لقاء الاحبة بذِكراه الثانية في «منتدى جنوبيّة».. فِكرُ العلاّمة الأمين بَلوَرَةٌ حيّة لِمفهوم العَدل الإلهيّ

السيد محمد حسن الامين

العلاّمة المفكِّر السيد محمد حسن الأمين الأمين تميَّز فِكرُه الوَضّاء ذو الرَّحابة الكونيّة، بأنّه بَلوَرَةٌ حيّة لِمَفهوم العَدل الإلهيّ . وهذه هي الخَصِيصَةُ الثّانية لديه ، والتي هي انبثقت أصلاً ، وأساساً ، من خَصِيصةٍ أولى تميّز بها ، هي التي تجسّدت بأنّه عَقلٌ تنوِيريٌّ محض .فهذا العلاّمة / الرّمزالذي، وبصفته هذه ،كان شاهداً فذّاً على عصره ، بعِلمِه اللّدُنيّ والثّقافيّ ( الإلهيّ والدنيويّ اللّذين وحَّدهُما -عقليّاً -وبالتّلاحُمِ المُطلق ) ، عِلمِه المَشهود له بأنّه ذو التّوجُّه المستقبليّ – الذي جاهد به -عقليّاً وفكريّاً – من أجل النّهوض الإسلاميّ والعربيّ، والصعود في مدارج الّرقيّ والتقدّم الحضاري ذي الفاعليّة المنفتحة على الآخَر ، وجدواها التّطويريّ المؤثِر على الصُّعُد العالميّة .

الذّكرى الثانية على رحيل العلاّمة السيّد محمد حسن الأمين


وبحلول الذّكرى الثانية على رحيل العلاّمة السيّد محمد حسن الأمين ، نظّم ” منتدى جنوبيّة ” لقاءً ، في مقرّه في بيروت ، مع العلاّمة السيّد علي الأمين في 9 نيسان 2023 ، تحت عنوان ” ألسيّد محمد حسن الأمين كما عرَفته ” . وقدّم وأدار الصحافي أحمد عياش، هذا اللقاء الذي شهد حضوراً كبيراً ،والذي خيّمت على أجوائه شُعَاعِيّةُ هَالَةِ مَهَابَةِ الطَّيفِ الخالِد لسماحة العلاّمة الرّاحل .

المشاركون في اللقاء


ولقد تحدّث العلاّمة السيّد علي الأمين ، في هذا اللّقاء – وبِلُغتِه المعهودة ذات التّكثيفِ المُدهِش الذي يُبطِنُ بقدر ما يُظهِر ، من دلالاتٍ ثَرَّةٍ دامغة – عن مزايا السِّيرة والمَسِيرة الفكريّة للعلاّمة السيّد محمد حسن الأمين ، وذلك من خلال الإرتكاز على مَعالم الصّداقة التي جمعتهما والتي امتدّت لأكثر من نصف قرنٍ مضى منذ تعارفهما ،عِلميّاً، في البداية في حوزة النّجف الأشرف “حيث كنت – والقول للسيّد علي – طالباً جديداً ، فيما كان الرّاحل في موقع الأساتذة والموجِّهِين ” .

العلامة السيد علي الأمين


ولقد ختم العلاّمة السيّد علي الأمين حديثه عن الرّاحل بقوله : ” إنّ السيّد محمد حسن الأمين كان رمزاً من رموز الحداثة والتّجدُّد في الثّقافة والفكر ، ولذلك برحيله ، فقدنا مدرسة الحداثة الرّائدة ” . التي من مزاياها ” أنّ العلاّمة الرّاحل كان يؤمن بأنّ الدِين هو دَعوةٌ وليس سُلطة ، وكان يُشدِّد على أهمّية إبعاد الدّين عن السّلطة …لأنّ الحاكميّة بمعناها التشريعي القرآنيّ ” ( وعلى ما أوضح السيّد علي الأمين هنا ) “… وإنما معنى الحاكمية بطرحها الدّيني ؛ (لا السّياسي) بين المتخاصمين بالعدل وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بين الناس بالعدل ، لذلك من لم يحكم بما انزل الله فهؤلاء هم الفاسقون ، وليس الحكم السياسي وإنما إقامة العدل ” .

