«دير شبيغل» تعد تقريراً عن إغتيال لقمان: رحلة ٌ إلى المَوت!

لقمان سليم
تقرير نُشر في مجلة دير شبيغل الألمانية، في 28 كانون الثاني 2023، قُبيل الذكرى الثانية لاغتيال لقمان سليم.

-«مَن قتل لقمان سليم؟».
-«إنه حزب الله!» هكذا ردّت أرملة الرجل المعارض الذي قُتل قبل عامين، والتي تُحارب من أجل العدالة في مواجهة الميليشيا القوية.

ربما لم يُلاحظ لقمان السيارات التي استمرت في ملاحقته قرابة الساعتين على مدى نصف البلاد. ربما لم يكن الأمر ذا أهمية بالنسبة إليه، حتى بعد سنوات طويلة من التهديد بالقتل، لقد نجا من كل هذه التهديدات، حتى جرى ما جرى.

ظُهر الثالث من شباط 2021، عندما وصل لقمان سليم إلى منزل أحد أصدقائه في قرية نيحا، كان قد بَقي لديه بالكاد ثمان ساعات ليعيشها، تناول وجبة هادئة، بين صحبة لطيفة، وكان مرتاحاً لدرجة تُهيِّئه لأخذ قيلولة على الصوفا عند الساعة السادسة، حيث لم يبق سوى ثلاث ساعات ونصف.

القتلة غير متخفين

أثار مقتله قبل عامين غضباً دولياً، فأدانت الحكومات الأميركية والفرنسية وجامعة الدول العربية هذا “الفعل الهمجي” ودعت إلى محاسبة المسؤول عنه، لكن حتى الآن لم يتم اعتقال أي أحد على الإطلاق أو حتى تم تحديده، على الرغم من أن قتلة سليم فعلوا كل شيء عدا أن يكونوا متخفّيين. لقد طاردت خمس سيارات سليم، وراقب ركابها المنزل الذي كان فيه، وقفت لساعات في جواره، وانتظرت خروجه من جديد.

الأمر المُروّع في القضية، هو أن هناك الكثير من التفاصيل ومقاطع الفيديو والبيانات المعروفة، إلا أن التحقيق رغم ذلك يدور في دائرة مفرغة؛ هناك حيث تُمس مصالح ومناطق سيطرة حزب الله.

جريمة قتل لقمان سليم
جريمة قتل لقمان سليم

الإسم يعني حزب الإله؛ يتغذى من ادعائه القدرة المطلقة، كمُنفذ للإرادة الإلهية بالوصاية على شيعة لبنان، وبالتسامح مع الدولة، طالما أنها لا تتدخل في شؤونه.

رغم انسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة في جنوب لبنان في عام 2000، إلا أن حزب الله ادعى أنه مستمر في قتالها. كما لو أنه بحاجة إلى حالة الحرب لتُعطيه شرعية عامة تسمح له بإحكام سيطرته على المجتمع، بل تصل إلى حدود القمع، حتى لو قاد واقع الحرب إلى هجوم مدمر كالذي حصل عام 2006 وأحدث خراباً ودماراً؛ هذا ما كان سليم يتهم به هذا الحزب.

المؤكد هنا أن عدم إغلاق هذا الملف بصمت، كما هي حال جميع ملفات الاغتيال في لبنان، يعود إلى مثابة أرملة لقمان سليم الألمانية، منتجة الأفلام، مونيكا بورغمان، وأخته رشا الأمير التي تدير الآن بمفردها دار النشر الخاصة بالعائلة.

-“ربما اعتقدوا أن بإمكانهم إرهابنا وأننا سوف نترك البلاد” تقول بورغمان في منزلها في حارة حريك حيث عاشت وسليم.
“لكننا لم نفعل ذلك” تُكمِل”.
لكن مَن هم؟
“واضح تماماً… هم أعضاء حزب الله”. “لكن هذا ليس كافياً، أريد إجراءات، أريد العدالة”.

لربما كان ما تريده مونيكا من العدالة وإجراءاتها أمراً ميئوساً منه بالنظر إلى تاريخ لبنان، وما حواه من جرائم قتل صحافيين وكتاب ورجال دين وسياسيين كبار، كرئيس جمهورية، ورئيس وزراء. والتي رغم اقترابها من المائتي جريمة منذ الستينات إلا أن أيا منها لم يُبت فيه بحُكم أو سواه.

