

سيناريو بيروت العام 1982 مطروح لحل ازمة غزة حيث إمتدت الأزمة لمدة 3 أشهر كانت فيها بيروت محاصرة وتقصف يومياً بالطائرات كغزة اليوم وانتهت بخروج منظمة التحرير الفلسطينية منها

وهكذا مع إقتراب نهاية الأسبوع الثاني من الحرب، وما تخلله من تطورات دراماتيكية، سواء في غزة أم على الحدود الجنوبية للبنان، المعني الأول بما يسمى “وحدة الساحات”، بحكم تواجد العمود الفقري لمحور الممانعة والمقاومة، ألا وهو “حزب الله” على أراضيه، وبحكم رفع السقف الذي سبق وأن مارسه هذا الحزب بإسم محوره، ما وضع لبنان في موقف لا يحسد عليه، بشكل بدا وكأن أجواء عام 2006 تعود إلى المنطقة، حيث قامت حماس يومها في 25 حزيران، بهجوم أسرت خلاله الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ونقلته إلى قطاع غزة، تبعها في 12 تموز عملية مماثلة ل”حزب الله” ضد القوات الإسرائيلية، أسرت خلالها جنديين، ما أشعل حرب 2006 بين إسرائيل ولبنان، وكان هذا التزامن بين العمليتين، قد أوحى بشكل شبه أكيد بأن المايسترو هو واحد في الحالتين، وهي إيران من ضمن الصراع الإقليمي مع أميركا في أعقاب غزو العراق والتطورات في لبنان، بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

اليوم تبدو الأجواء مشابهة، بفارق أن الضربة هذه المرة التي تلقتها إسرائيل كانت قاسية، بما يشبه عملية 11 أيلول في أميركا، من حيث وقعها المعنوي والمادي، وما قد ينجم عنها من تداعيات، مع إختلاف الدوافع طبعاً بين العمليتين، الأمر الذي يدعو لمحاولة فهم إحتمالات تطور الأوضاع، بعد حوالي الأسبوعين من بدء الحرب وتطوراتها السياسية والميدانية.
في الواقع، يبدو من تطورات الأوضاع الميدانية، ومن مجريات الدعم الذي تقدمه كل من أميركا وأوروبا لإسرائيل، والتشدد الذي تبديانه تجاه “حماس” بشكل خاص، والقضية الفلسطينية بشكل عام سياسياً وإعلامياً، درجة منع رفع العلم الفلسطيني في بعض الدول، ومعاقبة أي شخصية عامة فنية كانت أم إعلامية، تبدي بعض التعاطف مع الشعب الفلسطيني وليس مع “حماس”، وهو أمر نكرر بأنه يذكِّر بتداعيات 11 أيلول في أميركا، هذه المعطيات جميعها توحي وبناءً على التجارب السابقة في مثل هذه الحالات، بأن غزة قد تكون أمام 3 سيناريوهات “أحلاها مر”:

أولاً : سيناريو بيروت العام 1982، حيث إمتدت الأزمة لمدة 3 أشهر، كانت فيها بيروت محاصرة وتقصف يومياً بالطائرات كغزة اليوم، وانتهت بخروج منظمة التحرير الفلسطينية منها، بعد أن عاثت فيها إسرائيل دماراً وخراباً وحصاراً، بلا طعام ولا ماء ولا دواء، ذاق أثناءها المدنيون الأمرين ما شكَّل عاملاً ضاغطاً على المنظمة يومها، هذا السيناريو يبدو أنه الأقرب حتى الآن على الأقل، في ظل سير المعارك والتطورات على الأرض.

السيناريو الثاني هو سيناريو بغداد 2003 حيث تطلب الأمر غزواً برياً بعد أن كانت الطائرات والصواريخ قد فعلت فعلها من تدمير كامل لكل مؤسسات الدولة العراقية من عسكرية ومدنية

السيناريو الثاني هو سيناريو بغداد 2003، حيث تطلب الأمر غزواً برياً، بعد أن كانت الطائرات والصواريخ قد فعلت فعلها، من تدمير كامل لكل مؤسسات الدولة العراقية من عسكرية ومدنية، في بلد أنهكته العقوبات والحصار بما يشبه وضع غزة اليوم، لكن الوضع في غزة قد يبدو أكثر تعقيداً، نظراً لضيق مساحتها الجغرافية، فضلاً عن أن القتال لن يكون ضد جيش نظامي، كما كان الحال في العراق ، بل ضد حركات مقاومة تعتمد حرب العصابات وهذا يعطيها أفضلية دفاعية على الأرض ضد الجيش المهاجم، سيما وأنها تحارب على أرضها، من هنا يبدو هذا السيناريو مكلف لإسرائيل، ربما أكثر منه لحركات المقاومة، وقد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، خاصة وأن لدى حركات المقاومة ورقة الأسرى، التي قد تشكل عامل ضغط على الإسرائيليين وعامل إرباك لخططهم.