رئيس تحرير موقع جنوبية الصحافي علي الامين والعلامة السيد مهدي الامين


ونحن نكتفي بما قلناه عن اللقاء .
لأننا سنحاول أن نضيء على بعض المقومات الجوهرية لفكر العلاّمة السيّد محمد حسن الأمين استقيناها من مجلّد مجلّة ” المعارج (المتخصّصة بالدراسات القرآنية ، المجلد السابع السنة الثامنة / الأعداد 32- 35 رجب – شعبان – رمضان 1418 ) وهو المجلد الذي خصّصته المجلة ( التي كانت تصدر شهريّاً عن المعهد الثقافي للتخصص والدراسات القرآنية في بيروت ودمشق ) ، خصّصته إحتفاءً بالسيد الأمين وحمل غلافه الأوّل عنوان : “مع المفكر الإسلامي السيّد محمد حسن الأمين / ندوات وحوارات وبحوث قرآنية ” .

الدين وُجد من أجل الإنسان وليس العكس … فالغاية من الأديان والشرائع هي الإنسان


ففي بحثٍ للسيّد الأمين تحت عنوان : ” ألإنسان والدين : أيّهما وُجِد من أجل الآخَر ؟ ” يقول : ” إنّ الدين وُجد من أجل الإنسان وليس العكس … فالغاية من الأديان والشرائع هي الإنسان …أي سموّه وتكامله وتَمكِينُه من تغليب عناصر الخير والسموّ في ذاته على عناصر الطغيان والاستئثار بما يحقق له التوازن الروحي والسعادة الحقيقية …” . لذا يدعو السيّد إلى تحرير الفكر الديني من نزعة التقديم لقدسية الدين على قدسية الكائن الإنساني . ويرى : ” أنّ تحرير الفكر الديني من هذه النزعة الخطرة لا يتمّ إلاّ بالعودة إلى الينابيع الرئيسية للدين ، والتحرّر من سطوة التأويلات والتفسيرات المحرّفة والمغرضة ، والتي أكسبها أصحابها طابع التقديس لأهدافٍ بشريّة تمليها مصالح النفوذ وتتناقض مع الرسالة الأصلية للدين ، رسالة التحرير للإنسان والسيادة لِقيم العدل والمساواة وكرامة الكائن الإنساني . ” . ويوضح قائلاً : ” إنّ العودة إلى هذه الينابيع هي الوسيلة لتحريرالدين والإنسان معاً وللمصالحة بينهما .”

.
وفي بحثٍ تحت عنوان : ” جَدَل العلاقة بين القرآن والكون والإنسان ” يقول : إنّ فَهم العلاقة مع القرآن على أنّها علاقة متحرّكة ومتجدّدة باستمرار سوف يكشف وجود عنصرٍ ثالث في هذه العلاقة ، أي طرَفٍ ثالث هو – بالإضافة إلى الإنسان والقرآن – ألكون ..ونعني ب ” الكون ” ما يشمل الطبيعة وما وراءها والإنسان والوجود والحياة والمجتمع والفرد . ” . ويضيف : ” إنّ الكون- بهذا العنى – هو المجال الذي يشكِّل ساحةً لتجليّات الوعي البشريّ ، إذ من دون هذه السّاحة – ألكون – لا يمكن للوعي أن يحقق ذاته . ويتابع : ” ويمكننا القول إننا من دون أن نفترض وجود ساحةٍ أو حقلٍ لتحقيق الوعي وتجليّاته لا يمكننا أن نتصوّو حقيقة الوعي ، بل لا يمكننا أن نمتلك برهاناً على وجود الوعي أساساً .”


