هل يدعو بن سلمان إلى مؤتمر إقليمي دولي لإنقاذ دول في المنطقة من الانهيار؟

أتصور حاكما تغييريا كالأمير محمد بن سلمان أنقذ النظام السعودي من الترهل ونفح فيه روحا شبابية وليبرالية اجتماعية مقرونة برؤية اقتصادية متطورة، هل يستطيع مع فريقه أن يكون هادئ البال وهو يرى المحيط السعودي الإقليمي مهدداً بانهيار تلو انهيار يصيب إحدى دوله؟

تتوالى فصول انهيار دول في المنطقة فيلتحق السودان بسوريا ولبنان وليبيا والعراق واليمن وتسقط الدولة المركزية في آتون الحرب الأهلية.ولولا مصر وجيشها المتماسكان لكانت الانهيارات شاملة، فبدلا من أن تكون لدينا دول تصبح لدينا مجرد ساحات حروب بعضها متفجِّر عسكريا وبعضها مشلول. مؤسساتنا تلتهم شعوبها بأبشع ما يكون الالتهام وكلها، الدول الست المسماة، دول فاشلة أو على حافة الفشل باستثناء السابعة القائمة جغرافيا في وسطها وهي الدولة المصرية. الحالة المصرية المتماسكة، رغم المتاعب الاقتصادية ولكن المترافقة مع مشاريع كبيرة واعدة، تستحق الدرس والاستنتاج كاستثناء جدير بالاهتمام والقيادة. . كذلك يجب إضافة الأردن كحالة متماسكة وسط هذه البراكين المنفجرة.

اقرأ أيضاً: زيارة عبداللهيان لبيروت اليوم..الشكل يطغى على المضمون!

السعودية متماسكة، تركيا متماسكة، إيران متماسكة، إسرائيل متماسكة رغم انفجارات نظامها التمييزي العنصري ضد الفلسطينيين، وهذا يرشِّح الدول الخمس، مصر تركيا إيران إسرائيل السعودية لكي تكون مسؤولة عن نظام إقليمي جديد يبدأ بعقد مؤتمر قمة إقليمي لبحث وقف مسار انحلال دول المنطقة.
محيط مصر الليبي السوداني منهار ومحيط السعودية اليمني السوداني منهار ومحيط تركيا السوري العراقي منهار ومحيط إيران الأفغاني العراقي منهار.
أتصور حاكما تغييريا كالأمير محمد بن سلمان أنقذ النظام السعودي من الترهل ونفح فيه روحا شبابية وليبرالية اجتماعية مقرونة برؤية اقتصادية كبيرة متطورة، هل يستطيع مع فريقه أن يكون هادئ البال وهو يرى المحيط السعودي الإقليمي مهدداً بانهيار تلو انهيار يصيب إحدى دوله؟

أما النظام الإيراني أفلم يحن الوقت في طهران لإعادة النظر باستراتيجيتها للامتداد الإقليمي التي فجَّرت، وبالحد الأدنى ساهمت في تفجير، أربع دول في المنطقة هي العراق وسوريا و (اهتراء) لبنان واليمن؟ ألم يحن الوقت في طهران لاستشعار خطر تفكك إيران نفسها على المدى الأبعد بعدما لعبت طهران طويلا بالعامل الطائفي الشيعي ثم بالعامل الأصولي الإسلامي وكاد التوحش الأصولي مع “طالبان” ثم “داعش” يفتك بالنسيج الداخلي الإيراني أو يشكّل خطرا جديا على الأمن القومي الإيراني؟

في تركيا يبدو أن سياسة الرئيس رجب طيِّب أردوغان في التدخل المباشر في سوريا والعراق تشارف على نهايتها أو يحاول أردوغان الانتهاء منها لولا المسألة الكردية المتوترة والخطرة داخل تركيا والتي تجعله غير قادر على تنفيذ سياسة “صفر مشاكل” للعودة إلى شعار مصطفى كمال أتاتورك التأسيسي للجمهورية التركية: “سلام في الداخل، سلام في الخارج” وهي الشعار – السياسة التي بات يرغب بها بعدما صار التوتر العالمي قريبا منه في أوكرانيا على البحر الأسود وبعدما ألقت الأحداث في سوريا ثقلها على تركيا من حيث وجود ملايين النازحين فيها مع ما يجره ذلك من أعباء داخلية.

مصر التي حالت مؤسستها العسكرية دون انزلاق الدولة والمجتمع المصريّيْن إلى الحرب الأهلية بتخطيط أناني وشرس من “الإخوان المسلمين” كما فعل فرع “الإخوان” في سوريا، هذه المصر المتزنة باتت معنيةً بانتهاج سياسة ديناميكية خصوصا بالتفاهم مع السعودية لجعل وقف الانهيارات المحيطة هدفا استراتيجيا يعيد ترتيب الأولويات في الإقليم المنكوب وينقل السلام الداخلي المصري إلى الإقليم أو يساعد عليه ومن أكثر من مصر جديرٌ بهذا الدور التاريخي؟

