حربٌ بلا نهاية: نشاط «داعش» المتزايد في سورية، وخيارات خصومه

زلزال سوريا

شنَّ تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف إعلامياً باسم «داعش») في سورية، في شهري يوليو وأغسطس 2023، هجمات متتالية كانت الأعنف والأكثر دموية خلال هذا العام. وتزامنت تلك الهجمات مع تعيين التنظيم زعيماً جديداً له، وخلّفت قتلى وجرحى من القوات التابعة للحكومة السورية في كلٍّ من محافظات الرقة ودير الزور، بينما كان الهجوم الأبرز من الناحيتين الأمنية والرمزية قُرب العاصمة، حيث استهدف التنظيم منطقة السيدة زينب التي تُعدّ معقلاً مهماً للقوات الموالية لإيران. 

تُسلِّط هذه الورقة الضوء على أسباب ارتفاع وتيرة هجمات تنظيم “داعش” في سورية، وتُحلل دلالاتها وأهدافها، وخيارات الحكومة السورية والقوى المتحالفة معها في مواجهة التنظيم، وأولويات “داعش” في المرحلة المقبلة. 

التوثُّب من الأطراف إلى العُمْق: دلالات هجمات «داعش» وأهدافها

قُتل خلال الشهرين الماضيين حوالي 50 عنصراً من القوات الحكومية السورية وجُرح قرابة 30 آخرين بينهم مدنيون في هجمات شنها تنظيم “داعش” على مناطق متفرقة من البلاد. كان أول الهجمات وأهمها من الناحية الأمنية الهجوم المزدوج الذي ضرب منطقة السيدة زينب في الجنوب من العاصمة دمشق، عبر تفجير سيارة ودراجة مفخخة في 25 و28 يوليو الماضي، ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى مدنيين. واستهدف الهجوم الثاني مناطق سيطرة الحكومة السورية في محافظة الرقة، وتحديداً بلدة معدان عتيق، في 8 أغسطس، وأسفر الهجوم عن سقوط 20 عنصراً من القوات الحكومية بين قتيل وجريح. وفي 11 أغسطس قُتل 25 عنصراً وجُرح آخرون من القوات الحكومية في هجوم نفذه مقاتلو التنظيم على حافلتين في منطقة معيزيلة في بادية ديرالزور الجنوبية، ويُعدّ هذا الهجوم الأعنف للتنظيم خلال العام الحالي من حيث عدد القتلى. وكان أسلوب/تكتيك الهجوم لافتاً، إذ نُفِّذ عبر مجموعة عسكرية استهدفت الحافلات من المسافة صفر، ما يمُثِّل تطوراً في أسلوب التنظيم الذي كان يركز سابقاً على استهداف تلك الآليات بالعبوات الناسفة والألغام الأرضية.

اقرأ أيضاً: 2011 في الاحتجاجات السورية الراهنة.. عن الحراك المتجدد واحتمالات التغيير السياسي في سوريا

ويُمكِن عزو تزايُد هجمات تنظيم “داعش” السوري وتنوُّعها، في الفترة الأخيرة، إلى سبب أساسي هو تعيين زعيم جديد له، وهو “أبو حفص الهاشمي القرشي”، “الخليفة” الخامس للتنظيم منذ إعلانه ما يسمى “الخلافة” في يونيو 2014. والواضح أن الخليفة الجديد يحاول إبراز ذاته وقدرته على إدارة التنظيم، إضافة إلى التأكيد على الوجود القوي لتنظيمه في مناطق انتشاره وخاصة دول المركز، أي سورية والعراق. وهذا نهج تقليدي معتمد من قبل التنظيم؛ فبعد تولي “أبو إبراهيم القرشي” خلفاً لزعيم التنظيم المقتول “أبو بكر البغدادي”، كثَّف التنظيم هجماته في سورية والعراق، وقام بأكبر عملية عسكرية منذ إعلان الولايات المتحدة القضاء عليه عام 2019، مُستهدِفاً سجن الصناعة في محافظة الحسكة، بهدف تحرير معتقلي التنظيم في السجن. أما “أبو الحسن القرشي”، فقد بدأ عهده بهجمات انتحارية استهدفت قادة فصائل سابقين في الجيش الحر داخل درعا، ما تسبب في مقتل عدد منهم أبرزهم غسان الأكرم أبا زيد، وكذلك التفجير الانتحاري الذي استهدف سوقاً شعبية في بغداد، وراح ضحيته 36 مدنياً وعشرات الجرحى. 

