السيد هاني فحص..حين تتحول العمامة إلى مدينة

عارف الساعدي

كيف لرجل دين تلقى علومه الدينية في مدينة مغلقة أو شبه مغلقة، مدينة النجف الأشرف، حيث وجود راديو أو جريدة مدعاة للتفسيق والاستهجان من قبل الأغلبية، مدينة تغلق الأبواب والشبابيك على طلبتها ولا تسمح لهم بالمعرفة الا من خلالها، ومما تقرره دروس الحوزة التقليدية، أقول كيف لرجل دين في هذه الأجواء أن يصنع عالما اخر موازيا لهذا العالم، فيه الكثير من الضوء والحرية، حرية السؤال والبحث، والاحتفاء بمباهج الحياة التي تعد خطاً احمر بوجه الجميع وبالاخص بوجه أولئك الطلبة القادمين لنهل العلم في هذا المكان المقدس.

نادرا ما تجد رجل دين يتحول إلى رجل إنساني التطلع والمذهب فالاديان كلها دينه والإنسان عقيدته الرئيسة وهموم الناس بوصلته

في هذا المناخ الصعب يدخل السيد هاني فحص إلى هذا الجو ويتعلم دروسه التقليدية، لأنها عدة مهمة لرجل الدين، وعادة ما تضيف المدن للطلبة الذين يفدون عليها، بسبب هيمنة تلك المدن وطريقة تفكير أبنائها، ونادرا ما يضيف الأشخاص للمدن التي يعيشون فيها، وهذا ما حدث مع السيد هاني فحص فهو من القلة النادرة التي أضافت للمدينة.

وهاني فحص أضاف من شخصه وروحه ووعيه وثقافته لهذه المدينة، ذلك أن هناك أشخاصاً يرتبطون بالأماكن بشكل مختلف، وتجد هذه الشخصيات تتغير ويتغير مزاجها بسبب المكان، أو أنه يتحول سلوكه إلى كائن اخر بسبب المكان أيضا.

إقرأ ايضاً: وداعا سيدي هاني

هاني فحص يبدو أن له شأناً خاصاً بالمكان وتحولاته، ليكون في نهاية المطاف مدينة بكاملها، السيد هاني فحص يتحول إلى مدينة لوحده بمزاجها وسهولها، وأزقتها، ومقاهيها، وشعرائها، وصعاليكها، وجوامعها، وقاعاتها، كل ذلك هو هاني فحص رجل الدين الذي صدم زملاءه قبل الآخرين بعقله التنويري، وبفكره العالي، الذي لم يهيمن عليه فكر واحد، أو مذهب واحد، أو دين واحد، نجده يشبه بيت عروة بن الورد، أوزع جسمي في جسوم كثيرة.

وهذا نادرا ما تجد رجل دين يتحول إلى رجل إنساني التطلع والمذهب، فالاديان كلها دينه، والإنسان عقيدته الرئيسة، وهموم الناس بوصلته.

أسعفني الدهر أني التقيت بسماحة السيد هاني فحص في بغداد، بعد أن التقيته في كتبه ومحاضراته وحواراته، التي شكلت هيئة رجل الدين الذي يدعوك للحياة وليس للأخرة فقط، فالاغلبية تدعوك للأخرة وتهدد وتوعد بذلك، فيما تغيب عنهم هذه الدنيا التي نحتاج ان نعيشها بسلام دون شعورنا بأننا أعظم الأمم وان ديننا أعظم الاديان، وأن فرقتنا هي الفرقة الوحيدة الناجية، ذلك أن هذا الشعور سيصنع منا شعوبا منعزلة ومغلقة ومتضخمة، ونتحول فيما بعد أو نشبه الدينار او الليرة التي لا قيمة لها، بحيث تجمع ملايين منها لكي تشتري علبة سكائر او وجبة غداء، ذلك بسبب عزلتها وتضخمها والذي انتج منها عدم تداولها أمام العالم وعدم ثقة الناس بها.

السيد هاني فحص أحد أهم صناع الحياة لدينا الذي يدعونا دائما في أن نكون وسطيين وعقلانيين لذلك كان وجوده الكريم مصدر بهجة للمتدين ولغير المتدين

السيد هاني فحص أحد أهم صناع الحياة لدينا الذي يدعونا دائما في أن نكون وسطيين وعقلانيين، لذلك كان وجوده الكريم مصدر بهجة للمتدين ولغير المتدين، فسماحته كان مصدر عز لدينه قبل دنياه، ذلك حين يكون خطاب رجل الدين كخطاب فحص فإنه سيفتح أبواب وشبابيك اغلقتها المؤسسة الدينية طويلا، وهو بهذا الصنيع يسمح بدخول هواء جديد ينعش الشرايين الفكرية التي تكلست وتثخرت داخلها المعرفة والرؤية للآخر.

فسلام على السيد هاني فحص الذي كان مصدر معرفة وبهجة وصناعة للحياة، اقول له سيدنا نحن بحاجة ماسة لك هذه الأيام ونفتقدك كثيرا كثيرا، بوجودك كانت الحياة اكثر بهجة وقبولا.

السابق
معارضون سوريون يخشون «صفقة» بين تركيا ونظام الأسد!
التالي
بعد كشفها «مصانع الصواريخ» الإيرانية..إسرائيل تكثّف القصف على سوريا!