الطريق إلى 7 أيار.. العربي!

ياسين شبلي

لعل من سخرية القدر السياسي العربي، بأن يكون يوم 7 أيار 2023، هو يوم عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، في الوقت الذي كان فيه اللبنانيون يستذكرون هذا اليوم من عام 2008 كل على طريقته، فهو يوم العار وسقوط القناع عن وجه مدَّعي المقاومة، في نظر الضحايا من أنصار الخيار اللبناني العروبي في لبنان، وهو اليوم ” المجيد “لدى القائمين به من أنصار” ولاية الفقيه” ومحور الممانعة.

هذه المشهدية تأتي لتؤكد مقولة الشهيد سمير قصير التي تقول بأن “ربيع العرب حينما يزهر في بيروت إنما يعلن أوان الورد في دمشق” – والعكس صحيح بمعنى أن خريف بيروت هو أيضاً خريف دمشق والعرب – التي دفع حياته ثمناً لها، والتي فهمها محور الممانعة وعمل على أساسها، مستفيداً من خوف النظام العربي الرسمي من هذا الربيع، الذي بدأ في بيروت عام 2005 مع إستشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه الأبرار، فجاء يوم 7 أيار 2008 الذي ووجه بصمت عربي يومها، وكأنه كان إيذاناً بأن الدعم العربي لثورة الأرز في بيروت، إنتهى مع تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ولن يتجاوزه لمواجهة مشروع إيران في لبنان والمنطقة، ربما خوفاً من سريان عدوى “الربيع اللبناني”، في تكرار لمشهدية العام 1976، عندما أوكل النظام الرسمي العربي أمر لبنان للنظام السوري بالتفاهم مع الأميركيين، لمواجهة تمدد الحركة الوطنية اللبنانية بمشروعها التحرري الوطني الديمقراطي، ورديفها القومي قوات منظمة التحرير الفلسطينية يومها.

في هذا الإطار جاء يوم 7 أيار 2008، كضربة إستباقية من هذا المحور، ليعلن بداية الحرب على هذا الربيع قبل ولادته في دمشق، وبعض البلدان العربية الأخرى في العام 2011، ليتوِّج هذه الحرب في 7 أيار 2023، بإعلان موته رسمياً بالتكافل والتضامن مع النظام الرسمي العربي، الذي أعاد إحتضان النظام السوري بطبعته الإيرانية الفاقعة هذه المرة، وبرعاية ومباركة كاملة من الجمهورية الإسلامية، تمثلت بوصول الرئيس إبراهيم رئيسي إلى دمشق، وإعلانه الإنتصار رسمياً مع رئيس النظام السوري، قبل أيام من إعلان العودة إلى “الحضن” العربي، ومع ذلك يحدث هذا كله بإسم وحدة الصف العربي، وإستعادة سوريا من الحضن الإيراني.

يوم 7 أيار اللبناني، قد مهَّد عملياً وبعد خمسة عشر عاماً لـ”شقيقه” العربي ، ليتوِّج مسيرة طويلة من التشتت والتخبط العربي

هكذا إذن يكون يوم 7 أيار اللبناني، قد مهَّد عملياً وبعد خمسة عشر عاماً ل “شقيقه” العربي ، ليتوِّج مسيرة طويلة من التشتت والتخبط العربي – كما العادة – ، تمثلت في لبنان بتراجع الدور السعودي بدايةً، أمام تقدم للدور القطري عبر إتفاق الدوحة، الذي حل فعلياً محل إتفاق الطائف، عبر بدعة الثلث المعطل في الحكومة، وهو ما ردت عليه السعودية بمحاولة إعادة إحياء السين – السين مع سوريا، عبر الضغط على سعد الحريري لزيارة سوريا ومصالحة بشار الأسد، وهي المحاولة التي إنقلب عليها مجدداً محور الممانعة، عبر الإنقلاب على حكومة سعد الحريري بداية عام 2011، العام الذي شهد بدايته إنطلاق شرارة الربيع العربي، الذي تلقفه محور الممانعة في البداية على أنه “إنتصار” له، قبل أن تصل موجته إلى دمشق، فيصبح بقدرة قادر مؤامرة أميركية – صهيونية ضده.