ومع أن التنظيم يبدو عازماً على المضي في حرب كرٍّ وفرٍّ ليس لها نهاية، عبر تدبير الاغتيالات والهجمات السريعة والعبوات الناسفة التي تستهدف طرق تنقل الجيش السوري وإمداداته، إلا أن دخول “داعش” في مواجهة مباشرة مع القوات الحكومية في دير الزور، واستهداف منطقة السيدة زينب بسيارات مفخخة عَكَسا نقلة لافتة في تكتيكات التنظيم، ويُعدّ ذلك توسيعاً في نطاق عملياته عبر استهداف عمق مناطق سيطرة سلطات دمشق، وهو أمرٌ يشير إلى أن التنظيم بات يملك القدرة على اختراق مناطق محصنة وحساسة أمنياً. كما تؤكد طريقة الهجوم على وجود خلايا للتنظيم في العاصمة السورية أو بالقرب منها. فالهجوم على منطقة السيدة زينب حصل على رغم أنها تخضع لتشديد أمني ونفوذ إيراني كبير وقبيل يوم “عاشوراء”، في وقت تشهد المنطقة نشاطاً دينياً وحشوداً من الزوار من إيران والعراق ولبنان لضريح السيدة زينب. وجاء الهجوم بفاصل زمني قدره أربعة أيام بين العمليتين الأولى والثانية، ما يدل على أن الخلايا تعرف طبيعة المنطقة وتحركت داخلها بشكل جيد، مع معرفة كيفية  تجاوز الطوق الأمني المفروض هناك.

وتُعزز هذه الهجمات، خاصةً في عمق مناطق سيطرة الحكومة السورية وحلفائها، جهود التنظيم في البروز طرفاً وحيداً في مقاتلة نظام الرئيس بشار الأسد داخل مناطق نفوذه، بعد إفراغ تلك المناطق من فصائل المعارضة نتيجة اتفاقات الإخلاء أو المصالحة من محيط دمشق، ودرعا، ومناطق أخرى. ويُرجَّح أن أحد أهداف التنظيم من نقل المواجهة إلى قرب العاصمة تعزيز حظوظه باستقطاب عناصر جدد إلى صفوفه، حيث تَترك الهجمات في المناطق الحساسة مثل منطقة السيدة زينب (معقل النفوذ الإيراني في العاصمة السورية) أثراً أكبر في مُتابعي التنظيم مقارنةً مع عمليات أخرى ضد الجيش السوري في البادية. 

وربما تعكس زيادة وتيرة الهجمات مساعي زعيم التنظيم الجديد لإجراء فحص تقديري لقوة وقدرات مقاتليه من حيث الحجم والإمكانات من جهة، وتجربة قدرات الحكومة السورية وحلفائها من جهة أخرى، بهدف معرفة حدود استجابة الطرف المقابل وردود فعله، وبناء سياسة المرحلة المقبلة على نتائج تلك الاختبارات.

«داعش» وأولويات المرحلة المقبلة

إن سَعْي تنظيم “داعش” لتقوية صفوفه يجعله يُركز خلال المرحلة المقبلة على عدة أولويات تُمثِّل المحدد لمستقبله على المدى القصير. يتمثَّل أولها في استمرار وجوده في البادية السورية، باعتبارها ملاذاً آمناً مثالياً ونقطة انطلاق لعمليات الكر والفر التي تستهدف طرق الإمداد ومحيط البادية، مثل دير الزور والسلمية. 

وثاني هذه الأولويات، الاستمرار في دعم نظريته الدعائية بهدف الاستقطاب البشري إلى صفوفه، والدعم المعنوي لفروعه المنتشرة في العالم عبر تأكيد وجوده القوي في سورية والعراق، المنطلق الرئيس ومعقل خلافته الأولى. ففي إطار تحقيق هذا الهدف، قد يسعى التنظيم إلى إيصال ضربات قوية لخصومه في عمق مناطق سيطرتهم على غرار تفجير السيدة زينب، أو اقتحام سجن الصناعة في الحسكة، في فبراير 2022. 