ومن حوارٍ مطوّل مع سماحته ( قدّس سرّه الشريف ) ، نقتطف ما يلي :
س: لو لم تكن عالِماً دينيّاً فماذا تحبّ أن تكون ؟
ج ( وننقل هنا جزءاً من الجواب) : أنا أحبّ المعرفة وأشعر أنّها لصيقةٌ بي ، وأعتقد أنّ العِلم المقترن بالأدب هو في تكويني ، ولو لم أكن عالِماً دينياً بلا شك لعملتُ في مجالٍ آخر من العلوم الإنسانية والفقه والتشريع والإجتماع السياسي ، على أنّي أيضاً ربما ( كنت أعمل ) في حقلٍ من حقول العلوم التطبيقية ، وأنا أتابع باسمرار قراءة الكثيرمن الكتب التي تتعلق بها … أعتقد أنّ قدري أن أكون في حقل العلم والمعرفة . وكنت أكتب الشعر مبكراً ونشرت عشرات بل مئات القصائد والمقالات النقدية في المجلات العربية في كل المناطق ، فكان لي قصائد مميزة ومنوَّه بها وكانت تعالج المواضيع الوطنيّة الإسلامية الوجدانية والغزلية أيضاً .

ألأفكار الدِّينية والعقيدة الإسلامية وأحكامها إلى أوسع مساحة ممكنة من حياة الناس وحياة المسلمين ومن مهمّات العالِم الديني أن يطوِّر ويُبدع فكراً إسلاميّاً


س : ما هي بنظركم أهمّ أهداف وأعمال عالِم الدين ؟
ج : ألأفكار الدِّينية ، والعقيدة الإسلامية وأحكامها إلى أوسع مساحة ممكنة من حياة الناس وحياة المسلمين ، ومن مهمّات العالِم الديني أن يطوِّر ويُبدع فكراً إسلاميّاً وفي الوقت نفسه أن يكون لهذا الفكر مَسِيس العلاقة بقضايا العصر إيماناً منّا بأنّ الإسلام بالرغم من أنه الرسالة التي نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم منذ أكثر من 14 قرناً إلاّ أنّه الرسالة المتجدِّدة باستمرار والتي لم يشأ الله أن تكون لزمنٍ محدَّد وإنَّما أن تكون للبشرية منذ بعثة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم إلى أن تنتهي الحياة على هذه الأرض هذا يعني أنّ لكل عصرٍ من عصور البشرية همومه وتطلعاته وأفكاره المختلفة . كيف يمكن أن نقدّم الإسلام بما ينسجم مع هذه التطلعات والأفكار . هذه من مهمّات عالِم الدين ، وهذه المهمّات التي أعتقد أنّي أضطلع بأدائها على المستوى الفكريّ والفقهيّ .
س: ما هي اهتماماتكم غير القضاء والتبليغ ؟
ج:(وهنا بعض مما جاء في هذا الجواب ): أنا كاتبُ ، مُحاضِر ، مشارك بندوات فكرية وعِلمية وسياسية على المستوى اللبناني والعربي في مصر واليمن وسوريا وأفريقيا وأوروبا على مدى 20 سنة ( ولا بد لنا من التوضيح هنا والتوضيح هنا هو لكاتب هذه السطور أنه يجب أن نلحظ الزّمن الذي أُجري فيه هذا الحوار ) . مشاركٌ بعشرات الأبحاث والمحاضرات الفكرية التي تتناول جوانب متعددة من الإجتماع الفكري والسياسي والقومي والإسلامي ، ولي مساهمات وأبحاث في بعض الدوريات في البلدان العربية ونُشرت لي عدّة محاضرات وندوات على شكل كتيّبات وربّما لا يُعرَف عنّي بأنّي رجل دين بقدرما أُعرَف برجل العِلم والمفكِّر على الصعيدين العربي والأجنبي . أقرأ كثيراً ولا يوجد حقل من حقول المعرفة إلاّ وأتناوله ، واهتماماتي محصورة بنطاقات الفكر الإسلامي والأدبي والسياسي والفلسفي …فإنّي مكرّس لمجال العلوم الإسلامية والفلسفة والأبحاث السياسية والإجتماع الإنساني والإسلامي بالإضافة إلى الإهتمامات الأدبية من إبداع الشِّعر والكتابة .
س: كان لكم تجربة مميزة في مواجهة الاحتلال ، كيف تشكّلت تلك التجربة ؟
ج : طبعاً في وقت الاحتلال كان لا بدّ من القيام بمواجهة الاحتلال ميدانيّاً ، وبالتالي كنت من المشاركين مع علماء الدين في إنشاء حركة المواجهة والمقاومة وتشكيلات منها ( تجمُّع علماء جبل عامل ) و( تجمُّع علماء المسلمين ) إبّان الاحتلال ، وشاركت في الاعتصامات الكثيرة في عشرات الأمكنة أهمها في صيدا في مسجد الزعتري حيث حصلت مواجهة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي فكنت مرحلة خصبة على هذا الصعيد . وشخصيّاً كان لي دورخاص أدى إلى أن يعمد العدوّ لاعتقالي وإبعادي من الجنوب بالقوة بالإضافة إلى العديد من المضايقات والمحاصرة التي دامت طيلة فترة الاحتلال من ترهيب وترغيب وإبعاد .

