شهادات موثقة عن جرائم مروعة للدعم السريع ضد المدنيين في السودان

قوات الدعم السريع

نشر موقع شبكة سي أن أن الأمريكية السبت 17 حزيران تقريرا لعدد من المراسلين، أشاروا فيه إلى الجرائم المروعة، والانتهاكات التي تقوم بها قوات الدعم السريع التي يقودها الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”. ضد المدنيين في السودان. وجاء في التقرير أن مقاتلين من  قوات حميدتي، والجماعات المسلحة المتحالفة معه تقوم بمراقبة الطريق من دار فور إلى تشاد، حيث وصف ناجون الجرائم التي ترتكب على أيدي المسلحين بالمروعة.

ففي سيارة كانت امرأة اسمها فاطمة وفي المراحل الأخيرة من الحمل غارقة في الدم، حيث سجيت على المقعد الخلفي للسيارة التي نقلتها وبثينة نورين التي كانت جالسة إلى جانب المرأة الميتة. وقالت؛ إن المسلحين طلبوا المال من كل راكب مقابل السماح لهم بالمرور. وأصبحت طريقة الابتزاز الوحشية شائعة في دارفور حسب عدة شهادات لناجين ذكروا الأمر نفسه.

اقرأ أيضاً: «على الطريقة اللبنانية».. مخيم جنين يواجه إسرائيل!

وكانت ولاية دار فور الواسعة ساحة لأول إبادة في القرن الحادي والعشرين، حيث أدى القتل بين المليشيات العربية والأفريقية لنزوح الملايين وقتل مئات الآلاف.

وهناك أدلة متزايدة من شهادات ومقاطع على منصات التواصل الاجتماعي، تؤكد أن قوات الدعم السريع أعادت إحياء الأساليب القديمة في دار فور وصدرتها لأماكن أخرى في السودان، حيث تخوض حربا مع الجيش. فمنذ منتصف نيسان يقوم الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان بغارات جوية تضرب مواقع الدعم السريع في مناطق بالخرطوم وحول البلاد. أما حميدتي، فقد قوى من مواقعه العسكرية من خلال طرد المدنيين من ممتلكاتهم، ويطبق الأسلوب نفسه الذي استخدمه في دارفور “اقتل روع واطرد”.

وتعتبر قصة فاطمة واحدة من الأمثلة، حيث استعاد شهود عيان قصتها وقالوا؛ إنها عندما وصلت آخر نقطة تفتيش لم يكن لديها مال فقد أنفقته على كل نقاط التفتيش التي تديرها قوات الدعم السريع ومرت بها، ولم يكن يفصل بينها وولديها والجنين  التي تحمله سوى كيلومترات لكي تصل إلى الآمان في تشاد. وتقول نورين: “أخبرت المقاتلين أنها أنفقت كل أموالها على نقاط التفتيش السابقة، ولكنهم أطلقوا النار عليها فورا”.

ووجد تحقيق “سي أن أن” أن الدعم الذي تقدمه شركة المرتزقة الروسية، فاغنر لحميدتي يفاقم من العنف. وبحسب مسؤولي استخبارات وشهود عيان في معابر رئيسية وتحليل الشبكة للمعلومات المتوفرة على المصادر المفتوحة، فقد سلحت فاغنر قوات الدعم السريع من خلال طرق تمر عبر منطقة دارفور.

وقال مسؤول غربي: “ما لا شك فيه هو دور فاغنر في هذا. وتقوم بإمداد قوات الدعم السريع بالسلاح والإمدادات الأخرى عبر دار فور”. وقال آخر: “تتبع طريقة فاغنر، عن خلق الفوضى والسيطرة على السلطة”.

وفي تحقيق استمر لشهر، وجدت سي أن أن، أن فاغنر زادت من إمداداتها لقوات الدعم السريع، وفي الأيام التي سبقت اندلاع النزاع في السودان. وتم نقل الأسلحة عبر معابر رئيسية في دار فور، من القاعدة العسكرية الروسية في حميميم قرب مدينة اللاذقية على البحر المتوسط، ومن بانغي؛ عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى.

وتم نقل الأسلحة برا عبر طرق في السودان، واستفادت من العلاقة القوية التي منح السلطات السودانية موسكو تنازلات في مناجم الذهب مقابل الأسلحة والدعم السياسي.

وساهم التفاهم القائم على خدمة بخدمة في تمويل موسكو حربها ضد أوكرانيا وتقوية  حميدتي وقواته في السودان الذي صعد سريعا إلى السلطة من قائد للجنجويد إلى قائد للدعم السريع، وهو الاسم الجديد للمليشيات سيئة السمعة في دارفور. فقد تم دمج الجنجويد وتعني بلغة غرب السودان “الشيطان على ظهر الفرس” بالجيش السوداني.

وقبل اندلاع الحرب كان حميدتي الرجل الثاني في الحكم بعد البرهان،. ثم تحول التعاون إلى تنافس علني، حيث تخلت فاغنر، كما كشفت سي أن أن عن دعم الجيش لصالح حميدتي. وقتل منذ بداية المواجهات أكثر من 860 شخصا حسب أرقام الأمم المتحدة وجرح حوالي 6.000 شخص، إلى جانب هروب حوالي نصف مليون سوداني حتى 3 حزيران/يونيو و1.4 مليون نازح داخل السودان.