كاميرات وملصقات تهديد

لكن هذا لم يمنع لقمان سليم من أن يكون صوت التحدي السلمي في وجه حزب الله، بالكلمات، والإنتاج المسرحي، والإعلام، لقد تحرك هذا الصوت في معقلهم، حيث عاش سليل العائلة الشيعية العتيقة في الحديقة الموروثة المسوّرة في جنوب بيروت.
عند البوابة، رجلان من حزب الله، وعلى علو ثلاثة أمتار كاميرا المراقبة الخاصة بهم. “نحن تحت حراسة جيدة”. هكذا كان سليم يسخر إذا سأله أحد ما عن هذه الإجراءات.

الأمر المُروّع في القضية، هو أن هناك الكثير من التفاصيل ومقاطع الفيديو والبيانات المعروفة، إلا أن التحقيق رغم ذلك يدور في دائرة مفرغة

لكن في كانون الأول من العام 2019، عندما نُثرَت على الأسوار الخارجية لمنزله ملصفات تهديد، مثل: “لقمان الخائن” أو “المجد لكاتم الصوت” أجاب ببيان تنبؤي بأن كل ما يُصيبه أو يصيب عائلته من مكروه فإن حسن نصر الله زعيم حزب الله، مسؤولاً عنه، وكذلك نبيه بري زعيم حركة أمل الحليفة، والذي يعمل (في أوقات فراغه) رئيساً للبرلمان. على أن تجرّؤ أحد البارزين من بيت الإيمان ذاته (أي من الطائفة الشيعية) على انتقاد الزعماء الشيعة، كان خيانة في نظر هؤلاء.

حذرت السفارة الأميركية في بيروت سليم، بأنه في خطر حقيقي، وأنه يجب أن يغادر البلاد، لكنه لم يكن يريد الذهاب للعيش في المنفى.

لقمان لقمان سليم في مكتبته سليم في مكتبته
لقمان سليم في مكتبته

وفي عرض للتحقيقات المجمّعة من عدة جزئيات متناثرة ومن جهات مختلفة حول رحلة سليم الأخيرة، تظهر صورة واضحة لفرقة قتل عسكرية محترفة ومنظمة للغاية.

في 3 شباط، انتقل سليم على متن سيارة “تويوتا كورولا” نحو الجنوب، كاميرات المراقبة الخاصة بمحطات الوقود، بالمتاجر، وبالمنازل الخاصة، وتحليل بيانات الهاتف، وتطبيق “صحتي” على هاتف سليم – يقودون إلى رسم صورة دقيقة وواضحة لما حدث بعد ذلك:
عند الساعة الثانية عشرة وست دقائق؛ تظهر “تويوتا” لقمان سليم لأول مرة في منطقة خلدة على الكاميرا، وتتبعها سيارات “تويوتا كامري”، و”مرسيدس” و”أودي Q5″، وتم رصد هذه السيارات عدة مرات في النصف ساعة اللاحقة.

عند الساعة الثانية عشرة واثنين وأربعين دقيقة: تظهر في خلدة سيارة “إنفينتي SUV” وخلفها “نيسان باثفايندر”، وستُرصان مرة أخرى عند المساء على مقربة من سليم.

عند الساعة الثانية عشرة وأربع وأربعين دقيقة؛ عبر رقمين هاتفين، لم يستخدما قبل ولم يُستخدما بعدُ، يُنسق السائقون بين بعضهم، رسالة نصية من الرقم الأول: “اتصل بي يا شريك”.

عند الساعة الواحدة ظهراً: من رقم الهاتف الثاني: “أين أنت؟”، مرة أخرى، الأحاديث مُتجانِسة.

عند الساعة الواحدة والنصف وأربع دقائق؛ وصول سليم إلى قرية نيحا، تقف سيارة “مرسيدس” المطاردة لسليم في مكان قريب، ومن المحتمل أن تفعل السيارات الأخرى ذلك أيضاً.

عند الساعة الثالثة وإحدى عشرة دقيقة؛ رُصدت الـ”تويوتا كامري” في خلدة على طريق العودة من الجنوب.

اغتيال لقمان سليم

عند الساعة الخامسة وأربع دقائق: رُصدت سيارة الـ”مرسيدس” في خلدة على طريق العودة وضاع أثرها هناك.
عند الساعة السادسة وإحدى عشرة دقيقة؛ تظهر الـ”أودي Q5″ في قرية مجاورة لقرية نيحا.