ويتمثَّل ثالث أولوياته في إيجاد موطئ قدم له في الحواضر المدنية على شكل خلايا أمنية لاستهداف الخصوم وتجنيد عناصر جدد. وفي هذا الإطار، يعمل التنظيم على بناء قاعدة لحضوره في المناطق الحضرية، وتشكل عماد هذه القاعدة خلايا أمنية عسكرية مهمتها تنفيذ عمليات خلف الخطوط (مثل عملية التفجير في السيدة زينب)، وأخرى تنظيمية تسعى لكسب أنصار جدد وضمِّهم إلى صفوفه. وعادةً ما يكون لهذه القواعد دور مالي من خلال استثمار بعض الأصول المالية للتنظيم في أعمال تجارية تصب في خزينته. وسبق أن حاول التنظيم بناء قواعد كهذه في إدلب عندما نقل خليفته البغدادي إلى هناك قبل سقوط مخيم الباغوز عام 2019، لكنه قُتل في خضم هذا المسعى، وحاول اثنان من الخلفاء بعده العمل على إتمام بناء تلك القاعدة، لكنهم تعرضوا للقتل قبل إنجازهم هذا الأمر. ثم حاول التنظيم بناء قاعدة له في درعا، لكن هذا كلَّفه مقتل زعيمه أبو الحسن الهاشمي. ويُظهِر التفجير في منطقة السيدة زينب أن “داعش” لم يتخل عن مسعى بناء قواعد خلف خطوط الاشتباكات مع خصومه، لأن تحقيق اختراق أمني من هذا النوع يتطلب وجود متعاونين أو خلايا تابعة للتنظيم في منطقة العاصمة. 

ومن المرجَّح، على المدى القصير، أن يمضي تنظيم “داعش” في محاولاته لبناء هذه القواعد، وسط خيارات صعبة، في مناطق عدة من سورية، أهمها الآتي: 

 إدلب. لن يكون للتنظيم فرصة كبيرة في التوسُّع داخل المحافظة، بسبب وجود خصم قوي مناهض للتنظيم هو هيئة تحرير الشام، التي تلاحق خلايا التنظيم وتعتقلها بشكل مستمر، بالإضافة إلى العمل الاستخباراتي التركي والأمريكي داخل المحافظة، الذي راح ضحيته عددٌ من قادة التنظيم.

شرق الفرات. لدى “داعش” نشاط مستقر منذ سنوات في شرق الفرات عبر خلاياه الأمنية، كما يستغل التنظيم الخلافات القومية بين العرب والأكراد لتوسيع نفوذه. إلا أن احتمال توسُّعه بشكل كبير ضئيل نظراً لوجود القوات الدولية لمكافحة الإرهاب، وعلى رأسها القوات الأمريكية. وعلى المستوى الشعبي، لا يزال قسم كبير من السكان يميل لخيار الإدارة الذاتية، باعتبارها أقل الأطراف سوءاً. 

دمشق، ومناطق سيطرة الحكومة السورية. للتنظيم مصلحة في توسيع نشاطه الأمني هناك، والقيام بعمليات مؤثرة على الصعيد الرمزي والإعلامي والسياسي. ويعزز التدهور الاقتصادي، والبطالة، وقدرة التنظيم على توفير أموال كافية لمنتسبيه هناك، من هذه الفرص. لكن ثقل وجود الدولة السورية، وحلفائها الإيرانيين، عسكرياً وأمنياً، يجعل سقف عمليات “داعش” مقصوراً، حتى الآن، على استغلال خلاياه للقيام بعمليات خاطفة دون القدرة على التوسع بشكل كبير في هذه المناطق.

درعا. يواجه التنظيم في درعا خصومه السابقين ضمن فصائل المصالحة والذين قاتلوه لسنوات، كان آخرها في أكتوبر 2022، عندما طردوا مجموعات هفو والحرفوش المرتبطة بالتنظيم من درعا البلد، وبعدها قتلوا زعيم التنظيم أبو الحسن الهاشمي القرشي. إلا أن هذه المحافظة الجنوبية، التي لم تعرف الاستقرار الأمني منذ سيطرة النظام عليها في 2018، تبقى أرضية محتملة لبناء التنظيم قواعد له في المناطق الحضرية. واللافت أنه على الرغم من احتواء خطر “داعش” في نهاية السنة الماضية في درعا، فإن بعض التقارير تشير إلى إعادة نشاط التنظيم بشكل خفي في المنطقة.  وهناك عوامل عدة تساعد عودة “داعش” إلى درعا، أهمها الآتي:

  • بعد سيطرة قوات الحكومة السورية وقضائها على جيش خالد بن الوليد، ذراع “داعش” في درعا، بالتعاون مع الفصائل المحلية، أُطلِق سراح العشرات من عناصره في 2019،بينهم قيادات. وتسهم علاقات هذه القيادات وشبكاتها التي انضمت إلى التنظيم على اختراق درعا مجدداً.
  • الفوضى الأمنية في المحافظة وغياب طرف قوي مسيطر يستطيع ضبط الأمن، حيث تشهد وجوداً للقوات النظامية السورية، وأيضاً لفصائل المصالحة مع سلاحها الخفيف والمتوسط.
  • الوجود الإيراني ومحاولات توسُّعه قد تسهِّل مساعي التنظيم للعب على الوتر الطائفي الديني في منطقة ذات طبيعة دينية سنية تُبدي حساسية كبيرة تجاه الحضور الإيراني، ومشروعها السياسي والعقائدي.

خيارات دمشق وحلفائها

دفعت هجمات “داعش” الأخيرة قوات الحكومة السورية بمشاركة مليشيات موالية لإيران ودعم جوي روسي، إلى شن حملة تمشيط للبادية السورية بهدف احتواء التنظيم هناك. وهذه الحملة ليست الأولى من نوعها وعلى الأرجح أنها لن تكون الأخيرة، فخلال السنوات الماضية شُنَّت حملات عديدة بهدف القضاء على التنظيم في مناطق البادية السورية دون نجاح، ويُمكن إرجاع ذلك لأسباب عدة، أهمها الآتي:  

أولاً، دائماً ما تأتي العمليات العسكرية ضد “داعش” في معرض رد الفعل عقب هجمات عنيفة للتنظيم، تتسبب بخسائر موجعة للقوات الحكومية السورية وحلفائها. فعملية التطهير التي أُعلِنَ عنها مطلع 2020، كانت رداً على هجمات التنظيم على السخنة وحقلي آراك والهيل النفطية؛ وعملية الصحراء البيضاء التي أعلنت عنها روسيا جاءت رداً على مقتل الجنرال الروسي فيتشسلاف غلادكيخ، في ريف ديرالزور الجنوبي. أما العملية الحالية، المشار إليها في مُستهل هذه الفقرة، فتُمثِّل رداً على الهجوم الذي استهدف عناصر الفرقة الرابعة في بادية دير الزور الجنوبية.

ثانياً، على رغم التوافق الظاهري بين الحلفاء، روسيا وإيران والحكومة السورية، فإنّه من الواضح أن هناك خلافات وحالة تنافس قائمة بينهم تحول دون التخطيط المشترك لحملة عسكرية موسعة ضد “داعش”. فالقوات الإيرانية لم تشارك في عملية الصحراء البيضاء أو العملية التي سبقتها، وكذلك في الحملة الأخيرة التي أعلنتها الحكومة السورية في 15 أغسطس، بينما تكتفي روسيا، من جهتها، بالمشاركة الجوية لإسناد القوات النظامية السورية المتقدمة برياً. وقد زادت حالة التنافس والخلاف بين الجانبين الروسي والإيراني في الفترة الأخيرة، خاصة بعد افتتاح القوات الروسية مقراً لها في مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية، التي تُعدّ أهم معاقل القوات الإيرانية شرق سورية، وكذلك نتيجة ما يبدو بدايةً لتفاهم أمريكي-إيراني لتهدئة الأوضاع في شرق الفرات، على الضد من المصلحة الروسية القائمة على زعزعة الوجود الأمريكي في المنطقة.

وحتى لو زالت كل هذه الأسباب، سيظل القضاء على “داعش” في البادية السورية بشكل كامل أمراً صعباً للغاية. ويُشكل وجود التنظيم في مناطق نائية في البادية بعيداً عن المجتمعات السكانية عاملاً أساسياً في عدم قدرة الحكومة السورية وحلفائها على الحصول على معلومات استخباراتية عن التنظيم، من خلال الأسلوب التقليدي الذي يقوم على تجنيد متعاونين خارج صفوف التنظيم، مهمتهم نقل التحركات وجمع المعلومات الاستخباراتية المبدئية. ويؤكد فشل العمليات الاستخباراتية أن القوى المهاجمة تجهل أماكن تمركز التنظيم والمواقع المحتملة لوجود خلاياه، كما تغيب عنها المعلومات التي يمكن من خلالها رصد تحركات التنظيم وتوقُّع هجماته والتعامل معها قبل حدوثها.