وبسبب إغلاق الإنترنت في دار فور، فإن المعلومات حول ما يجري فيه تأتي مع الهاربين. وتتساوق التقارير عن الجرائم التي ارتكبها مقاتلو الدعم السريع، الذين يتم التعرف عليهم من خلال زيهم مع كل الشهادات. وتشمل الفظائع، القتل التعسفي والتدمير الكامل للبنى التحتية الحيوية ونهب البيوت والمستشفيات والاغتصابات الجماعية.

ويقول حسين حران، وهو ناشط حقوقي كان في الفاشر، بدارفور عندما اندلع القتال: “شاهدت حرق مراكز إيواء النازحين، ورأيت قوات الدعم السريع وهي تداهم المساكن”.

وقال: “تم نهب المستشفيات أيضا، وفي مستشفى الجنينة التعليمي سرقوا بنك الدم الذي سال في الشارع”. وقال: “الطريقة الوحيدة لتوضيح هذا هو أنهم لم يكونوا يريدون الحفاظ على نقطة دم  للأفارقة كي يعالجوا”.

وقامت قوات الدعم السريع يوم الأربعاء  الماضي 14 حزيران يونيو باختطاف وقتل حاكم غرب دار فور خميس أبابكر، حسبما قال الجيش السوداني. ونفى الدعم السريع المسؤولية وحمل المارقين المسؤولية لكن  بدون تقديم أية معلومات.

ورغم صعوبة التأكد من الشهادات، إلا أن صور الأقمار الاصطناعية تقدم صورة حول الوضع، فقد أظهرت أن حوالي 3 مدن وعشر قرى حرقت جزئيا في الشهر الماضي فقط. وحرق سوق في الجنينة الذي كان يقيم فيه 100.000 نازح من العنف في العقدين الماضيين. وتم حرق مدرسة حولت لمركز إيواء النازحين الداخليين، وحسب صور الأقمار الإصطناعية. وصور الناشطين فان  قوات الدعم السريع تشعر بسكرة بالقوة وأنها افضل تسليحا من المليشيات التي سبقتها قبل عقد.

وتقول خلود خير من مركز بحث  “كونفولنس أدفايزي” بالخرطوم؛ إن “حجم القتال في دارفور اليوم يتفوق على ما جرى بداية القرن الحالي” و “لم تكن الجنجويد عام 2003 قادرة على عمل ما فعلته قوات الدعم السريع عام 2023”. وتضيف بأن “حميدتي بعدما أثرى نفسه وعزز موقفه رغم الاضطرابات بالأعوام الأربعة  الماضية، أصبح في وضع يؤهله عمل هذا”.

ويعتقد أن أكثر من 300.000 شخص قتلوا في حملة الجنجويد تلك، حيث وجهت محكمة الجنايات الدولية للبشير عام 2010 تهما بالإبادة، ولم تسلمه السلطات السودانية بعد للوقوف أمام المحكمة. ومنذ ذلك الوقت، عززت قوات الدعم السريع مداها إلى خارج السودان من ليبيا إلى اليمن، حيث ساعدت التحالف السعودي-الإماراتي ضد المتمردين الحوثيين.

وعزز حميدتي موقعه عندما أسهم في الإطاحة بالبشير عام 2019 وأقام علاقات قوية مع الإمارات وروسيا، حيث أصبح من أقوى وأغنى الرجال في السودان.

ومن ملامح حملات الإبادة في دار فور بداية القرن الحالي، كان الاغتصاب وهو ما وثقه الباحثون.

وتقول هالة القريب، المديرة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية للمرأة في القرن الأفريقي: “الاستراتيجية لاغتصاب النساء يستخدمها الدعم السريع بشكل مكثف”.

وتضيف أن “المحزن هو أنهم باتوا مرتاحين للوضع؛ لأنهم لم يتعرضوا أبدا للمحاسبة”.

وتم توثيق عشرات حالات الاغتصاب الجماعي والاعتداء الجنسي على القاصرات منذ بداية الأزمة الحالية.

وفي أيار، ذكرت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة الحكومية أنه تم تسجيل حوالي 36 حالة اعتداء جنسي في العاصمة الخرطوم، منها 18  تم توثيق ارتكابها من عناصر الدعم السريع.

إلا أن الناشطين يتحدثون عن حالات أوسع، فقد تلقت  المبادرة الاستراتيجية معلومات عن اختطاف 24 امرأة إلى فندق الضمان في جنوب دار فور، حيث اغتصبن لثلاثة أيام. وتتراوح أعمارهن من 56 عاما إلى 14 عاما، حسب المبادرة.

وسجلت حالات اغتصاب في العاصمة حيث طرد الدعم السريع السكان من بيوتهم ونهبها. وفي شريط فيديو تحققت منه سي أن أن، شوهد مقاتل وهو يغتصب امرأة في ساحة بيت بالخرطوم، وكان يرتدي زي الدعم السريع.