تفاصيل الاغتيال

عند الساعة الثامنة وست وثلاثين دقيقة؛ يغادر سليم، فتلحقه بعد أقل من دقيقة “إنفينتي SUV”. يظن المحقق أن “النسيان الباثفايندر” قد أقفلت الطريق الضيق البعيد عن المنزل بحوالي 400 متر. هناك سوف يتم لاحقاً إيجاد نظارات سليم بعد عدة ساعات، وأبعد منها بقليل هاتفه المحمول.

عند الساعة الثامنة وثمان وثلاثين دقيقة؛ يُسجل تطبيق “صحتي” على هاتف لقمان 82 خطوة، وقرابة 60 متراً. هل هي آخر محاولة للهرب؟ رصاصة في منتصف الظهر بالضبط، تتسبب له بالنزيف الداخلي، وما يثبت أن سليم كان لا يزال على قيد الحياة هو الخدوش على الركبة ووجود تورّم دموي في قدمه اليسرى ما يُشير إلى أنه سقط، وتم تثبيته بعُنف.

عند الساعة الثامنة وأربعين دقيقة؛ لُوحظت الـ”نيسان باثفايندر” في الجوار، على الطريق السريع. ويظن المحققون أن سليم المختطف كان بداخلها.
عند الساعة الثامنة وواحد وأربعين دقيقة؛ تغادر سيارة الـ”إنفينتي SUV” في الاتجاه نفسه الذي سلكه الـ”باثفايندر”، متبوعة من “تويوتا” سليم.
عند الساعة الثامنة وست وخمسين دقيقة؛ تغادر سيارة الـ”أودي Q5″، وبعد دقائق رُصدت هذه السيارات التي كانت تُطارد سليم مراراً في اتجاه بيروت.

عند الساعة التاسعة وأربعة عشرة “دقيقة”؛ تغادر الـ”نيسان باثفايندر” الطريق السريع أعلى البيسارية، وتصل إلى نفق صغير، وتتواجد فيه كذلك سيارة سليم. في الدقائق اللاحقة، سوف يُطلق الجناة على لقمان سليم خمس رصاصات في الرأس من مكان قريب: إعدام.
عند التاسعة وتسعة عشرة دقيقة: تُغادر “تويوتا” سليم والـ”نيسان باثفايندر” النفق إلى شارع صغير مُزاز للطريق السريع، نحو النقطة التي وُجدت فيها سيارة وجثة سليم في الصباح التالي.

حذرت السفارة الأميركية في بيروت سليم، بأنه في خطر حقيقي، وأنه يجب أن يغادر البلاد، لكنه لم يكن يريد الذهاب للعيش في المنفى.

رصدت السيارات التي قامت بمُطاردة وخطف سليم وقتله لاحقاً ناحية الجنوب الشرقي، ضمن نطاق سيطرة حزب الله، وستختفي لاحقا دون أي أثر.
تبلغ المسافة بين موقع الاختطاف والشارع المُحاذي للطريق السريع، حيث وجدت سيارة سليم في اليوم التالي، 36 كيلو متر. نصف هذه الطريق قُرى مأهولة بالسكان بكثافة، وجميع لوحات السيارات المُطاردة والخاطفة لسليم معروفة، مُرخصة وحقيقية.

معظم هذه التفاصيل جمعها استخبارات قوى الأمن الداخلي (أي فرع المعلومات) الذي يتمتع بسمعة طيبة كونه أكثر استقلالية في العمل تحت الضغط السياسي بالمقارنة مع استخبارات الجيش أو أمن الدولة.
لكن جهود بحث (فرع المعلومات) كانت تتوقف عندما تقترب من تحديد الجناة؛ أين بدأت رحلة سيارات المُطاردة وأين انتهت؟ ألم يكن هناك كاميرات في المكان؟ إذا كانت تسجيلات الفيديو التي تُظهر السيارات كلها موجودة فلماذا لا تُظهر وجوه ركابها؟ لماذا تم استجواب زوجة سليم، وأصدقائه المقربين دون سكان المنطقة (هناك حيث وقعت الجريمة)؟ لماذا لم يتم إقفال الطريق إلى مسرح الجريمة حيث تم العثور على سيارة سليم؟ ولماذا لم يتم منع المتطفلين من لمس السيارة وطمس كل الآثار؟

اغتيال لقمان سليم
اغتيال لقمان سليم

“عندما يُصر المرء على تكرار السؤال، سوف يأتي في لحظة ما صمت حزين” يُلخص موسى خوري، محامي مونيكا بورغمان، الأشهر الماضية، ويتابع “ثم يأتيك السؤال: هل تريدون المخاطرة بحرب أهلية جديدة؟”.