يبقى السيناريو الثالث، وهو سيناريو حرب 2006 في لبنان، وهذا يعتمد بدرجة كبيرة على عامل الوقت ومدى قدرة حركات المقاومة على الصمود العسكري، وإستمرار ضرب الصواريخ وإلحاق الأذى بالعدو وإرباك ساحته الداخلية من جهة، وصمود السكان المدنيين في ظل المجازر التي ترتكبها إسرائيل، من دون أي رادع أخلاقي أو دولي، وفي ظل صعوبة الحالة المعيشية للناس، ومن حيث أنهم مكشوفين من دون أي غطاء سياسي أو إنساني، يقيهم تداعيات الحرب من جهة أخرى، ومع ذلك يبدو هذا السيناريو مستبعداً جداً، خاصة في ظل التوحش الإسرائيلي والغربي، بحيث لا يمكن لإسرائيل أن تقبل في غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” وضراوتها الميدانية والمعنوية، ما سبق أن قبلته في لبنان في العام 2006، نظراً لإختلاف الظروف بين لبنان وغزة أولاً، وكذلك بين “حزب الله” الذي كان له يومها عمقا إستراتيجيا، يتمثل بالداخل اللبناني والجوار السوري المفتوح، وبين “حماس” المحاصرة من كل جانب.

يبقى السيناريو الثالث وهو سيناريو حرب 2006 في لبنان وهذا يعتمد بدرجة كبيرة على عامل الوقت ومدى قدرة حركات المقاومة على الصمود العسكري

هذه السيناريوهات الثلاثة هناك ربما ما قد يرجِّح كفة أحدها على الآخر، وهو موقف محور الممانعة بقيادة إيران من جهة، وموقف الولايات المتحدة من جهة أخرى، وهو ما يطرح السؤال في ظل ما يجري على ساحة الجنوب اللبناني، وهو هل أن محور الممانعة وذراعه الأقوى “حزب الله” جاد في توسيع الحرب، وفيما ألزم به نفسه من سقف، إذا ما بدأت الحرب البرية متجاهلاً تحذيرات واشنطن بهذا الشأن، ومتجاوزاً الواقع المرير الذي يعيشه لبنان، أم أنه سيكتفي بقواعد الإشتباك المعمول بها في الجنوب، ويكون ما صدر عنه يدخل في باب الحرب النفسية ؟

إقرأ أيضاً: كارثة الطقس تحل على معرض الكتاب في الفوروم.. سيول وأمطار في «عقر الدار»!

كذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة، التي تتصرف وكأنها باتت صاحبة الكلمة الأولى في إسرائيل، بعد الصفعة التي تلقاها بنيامين نتنياهو، ودفعته لتشكيل حكومة طوارئ نزولاً عند رغبتها، والدعم العسكري الكبير الذي وفرته لجيشه، فهل ستقبل بتوسيع الحرب مع ما يعنيه ذلك من إطالة لأمدها، وما قد يجره من حرب إستنزاف قد تتعرض لها إسرائيل، وذلك في ظل إستمرار الحرب الأوكرانية، وما قد يسببه هذا الأمر من إشكالات ومشكلات في أوروبا، أم أنها ستكون حازمة في تصديها لإيران و”حزب الله” لمنعهما من التصعيد، وإظهار أن ما تقوم به من تجهيزات للردع، هو أمر جدي ولا يندرج فقط في خانة الحرب النفسية؟

هذه الأسئلة قد تجيب عنها الأيام المقبلة، التي على ما يبدو ستكون حبلى بالتطورات، خاصة بعد زيارة جو بايدن لإسرائيل، ومحاولته تنفيس الغضب العربي من أثر عملية قصف المستشفى، وذلك عبر الموافقة “الإسرائيلية” والتي هي في الحقيقة قرار أميركي، بإدخال بعض المساعدات المشروطة للمدنيين الفلسطينيين، لمحاولة تهدئة الخواطر ، بإنتظار ربما إيجاد طريقة جديدة لمساعدة إسرائيل بها، على تنفيذ مخططها للترانسفير ضد الفلسطينيين الذي أحبطه – حتى الآن على الأقل – موقف عربي حازم، داعم لموقف مصر المبدئي والجيد من هذا الموضوع، فماذا يا ترى تحمل الأيام المقبلة من تطورات، وأي الإحتمالات أقرب للتنفيذ، وماذا سيكون تأثيره على المنطقة وتطوراتها ككل؟ من يعش يرَ .

السابق
الجبهة الجنوبية ساخنة..«حزب الله» يهاجم 4 مواقع والمدفعية الاسرائيلية تقصف مروحين وحولا ومحيط الناقورة!
التالي
«قواعد حماه» وإشكالية الاستلهام!