إقتصرت الأشهر الثمانية الأولى من الثورة السورية، على تظاهرات شعبية سلمية حاشدة، رغم القمع الوحشي الذي قوبلت به

إقتصرت الأشهر الثمانية الأولى من الثورة السورية، على تظاهرات شعبية سلمية حاشدة، رغم القمع الوحشي الذي قوبلت به، ما أدى في النهاية إلى أن ينجح النظام في جرها إلى ملعبه عبر العسكرة الشاملة، وهو ما فتح الباب لدخول الأطراف الإقليمية إلى الساحة، مع ما يعنيه هذا من تقسيم لقوى الثورة وصراع على النفوذ بين القوى العربية، بعضها ضد بعض من جهة، وبينها وبين القوى الإقليمية الأخرى كإيران وتركيا من جهة أخرى، تزامن ذلك مع تصدر حركة الإخوان المسلمين نتائج الإنتخابات النيابية في كل من مصر وتونس، وهو ما إستثار بعض الأطراف العربية كالسعودية والإمارات العربية المتحدة بالذات، ما أدخل المنطقة في حال من عدم التوازن، مع بروز محورين متقابلين على ساحة الثورة، الأول تركي – قطري والثاني سعودي – إماراتي، فكان أن تاهت قوى الثورة السورية الحقيقية في زواريب السياسات العربية ومتاهاتها، كان ذلك مقابل محور واحد متماسك على ساحة النظام هو المحور الروسي – الإيراني، الذي كان يتبعه العديد من المنظمات والحركات التي درَّبتها وموَّلتها إيران سواء من العراق أو باكستان وأفغانستان، وعلى رأسها بالطبع حزب الله اللبناني، صاحب “إنجاز” 7 أيار اللبناني ، وهو المحور الذي كسب الجولة أخيراً عبر التدخل العسكري الروسي الذي يبدو أنه حظي بغطاء إقليمي ودولي لتنفيذ مهمة القضاء على المعارضة السورية بجميع فصائلها، إلا تلك التي تحظى بالحماية الأميركية وهو ما يؤكد التفويض المعطى له.

بعد تطورات الأحداث في كل من مصر وتونس، بدأ العمل على ما سمي “الثورة المضادة” في كل من مصر وليبيا وتونس واليمن، حيث إغتنمت إيران الفرصة لتنقض على صنعاء عبر مجموعة الحوثي، بالإتفاق مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح ، فكان الرد السعودي – بعد أن وصل الخنجر إلى خاصرتها الرخوة – بإعلان عاصفة الحزم بتحالف عربي – إسلامي في البداية، ما لبث أن إقتصر على القوات السعودية والإماراتية، وكما في سوريا كذلك في اليمن تضاربت المصالح العربية، وبدا وكأن للإمارات أجندة خاصة بها غير تلك التي تراها السعودية، وكانت النتيجة حرب مع الحوثي في الشمال، وحروب متتالية في الجنوب بين المجموعات المتصارعة، بشكل يذكِّر بصراع الميليشيات في لبنان إبان الحرب الأهلية، حروب أدت لتدمير اليمن وقتل عشرات الآلاف من شعبه، في حرب بدأت لإستعادة الشرعية لليمن، وإنتهت بحروب عبثية مكنت إيران من تشديد قبضتها على صنعاء، خاصة بعد تصفية شريكها السابق – وهذا يجب أن يكون درس للآخرين في المستقبل – علي عبد الله صالح بطريقة دنيئة وخسيسة.

بدا كأن هناك محور جديد في المنطقة عماده السعودية والإمارات ومصر – وذلك قبل أن تتضارب المصالح في اليمن

مع تسلم دونالد ترامب سلطاته في البيت الأبيض، تصاعدت الأحداث بطريقة دراماتيكية، حيث كادت أن تتكرر مأساة غزو الكويت، وذلك يوم 5 حزيران 2017، عندما تم قرصنة وكالة الأنباء القطرية وبث أنباء كاذبة، حيث تم حصار قطر وقطع كل شرايين الحياة عنها، بذريعة ممالأتها لإيران ، ودعم ” الإرهاب ” وهو هنا حركة ” الأخوان المسلمين “، وبدا كأن هناك محور جديد في المنطقة عماده السعودية والإمارات ومصر – وذلك قبل أن تتضارب المصالح في اليمن – ، يستظل عباءة ترامب، الذي ما لبث أن أعلن إعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو المحور الذي بات يمثِّل “الثورة المضادة” بدون قناع – بغض النظر عن مآلات الثورات الأصلية – فكانت الحرب في ليبيا بقيادة حفتر، ضد الحكومة المؤقتة والمعترف بها دولياً، في محاولة للسيطرة على طرابلس، وهي الحرب التي أفشلها التدخل التركي.

ثم كانت إتفاقية أبراهام للسلام بين إسرائيل وكل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين، برعاية أميركية التي تلاها شبه حصار، أو لنقل تضييق على كل من الأردن والسلطة الفلسطينية، لعدم تجاوبهم مع سياسات هذا المحور. وقد نال لبنان جانب من هذه التغيرات والتطورات، ونشير هنا إلى ما تعرض له بدايةً رئيس الوزراء سعد الحريري في الرياض عام 2017، وبعدها سحب الدول الخليجية لسفرائها من لبنان على خلفية تدخل حزب الله في اليمن، وشحنات الكبتاغون التي كانت تصل الخليج إنطلاقاً من لبنان، وكذلك رفض لبنان التنديد بضرب الأراضي السعودية والإماراتية، خاصة منشآت أرامكو إنطلاقاً من اليمن، بذريعة سياسة “النأي بالنفس” التي تذرع بها جبران باسيل إرضاءً لحزب الله.