صباح 4 شباط الذي عُثر فيه على جثة سليم، لم يلتزم نجل الأمين العام لحزب الله الصمت بشكل تام، فعند إعلان التلفزيونات نبأ جريمة القتل غرّد جواد نصر الله: “خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب” ثم ألحقها بوسم “بلا_أسف، أزال جواد التغريدة لاحقاً معلناً أنه لم يكن يقصد سليم. أما والده، زعيم حزب الله، حسن نصر الله، فلم ينف أبداً المسؤولية عن مقتل سليم، بل عوضاً عن ذلك اشتكى محتجاً في إحدى الخطابات التلفزيونية أن: “أي حادث تفع في منطقتك فأنت مُدان حتى تثبت العكس”. وعندما طلب محقققو الأمن الداخلي من حزب الله أن يعطيهم تسجيلات كاميرات المراقبة، رفض ذلك.

في أثناء التحقيقات طُرحت أسئلة على مونيكا بورغمان كان منها: “هل كان زوجها على علاقة غرامية بأحد ما؟ أو هل انتحر؟” “لكنهم لم يسألوا عن ما هو أكثر وضوحاً” تحكي لنا بورغمان في غرفة عمل داخل دارة العائلة، وتُكمل بأن سؤالاً ما زال يُعذّبها: “ماذا كان سيحدث لو رافقته؟ كنت خائفة حينها من كورونا، ولا أريد أن أجلس مع كل الأصدقاء في نيحا في غرفة مغلقة، هل كنا سنموت كلينا؟ أم أن ذلك كان سينقذه؟”

البداية: مجزرة شاتيلا

كانت رسالتهما هي مواجهة القمع والتستر الأبدي على الجرائم من خلال إحياء الذاكرة، وإبراز إجابات لهذه الأسئلة المحورية؛ “من ارتكب الخطايا في الحرب الأهلية؟” “مَن هم القتلة؟”.

في العام 2005 اشتُهر سليم وبورغمان على الصعيد العالمي من خلال الفيلم الوثائقي “مذبحة” الذي عرضاه في مهرجان “برليناريه Berlinale” ومهرجانات أخرى. لقد نجحوا في دفع ستة من المتورطين في مجازر القتل الجماعي للفلسطينيين في صبرا وشاتيلا في العام 1982 إلى التحدث.

في غرف صغيرة، تكلم الرجال الذين لم تظهر وجوههم عن مدى العناء الذي أرهقهم بإشتراكهم في هذه المجزرة، وأن “الجزار المحترف” فقط هو الذي استمتع بالقتل.

وبالرجوع إلى تاريخ هذه المجزرة، فقد جرت بعد يومين من انسحاب مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت الغربية، حينها انتقل أفراد مليشيا القوات اللبنانية إلى المخيم الفلسطيني وقتلوا العُزل. تخطى عدد الضحايا 3000 من النساء والأطفال وكبار السن، على أن الجريمة قد جرت بغطاء وغض نظر من القوات الإسرائيلية بقيادة أرييل شارون.

أنشأ سليم وبورغمان مؤسسة “أمم للتوثيق والأبحاث” في عقار تملكنه العائلة، وهي بمثابة أرشيف لتاريخ لبنان الأعظم الذي يمكن الوصول إليه. هي “قارب نجاة” لكتيّبات وكتب الحرب الأهلية، ولفائف أفلام لأهم شركات الإنتاج في استوديو بعلبك، ولسجل فندق الكارلتون الأسطوري. بهذا يحق القول أنهما أنقذا شهادات التاريخ اللبناني من مكب النفايات.

في مشروع توثيقي آخر، جمع الاثنان سجناء لبنانيين كانوا قد اعتقلوا في سجن تدمر سيء السمعة في سوريا. أولاً في مسرحية، ثم في الفيلم الوثائقي “تدمر” عام 2016 حيث عرض السجناء فيه سنوات محنتهم مرة أخرى، ولعبوا أدوار الضحايا والجلادين.