ويؤدي النهج الذي يتبعه التنظيم أيضاً دوراً مهماً في زيادة صعوبة محاولات القضاء عليه. فالتنظيم يتجنَّب السيطرة على طرق استراتيجية أو مناطق مأهولة بالسكان في القرى والبلدات، لتجنُّب فتح خطوط مواجهة مباشرة وواضحة مع القوات السورية، ويتقيَّد في الغالب بعمليات الكر والفر. كما تُشكل قدرة عناصر التنظيم على التخفي والتحرك المستمر ضمن جغرافية البوادي الشاسعة عاملاً إضافياً يساعده على البقاء، ويُصعِّب عملية ملاحقته.

من جانبٍ آخر، يشكل التنظيم محل استثمار سياسي لروسيا وإيران والولايات المتحدة، فتسويغ وجود جميع هذه الدول في سورية قائم بشكل جزئي على محاربة الإرهاب، وخاصة تنظيم “داعش”، لذلك ربما لا توجد رغبة سياسية لدى هذه الدول في القضاء على التنظيم بشكل كامل في الوقت الراهن. 

وإجمالاً، تبدو خيارات الحكومة السورية وحلفائها في مواجهة تنظيم “داعش” محدودة؛ فهناك الخيار العسكري الذي لن يكون له -في الظروف الحالية- أثر كبير، والخيار الثاني تشديد التدابير الأمنية، خاصة في المناطق الحساسة، لمنع هجمات التنظيم. بينما يتمثَّل الخيار الثالث، وإن كان غير منطقي للبعض، في التواصل عبر وسطاء، بهدف التوصل إلى تفاهمات مع التنظيم لتحديد قواعد للعبة، وصولاً إلى تهدئة الأمور وعدم الاعتراض المتبادل. وسبق أن جرت تفاهمات على أساس المنفعة المتبادلة بين “داعش”من جهة والسلطات السورية أو حلفائها من جهة أخرى عبر وسطاء محليين موثوقين من الطرفين. 

خلاصة واستنتاجات

تُهيمِن الاستمرارية على استراتيجية تنظيم “داعش” في سورية، وسط تحولات قد تكون صغيرة لكنها مؤثرة في مسار تحقيق أهداف التنظيم، الذي يقف اليوم أمام مفترق طرق بعد أن استلمت قيادة جديدة شؤون الجماعة. وبما أن الهدف المحوري بعيد الأمد للتنظيم هو التحضير لانبعاثٍ ثانٍ على غرار ما حصل في 2014، فلا يمكنه فعل ذلك من مخابئه في البادية السورية، وهو بحاجة إلى إلحاق ضرر أكبر وتوسيع قاعدته في عمق مناطق سيطرة خصومه.

وثمة عوامل عديدة تُعزز فرص التنظيم، تشمل الانقسامات الطائفية، والممارسات العنيفة للقوى المتصارعة، وغياب أجندة مصالحة أو حل سلمي لإنهاء الصراع السوري، ومحدودية خيارات الحكومة السورية وحليفيها الإيراني والروسي في مواجهة نشاطات “داعش”، فضلاً عن الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي وغياب الخدمات الأساسية في الكثير من مناطق البلاد، ما قد يَدفع الأشخاص الذين لا يؤمنون بأيديولوجية هذه الجماعة إلى العمل معها من أجل إعالة أطفالهم.

وتبعاً لتقلبات الوضعين الأمني والسياسي في سورية، قد يتكرر السيناريو المعتاد، حيث تهدأ وتيرة هجمات “داعش” وشدتها، وبحيث تنحصر في البادية السورية ومحيطها. أو قد نشهد، في اتجاه توسعي مضاد، المزيد من الهجمات في عمق مناطق سيطرة الخصوم، بهدف كسب الدعم واستدراج مُنتسبين جدداً. ولكن الهدف الثابت، على ما يبدو، سيظل يتمثَّل في مساعي “داعش” المستمرة لبناء قواعد وخلايا في المناطق الحضرية في كُلٍّ من سورية والعراق، باعتبارهما المركز الرئيس للتنظيم. وتبقى حالياً منطقة درعا الجنوبية، التي تُعاني من الفوضى والاقتتال الداخلي وغياب الأمن والاختراق الإيراني، أكثر المناطق ملائمة لتحقيق هذا الهدف على المدى القصير.

السابق
الدولار يفتتح السوق السوداء.. كم سجل صباحاً؟
التالي
ارتفاع طفيف بأسعار المحروقات.. كم اصبحت؟