ذهب ترامب ووصل الديمقراطيون إلى البيت الأبيض فتغيرت المعادلات، وبدا وكأن إدارة بايدن لها “ثأر” مع هذا المحور على خلفية علاقاته الوثيقة مع ترامب، فتوترت العلاقات الأميركية – السعودية وبدأت الضغوط و “الحرتقة” سواء في التعامل مع قضية اليمن، على خلفية مقتل المدنيين هناك جراء الحرب – وكأن هناك حرب نظيفة – أو في إعادة إحياء قضية الصحافي جمال خاشقجي، في محاولة إبتزاز واضحة ضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كما وقع الخلاف حول السياسات النفطية، خاصة بعد إندلاع أزمة أوكرانيا، ما حدا بولي العهد السعودي إلى تصفية خلافاته في المنطقة، بدايةً مع دولة قطر تطبيقاً للمبادرة الكويتية، ثم مع تركيا التي كانت العلاقات معها، قد وصلت لأدنى مستوياتها على خلفية قضية خاشقجي، خاصة في ظل “الخلاف المضبوط” مع دولة الإمارات وجموحها في التعامل مع القضايا، ورغبتها في التمدد سواء في اليمن أو ليبيا أو السودان وحتى إثيوبيا والصومال.

يكون الإتفاق – بالعربي المشبرح ومن دون أن نبدو إنهزاميين – هو التطبيع مع محور الممانعة، فقط مقابل وقف الإرهاب والترهيب

على المستوى الدولي سعى لتوسيع آفاق العلاقة مع كل من أوروبا وروسيا والصين، ونجح في ذلك – حتى الآن على الأقل – من دون أن يقطع مع الأميركيين، وكانت نتيجة هذه السياسة البراغماتية هي في التوصل إلى الإتفاق السعودي – الإيراني برعاية صينية، وهو إتفاق تاريخي بكل ما للكلمة من معنى، إذ يبدو أنه خيار إستراتيجي سعودي وليس تكتيكي – هل هو كذلك لدى الجانب الإيراني؟ – ويحفظ للسعودية مصالحها المباشرة بالدرجة الأولى، هذا الإتفاق الذي نرى تداعياته اليوم على الساحة العربية على صورة تتازلات سواء في اليمن، حيث الإعتراف للحوثيين بسيطرتهم هناك وإحتمال تقاسم النفوذ مع الإيراني، مقابل وقف الحرب وختم الجرح في الخاصرة السعودية، أو في إعادة “تبييض” النظام السوري وعودته إلى الجامعة العربية، مقابل وقف شحنات الكبتاغون إلى دول الخليج، وربما لاحقاً تقاسم النفوذ مع الإيراني في كل من سوريا ولبنان، مع أفضلية طبعاً للإيراني على طريقة السين – سين سابقاً في لبنان، التي إنقلب عليها السوري، عندما تغيرت الظروف في المنطقة، وبدون أي إجراءات تضمن حقوق الشعب السوري – واللبناني بطبيعة الحال – سوى كلام في العموميات من نوع رفع العتب، ونفتح هنا قوسين لنسأل، هل يدفع سليمان فرنجية في لبنان ثمن عودة بشار الأسد إلى الجامعة العربية، على سبيل الترضية للسعودية وحلفائها المحليين، بحيث يتم الإتفاق على رئيس من قماشة الراحل إلياس الهراوي بعد إتفاق الطائف مثلاً ؟

بهذا يكون الإتفاق – بالعربي المشبرح ومن دون أن نبدو إنهزاميين – هو التطبيع مع محور الممانعة، فقط مقابل وقف الإرهاب والترهيب في المنطقة سواء بالسلاح أو بالكبتاغون، وهي نتيجة هزيلة ومؤسفة، لم يكن بمقدور النظام العربي على أية حال الحصول على أفضل منها، في ظل موازين القوى الإقليمية والدولية، وهذه المسيرة العربية الطويلة من الصراعات والخلافات والتشرذم، وفي ظل تضييق إدارة بايدن وفتور العلاقة مع حكومة المملكة العربية السعودية، حتى وصلت الأمور إلى يوم 7 أيار العربي، الذي سيطوِّبه أنصار محور الممانعة على عادتهم، “يوماً مجيداً” آخر في مسيرتهم، لتحطيم حلم أي شعب عربي بالحرية.

السابق
وفاة طفل جنوبي لا يتجاوز الـ 7 سنوات بسبب مشهد تمثيلي لصالح «تيك توك»..وتشييع حزين له في صور!
التالي
بعدسة «جنوبية»: مشهد مفرح في الجميزة.. نشاطات ومهرجان فني