رحلة فرنجية الرئاسية أمام «مطبات هوائية»!

سليمان فرنجية

تعكس المروحةُ الواسعة من اللقاءات التي بدأها وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبدالعزيز الخليفي في بيروت رغبةَ بلاده في الاستطلاع المباشر «وجهاً لوجه» لإمكانات إحداث خرق في «الجدار الحديد» الذي يعترض الانتخابات الرئاسية في لبنان، ومدى قابليةِ المحاولات التي تَجْري عبر «الخماسي» العربي – الدولي (تشكل الدوحة جزءاً منه) لكسْر المأزق الرئاسي، والصدى الذي تركتْه لدى القادة اللبنانيين «أجراسُ الإنذار» الخارجية التي توالت من مغبة الإمعان بالتأخير في إنهاء الشغور في الكرسي الأوّل.

والخليفي، الذي مَثّل بلاده في اجتماع «مجموعة الخمس» حول لبنان الذي عُقد في باريس في فبراير الماضي (وضم الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر وقطر)، وزار طهران قبل أسبوع، اعتمد «ديبلوماسية الصمت» في لقاءاته أمس، التي شملتْ رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، من ضمن روزنامة حافلة من اجتماعاتٍ تُستكمل اليوم، وضمّتْ أيضاً رؤساء الأحزاب الممثَّلين في مجلس النواب ورؤساء الطوائف، إلى جانب محطّتين مهمتين مدرجتيْن على جدول أعماله: الأولى مع قائد الجيش العماد جوزف عون ومع وفد من «حزب الله».

الخليفي ينسجم مع الموقف السعودي والخليجي – العربي الذي يتفادى مقاربة الاستحقاق الرئاسي انطلاقاً من أسماء «مع وضدّ»

وإذ بدا من المبكر الإحاطة بكل جوانب مباحثات الموفد القطري وهل حمل مبادرة محدَّدة، إلا أن أوساطاً سياسية أكدتْ أن الخليفي ينسجم مع الموقف السعودي والخليجي – العربي الذي يتفادى مقاربة الاستحقاق الرئاسي انطلاقاً من أسماء «مع وضدّ»، بمقدار ما أن الجوهر يتمثّل في وجود واقع خطير انزلق إليه لبنان وبات في ذاته يفرض مواصفاتٍ يتعيّن أن يتمتع بها مَن سيدخل قصر بعبدا لتفكيك «الأزمة العنقودية» التي تقبض على «بلاد الأرز» ويَتَشابَكُ فيها السياسي بالمالي.

وكان لافتاً خلال استقبال ميقاتي الخليفي أنه عقد معه خلوة بعد اجتماعٍ شارك في جانب منه سفير قطر ابراهيم عبدالعزيز السهلاوي، رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني باسل الحسن والمستشار الديبلوماسي لرئيس الحكومة السفير بطرس عساكر.

إقرأ ايضاً: إستعادة في «تداعيات رمضانية في حال الأمة» للعلامة الأمين: استلهام العقيدة الاسلامية للنهضة التنموية والفكرية

وشدد ميقاتي «على العلاقات الوطيدة التي تربط لبنان وقطر على المستويات كافة»، مشيداً «بالمساهمات القطرية في مساعدة لبنان على الصعوبات التي يمر بها سياسياً واقتصادياً»، مجدداً «التقدير لدعم قطر الجيش في هذه المرحلة العصيبة بما يمكّنه من القيام بمسؤولياته».

وأكد «أن مدخل الحل للأزمات التي يعانيها لبنان يكمن في انتخاب رئيس جديد في أسرع وقت».