نرى ( والقول للسيّد ) بأنّ المسلمين والمسيحيين في العالم الذين يلتقون على أنّ جوهر الدّيانات السماوية يتمثّل في إقامة العدل على الأرض وأنّهم يؤمنون كلّ منهم بمخلّصٍ سيأتي ويساعد على إقامة هذا العدل


س: ما هو تعليقكم على مصادفة ولادة الإمام المهدي ( ع ) والسيّد المسيح ( ع ) في نفس الوقت ؟
ج ( ونورد هنا جزءاً من الجواب ) : أريد أن أنوّه بهذا المجال للمصادفة الزمنية وفي نفس الموعد عبر السنة الشمسية ، ، فهي مصادفة طيّبة ، أن تكون ذكرى مولد المنتظَر ( عج ) تُصادف في نفس الفترة التي هي ذكرى ولادة المسيح ( ع ) ذلك أنّ العنوان الكبير لهاتين الشخصيّتين العظيمتين هو عنوان واحد وكبير ( المخلّص ). فالمسيحيون يؤمنون بأنّ المسيح سيأتي ليقوم بمهمة الخلاص البشري ، ونحن المسلمون عموماً نؤمن بالمهدي ( عج ) المنتظَر الذي يأتي في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً . وعندما تُطرح قضية الإمام المهدي ( عج ) يتبادر إلى الذهن أنّ هذه الفكرة غيبية وأنّ خلاص الإنسان لا يمكن أن يأتي إلاّ بسببب بشري ؛ إلاّ أنّ ما نؤكده في هذه المناسبة أنّ مسألة الخلاص أي استتباب العدل والأمان والسلم في العالم هي فكرة يشترك العالم كلّه بضرورة العمل من أجلها . ولكنّ الإيمان أنّ هناك إمداداً غيبيّاً من الله سوف يساعد الإنسان على إيجاد هذا العدل والأمان واستتبابه لأنّ الذي يؤمن بهذا الإمداد سيكون أكثر شعوراً بالتفاؤل وأكثر عملاً من أجل استتباب هذا العدل .
وإننا نرى ( والقول للسيّد ) بأنّ المسلمين والمسيحيين في العالم الذين يلتقون على أنّ جوهر الدّيانات السماوية يتمثّل في إقامة العدل على الأرض وأنّهم يؤمنون كلّ منهم بمخلّصٍ سيأتي ويساعد على إقامة هذا العدل .

السابق
هل يدعو بن سلمان إلى مؤتمر إقليمي دولي لإنقاذ دول في المنطقة من الانهيار؟
التالي
«الجمهورية القوية» يطعن بالتمديد للمجالس البلدية والإختيارية.. حاصباني: الطعن صوناً للديمقراطية