أما إسرائيل فيجب أن ترد نخبُها السياسية على سؤال أساسي: هل لا تزال تعتقد أن كل انهيار في دولة عربية طائفيا كان أو دينيا أو عسكريا أو اقتصاديا هو لصالحها؟ ألم يأتِ الوقت لتغيير هذه السياسة التي انتهجها مؤسسوها بعد عام 1948 بقيادة دايفيد بن غوريون والانتباه إلى ضرورة كسب ثقة جيل عربي جديد في السلطة والمجتمع والدياسبورا ، ليس فقط بالعمل الجدي على حل الدولتين مع الشعب الفلسطيني، أو أي حل يأخذ بعين الاعتبار حاجة الفلسطينيين للاستقلال والرخاء، بل أيضاً بأخذ هواجس الجيل العربي الجديد التنويرية والتغييرية ونخبه في السلطة والمجتمع بعين الاحترام عبر الخلاص الإسرائيلي من الترحيب بكل انهيار عربي كطريق وحيد للاتعايش الإسرائيلي مع العرب؟ خصوصا أن النخب العربية في الدول المتماسكة والدول المنهارة على السواء لم تترك فرصة منذ ثمانينات القرن المنصرم لتأكيد انحيازها إلى تسوية سلمية فلسطينية إسرائيلية إلا وأعْلَنَتْها.

هل يقوم ولي العهد السعودي مدعوماً بدولة الإمارات والبحرين وقطر بالدعوة الشجاعة إلى هذا المؤتمر الإقليمي الذي يضم كل هذه الأطراف المأزومة بقدر تأزّم المنطقة؟
إن فكرة المؤتمر الإقليمي لوقف الانهيار تتخطى تأسيس المرحلة الجديدة في المنطقة سواء باتفاقات فوق الطاولة ك”اتفاقات أبراهام” أو تحت الطاولة كالاتفاق الإيراني الإسرائيلي على ترسيم الحدود البحرية الغازية الجنوبية بين إسرائيل ولبنان أو مجرد تجديد المفاوضات العقيمة (بسبب المماطلة الاستيطانية الإسرائيلية) بين إسرائيل والفلسطينيين لكي يصبح هناك نظام إقليمي جديد يجعل من الاتفاق السعودي الإيراني منطلقا لوقف الانهيارات المريعة. وهي انهيارات في كيانات المنطقة وخرائطها وليس مجرد انهيار حكومات ودول.

من الممكن وضع مؤتمر كهذا، لتخطي صعاب انعقاده الشكلية، في إطار رعاية وتقاليد منظمة الأمم المتحدة التي اعتادت كل هذه الأطراف الاجتماع تحت قبتها ومعها الدول الأعضاء في مجلس الأمن. ومن الممكن أن تُدعى إليه الحكومات الشرعية من دول أخرى في المنطقة كالأردن وسوريا ولبنان أو ما تبقى من هذه الحكومات في اليمن وليبيا والسودان.
لا يجوز بعد كل تجارب السنوات العشر المنصرمة أن تبقى دول المنطقة الكبيرة والفاعلة منتظرة لتفاعل انهيار دول في الإقليم والأنكى أن تشارك هذه الدول بطريقة أو بأخرى في سياسات الانهيار كما حصل في سوريا على سبيل المثال لا الحصر.

المبادرة المنتَظرة من ولي العهد السعودي وهو صاحب “النبوءة” القائلة منذ بضع سنوات أن الشرق الأوسط سيكون أوروبا المستقبل تستلزم طبعا وقف هذا المسار الهائل المتواصل من انهيار الدول وحتى الكيانات وكأن كل واحدة منها باتت تنتظر دورها في هذا المسار إذ كيف يمكن تحقيق “أوربة” الشرق الأوسط من دون تماسك – استقرار الكيانات، ولعل استعادة السلام في اليمن وربما سوريا لاحقا، وللمملكة العربية السعودية دور أساسي في في إعادة تأسيس سلام كل من الحالتين، منطلق يوقف لعبة تفكك الخرائط هذه.
الخرائط التي تنهار منها ما هو داخل “سايكس بيكو” ومنها خارج “سايكس بيكو” لكن كلها متصلة بالإرث الاستعماري البريطاني الفرنسي والتمييز الوحيد هو بين دول عظمى مساهمة في هذا الإرث ودول غير متصلة. السؤال الجديد من نوعه الذي يمكن أن يفكّر فيه المراقب هو ماذا يمكن أن تساهم دولة كبرى وافدة النفوذ في الشرق الأوسط كجمهورية الصين الشعبية في مسألة العمل على استقرار خرائط دول المنطقة؟ وبالتالي أي ميكانيزم عملي سياسي واقتصادي يمكنها أن تقدمه وهي التي فضلا عن عدم مسؤوليتها الخرائطية المشار إليها لديها كل الحساسية السلبية ضد إرث تقسيم الدول، مما يجعل في مبادرة العاهل السعودي بدعوتها إلى المؤتمر إضافة غير مسبوقة على هذا الصعيد؟

السابق
«الغرف السوداء» تُهدّد الحريات العامة في لبنان!
التالي
لقاء الاحبة بذِكراه الثانية في «منتدى جنوبيّة».. فِكرُ العلاّمة الأمين بَلوَرَةٌ حيّة لِمفهوم العَدل الإلهيّ