وجاءت محطة الموفد القطري على وقع ملامح إدراكِ باريس، التي استقبلت زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية أن «رحلته الرئاسية» مازالت في منطقة «المطبات الهوائية» التي يتعيّن عليه هو أن يعبرها وتالياً تغيير اتجاه «الرياح المعاكسة» لوصوله، سواء في الداخل ربْطاً باعتراض الغالبية المسيحية وكتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عليه، أو الخارج ولا سيما الموقف السعودي الذي لا يصبّ في مصلحة زعيم «المردة» انطلاقاً من مقاربةِ الرياض الشمولية للواقع اللبناني بكلّيته، بعيداً من لعبة الأسماء والضمانات الكلامية، بحيث يشكل الاستحقاقُ الرئاسي أحد المفاتيح الضامنة لانتقال «بلاد الأرز» من ضفة «الفساد السياسي والمالي» وخروجها من مرحلة فقدان التوازن.

وفي حين يفترض أن تكرر باريس المحاولةَ مع الرياض، فإن الأوساطَ السياسية ترى أن بيروت دخلتْ واقعياً فترةً انتظاريةً جديدة أقله حتى موعد القمة العربية في السعودية في 19 مايو المقبل وقبْلها عبور تفاهم بكين بين الرياض وطهران مرحلته الاختبارية، علّ إيران تنضمّ إلى حلقة «مجموعة الخمس» ويكون متاحاً إخراج تسويةٍ يصعب بالتأكيد أن ترسو على فرنجية.

جاءت محطة الموفد القطري على وقع ملامح إدراكِ باريس التي استقبلت فرنجية أن «رحلته الرئاسية» ما زالت في منطقة «المطبات الهوائية»

ولم يكن ممكناً في هذا الوقت الجزم بخلفية تظهير «حزب الله» موقفاً عدائياً من أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي في معرض «حرقه» ورقة «الشخصية ذات الخلفية الاقتصادية التي تفكر فيها واشنطن» للرئاسة، معتبراً صندوق النقد والبنك الدولي بوابة «لتعليمات يرسمها النافذون الإستكباريّون للعالم من خلال هذه المؤسّسات الاقتصاديّة الدولية»، وهل الأمر في سياق «ربْط نزاع» على قاعدة استدراج عروض لمقايضةٍ بين فرنجية للرئاسة وإطفاء «الضوء الأحمر» أمام اتفاقٍ مع صندوق النقد، أم أن الأمر يعكس استشعاراً بأن حظوظ مرشّحه زعيم «المردة» تتراجع فبدأ «التفاوض» على «ما بعده»، وهو ما يعني في الحالين أن الملف الرئاسي مازال في مرحلة «عض الأصابع»؟

في موازاة ذلك، وعلى وقع معاودة ميقاتي بحث الملفات المعيشية والمالية عشية جلسةٍ قد يدعو إليها مجلس الوزراء لبت مصير زيادات ومساعدات اجتماعية مقترَحة لموظفي القطاع العام والمتقاعدين، أكّد وزير الداخلية بسام المولوي أن «الإنتخابات البلدية والإختيارية ستحصلُ في وقتها»، كاشفاً أنها «ستبدأ في 7 مايو في الشمال و عكار و14 مايو في جبل لبنان و21 منه في بيروت والبقاع وبعلبك – الهرمل و28 مايو في الجنوب والنبطية».

ويواجه هذا الاستحقاق صعوبة في توفير التمويل له في ظلّ رفض الكتل المسيحية التئام البرلمان في جلسة تشريعية في كنف الشغور الرئاسي، واعتراض كتل أخرى على تأمين الأموال من حقوق السحب الخاصة بلبنان من صندوق النقد، وسط انطباعٍ بأن غالبية الأطراف لا تريد إجراء هذا الاستحقاق الذي يصطدم «تطييره» في الوقت نفسه بالحاجة إلى جلسة تشريعية للتمديد للمجالس البلدية والاختيارية وإلا تَمَدَّدَ الفراغ إليها مع ما لذلك من تداعيات على يوميات اللبنانيين ومعاملاتهم الحيوية.

السابق
مقتل مدنيَّين في ضربة صاروخية إسرائيلية جديدة على سوريا!
التالي
دور تخزين الطاقة في مستقبل الطاقة المتجددة