وفي شريط فيديو حصلت عليه المبادرة، قالت امرأة؛ إنها أجبرت على مشاهدة مقاتلين من الدعم السريع وهم يغتصبون ابنتيها أمامها: “لقد ضربونا بالبنادق” و”قلنا لهم لا مال لدينا أو ذهب”،  و”اغتصبوا ابنتي وكانتا تصرخان بأعلى صوتيهما، وكنا نصرخ أيضا”.

وأضافت: “منعت ابني من الذهاب لإنقاذ أختيه، وقلت له: لو ذهبت فسيخردقون جسدك بالرصاص”.

ويقول الناشطون؛ إن الاغتصاب انتشر في أنحاء مختلفة من السودان، وزاد لأن حميدتي وقواته شعروا بالحصانة من العقاب. ويقول محلل شؤون السودان إريك ريفز: “لا أحد ملوثة يده بالدم أكثر من حميدتي”. وفي بيان للدعم السريع، نفى كل الاتهامات من القتل التعسفي والنهب والاغتصاب، واتهم الجيش بقصف المدنيين ورفض شهادات قال أصحابها إنهم شاهدوا الجناة في زي الدعم السريع، حيث وصف البيان بأن الزي مزور.

 الى ذلك كشفت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، الأحد عن مقطع مصور، لعنصر من الدعم السريع  في الخرطوم، وهو يغتصب امرأة في فناء أحد المنازل.

وقالت الشبكة إنها تحققت من صحة الفيديو، الذي التقط بسرية تامة من الجانب المقابل للمنزل، والذي يظهر فيه عنصر يرتدي زي الدعم السريع وهو يراقب المكان، في حين خلفه فناء أمام أحد المنازل، حيث يقوم زميل له باغتصاب امرأة بشكل واضح.

وأشارت إلى أن المصور كان يقول عند التصوير: “بالنسبة للأشخاص الذين يقولون إنه لا يوجد اغتصاب  ، فهذا اغتصاب”.

وتابع: “هذا الرجل يقف هناك للتأكد من أن الجاني محمي”، مشددا بالقول: “هذا يحدث في الأماكن العامة، في شارع رئيسي، وبجرأة ووقاحة تامة”.

ولفتت الشبكة إلى أنها حصلت على شهادات ومقاطع مصورة، تظهر ارتكاب الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، بدعم من مرتزقة فاغنر الروس،  فظائع بحق المدنيين، وخاصة في دارفور، منها عمليات قتل واغتصاب جماعي.

ولفتت “سي إن إن” إلى أن الدعم السريع نفى ممارسة الاغتصاب والقتل التعسفي، واتهم في المقابل الجيش، زاعما أن الزي الذي يرتديه الظاهرون في الفيديو مزيف ولا يعود لهم.

من جهتها كانت صحيفة “الغارديان” البريطانية قد نشرت  الأسبوع الماضي-الخميس 14 حزيران يونيو- تقريرا عن الناجيات من الاغتصاب في الحرب الدائرة حاليا في السودان  ، حيث لا يستطعن الحصول على الأدوية الحيوية التي تعطى عادة للناجيات من عمليات الاغتصاب، مثل حبوب منع الحمل والحبوب المانعة لانتشار أمراض نقص المناعة.

وقالت الصحيفة إن السبب في ذلك يتمثل في أن هذه العقاقير مخزنة في عمارة بالعاصمة الخرطوم، ولا يمكن الوصول إليها بسبب القتال المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وقالت كاتبة التقرير ويرونيكا سترزينسكا إن مخزن الأدوية فيه 47 ألف وحدة للعناية، والتي تستخدم في العلاج بعد تعرض الضحية للاغتصاب، ولا يمكن الوصول إليها بسبب القتال الذي اندلع منتصف نيسان/ أبريل الماضي.

وقال صندوق السكان التابع للأمم المتحدة الذي يوفر هذه الوحدات الطبية، إنه ليس قادرا على تحديد الجهة التي تمنع الوصول إلى الأدوية، مقاتلو الدعم السريع أم الجيش السوداني.

وتشتمل على علاج للحمل، مثل حبوب تؤخذ في الصباح وحبوب للمساعدة في الإجهاض، وحبوب للوقاية من الفيروس المسبب لنقص المناعة ومنع حدوث التهابات.

وتقول سليمة أسحق من وحدة مواجهة العنف ضد المرأة في الحكومة السودانية، إن هناك محدودية في إمدادات عقاقير الوقاية في بعض العيادات بالمدينة، و”لا توجد لدينا طرق لمنع الحمل”.

وأضافت أن “الاغتصاب يحدث في كل مكان”، و”ما يتم الحديث عنه رسميا هو عدد صغير جدا من الحالات”.

السابق
أطعمة ومشروبات تقضي على مشكلة النسيان وعدم التركيز.. تعرّف عليها!
التالي
«دير شبيغل» تعد تقريراً عن إغتيال لقمان: رحلة ٌ إلى المَوت!