الآن، ورغم الوحدة التي تشعر بها مونيكا بعد لقمان، تقول: “في قلب كل ما فعلناه، كانت هناك مسألة محاربة الإفلات من العقاب. أما الآن فأنا أستمر بذلك من دون لقمان، إنما من أجله، هذه حياتي، ليس عندي غيرها أبداً”.

لقد استغرق الأمر حوالي تسعة أشهر، من أجل أن تتمكن بورغمان ومُحاميها من نقل القضية من محكمة محلية تابعة لمدينة صيدا في الجنوب إلى بيروت، انتصار بسيط، ومنذ ذلك الحين أضحت القضية عند قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، أكثر القضاة شجاعة واستقامة، كما يُقال في لبنان.

في خميس ما في كانون الثاني 2022، عقدت جلة تخص قضية سليم. المبنى بأكمله مُغلق بسبب تظاهرة عفوية، كانوا يدخّنون في قاعة المحكمة، وكان هناك موقوفون مقيّدو اليدين يقفون في مواجهة الحائط، وعساكر ينتظرون بين المحامين والزوار. تم تأجيل الجلسة ساعات، حتى ظهر أخيراً أبو سمرا القاضي الوحيد الذي تواجد في المحكمة، بينما أضرب القضاة الآخرون عن العمل بسبب راتبهم المُصاب بحمى التضخم، والذي بالكاد يسمح لهم أن يتوجهوا إلى العمل.

جلس أبو سمرا المُدخّن بشراهة على مكتب بديل ينتظر شهوداً من نيحا، إلا أنهم لم يأتوا، كان المحامي يسعى للحصول على عناوين الشهود، حيث كان من الواضح أن شرطة المخفر في الناحية لم ترغب بالتعاون مع القاضي أبو سمرا، لكن لماذا؟ يشرح القاضي المتعب: “هذا، سر إجرائي”. ولدى سؤاله: أليس من غير المألوف أن يتوقف البحث دائماً عندما يصل إلى نقاط حساسة، يجيب “كلا”.
كما أن الدبلوماسيين لا ينصحون بالذهاب إلى المكان حيث وضع القتلة جثة سليم، ويُعلّقون بسرعة: “لا تترك الطريق السريع!”.

رصدت السيارات التي قامت بمُطاردة وخطف سليم وقتله لاحقاً ناحية الجنوب الشرقي، ضمن نطاق سيطرة حزب الله، وستختفي لاحقا دون أي أثر.

في 14 كانون الثاني 2022، وعلى بعد حوالي كيلو متر من المكان الذي وُجدت فيه سيارة سليم، تم إطلاق النار على الجندي الإيرلندي في قوات اليونيفل شون روني، واليونيفل هي قوات الأمم المتحدة التي يجب عليها أن تحافظ على الهدنة الهشة بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان.

كان شون روني في طريقه إلى مطار بيروت، لكن مركبته انعطفت إلى الطريق الساحلي القديم فاستهدف مسلحون نافذة سائق السيارة المدرّعة، من ثم تمكنوا من فتح النافذة الخلفية وأطلقوا النار على روني من الخلف. هل كان هناك أي أمر يجب أن لا يراه الجنود في تلك المنطقة؟ “حادث عرضي”، هكذا علّق حزب الله.

كان لقمان سليم يؤمن بـ”يوتوبيا” غير مألوفة حول إنهاء الهمجية في لبنان، ليس عن طريق الثورة “لأنه حتى لو كان هناك واحدة حقيقية فلن يكون هناك من مكسب من ورائها”. أمر جيد أن أجلس في سيارتي مساء وأقودها صوب حيفا أو دمشق من أجل أن أشرب كأساً من البيرة ثم أعود أدراجي”.

لكنه وعلى حين غرة وغدر، لم يعد أدراجه في بلاده! هل خمّن لقمان ما سيحدث يوماً ما؟ قال في أحد الأحاديث مرة “لقد سألت نفسي دوماً: ما هي الصورة الأخيرة في رأس من سيُشرع في قتله؟”.
لم تكن هناك إجابة، ولا ثمة إجابة بين الأحياء.

أمم للتوثيق والأبحاث ( ديوان الذاكرة اللبناتية- الفان رقم 4 العدد رقم1-)

السابق
شهادات موثقة عن جرائم مروعة للدعم السريع ضد المدنيين في السودان
التالي
في طرابلس.. تعارف عبر «المسنجر» ينتهي بجريمة قتل