إستعادة في «تداعيات رمضانية في حال الأمة» للعلامة الأمين: استلهام العقيدة الاسلامية للنهضة التنموية والفكرية

السيد محمد حسن الامين
تحت عنوان "تداعيات رمضانية في حال الأمة" كتب المفكر الاسلامي الراحل العلامة السيد محمد حسن الامين (رضوان الله عليه)، مقالا تحفيزيا في "جريدة اللواء" في تسعينات القرن الفائت، لفت فيه الى ان الأمة بحاجة الى عقيدة اجتماعية صلبة من أجل النهوض على مستوى التنموي والفكري والاقتصادي، وان الاسلام (كعقيدة دينية اجتماعية وثقافية) يصلح ان يكون المحفز المنشود لنهوض الأمة ووحدتها، وذلك دون التطرق لأي شكل من أشكال فرض سلطة او حكومة اسلامية بعيدا عن ارادة الشعوب وخيارها.

كتب العلامة الراحل الأمين في مقالته «يمكننا بعد تجربة هذا القرن أن ندرك عقم جميع المحاولات التي حاولت أن تضع ركائز نهوض للأمة من خارج عقيدتها، “فلقد شهد هذا القرن – على مستوى المنطقة العربية والإسلامية – تجارب متعددة للنهوض والتنمية والوحدة خارج جامعة العقيدة فقامت عشرات النظم السياسية مستلهمة أنظمتها وقيمها السياسية والاقتصادية والثقافية من تجارب الدول الغربية الرأسمالية والاشتراكية والليبرالية وعملت بمبدأ الفصل بين الدين (العقيدة) وبين الدولة وكان هذا المبدأ هو الوصفة السحرية التي قدمتها التجربة الغربية للشعوب النامية (المتخلفة).

الفشل في النهوض

وهنا نسأل: هل تمكنت هذه الأمة أن تحقق تطلعاتها في النهوض من الكبوة على مستوى هدفي التنمية والنهوض التقني والاقتصادي أو على مستوى الوحدة السياسية؟

الجواب بالطبع لا، فها نحن نزداد تفككاً وتراجعاً وضعفاً على كل الصعد المذكورة وتزداد الهوة بيننا وبين العالم المتقدم الذي كنا نحاول اللحاق به من خلال الاقتداء بمبادئه ونظمه وطرائقه في العيش والنظام”.

كل تنمية في بلدان العالم الثالث سوف تنتج تحرراً من هيمنة الدول المتقدمة وتقلص مصالحها في بلادنا.

وهنا قد يعترض معترض فيقول أن سر فشل الأمة خلال هذا القرن في محاولتها الالتحاق بركب الدول المتقدمة هو أن الدول المتقدمة استطاعت فعلاً أن تفصل بين الدين وبين أنظمة الحكم لديها، أما نحن فقد فشلنا في تحقيق هذا الشرط، وظلت الأمة موزعة بين انتمائين انتماؤها السياسي إلى أنظمة الحكم وإنتماؤها العقلي والروحي والوجداني لعقيدتها الإسلامية، الأمر الذي أنتج ثنائية مدمرة لروح الأمة وطاقاتها وينابيع الإبداع في كيانها..

وفي الجواب على الاعتراض فإننا قد نوافق المعترض على صحة قوله بشأن هذه الثنائية القاتلة بين الانتماء القسري لهذه الأمة لأنظمة السياسة والحكم من جهة، وانتمائها الطبيعي إلى مستلزمات عقيدتها من جهة أخرى لنقول: ترى أليست عقيدة الأمة هي من الرسوخ في نسيج كيانها بدرجة لا تقبل أي ولاء خارج موجبات هذه العقيدة وقيمها ومستلزماتها؟

وإذا كانت هذه هي الحقيقة، وإذا كانت بعض التجارب الناجحة لبعض الأمم في عصرنا الراهن (اليابان) قد أثبتت أن التنمية والتقدم لا يشترطان التجرد من العقيدة وتراثها، ألا يكون أحرى بنا نحن المسلمين أن ندرج خطأ هذا الشرط الوهمي الذي كلفنا كل هذا القدر من التجارب القاسية طوال هذا القرن؟!

على أن التأمل في تجربتنا القاسية خلال هذا القرن والتأمل بتجارب الأمم والشعوب في التنمية والنهوض تؤكد لنا حقائق إضافية منها أن انساق النمو والنهوض لدى الأمم والشعوب ليست انساقاً متماثلة، وقلما استطاعت أمة أن تحقق نسق نهوضها بالتقليد الكامل لأمة أخرى وذلك أن التنمية عملية معقدة وليست وليدة قواعد رياضية ثابتة، أي ليست هي من قبيل الوصفة الطبية التي تأخذ نفس المفعول في هذا الجسد البشري أو ذاك..

البحث عن عقيدة

إن كل تنمية تحتاج إلى عقيدة تحفزها وتصونها، وإذا كان صحيحاً أن الثورة الصناعية في أوروبا الغربية لم تواجه بتحديات وممانعات لأنها لم تكن مسبوقة على مستوى العالم بأي ثورة على هذا الصعيد، فلذلك لم تكن بحاجة إلى المزيد من عناصر الحماية المعنوية والروحية، فإن أي ثورة صناعية تنموية لأي أمة من أمم عصرنا لا بد لها من عقيدة تساعدنا على احتمال التحديات والضغوط التي تمارسها الدول المتقدمة على الدول النامية حين تطمح إلى الاستقلال واستقلال التنمية بصورة خاصة، لأن كل تنمية في بلدان العالم الثالث – ونحن منه – سوف تنتج تحرراً من هيمنة الدول المتقدمة وتقليصاً لمساحة مصالح هذه الدول وقوة نفوذها.

نحن نزداد تفككاً وتراجعاً وضعفاً على كل الصعد المذكورة وتزداد الهوة بيننا وبين العالم المتقدم الذي نحاول اللحاق به

إن العقيدة الإسلامية فضلاً عن ضرورة حضورها في معركة النهوض والتنمية عندما تخوضها الشعوب الإسلامية لتحصين إنجازات معركتها ورفد هذه المعركة بالأبعاد الروحية اللازمة لتصليبها، أقول فضلاً عن ذلك فإن العقيدة الإسلامية هي في جوهرها عقيدة للنهوض والتنمية والارتقاء بالإنسان من أجل عمارة الأرض حيث الإنسان – بموجب هذه العقيدة – يمارس دور خلافة الله نفسه على الأرض، فكيف تكون هذه العقيدة عائقاً في إطلاق طاقات معتنقيها وكيف يمكن أن تقف عقبة في طريق نهوضهم وحريتهم واستقلالهم؟!

تلاحظون أنني في الحديث عن التنمية والنهوض والوحدة، اجعل هذه المفاهيم مقترنة (بخطة شاملة) وهذا الاقتران لم يعد شأناً استنسابياً كما أثبتت كل تجارب النهوض في تاريخ العالم المعاصر، فالنهوض لا يكون إلا وليد الخطة، كما أن الخطة لا يمكن أن تقوم من الفراغ بل لا بد أن تقوم على نظرية..

السؤال المطروح هنا: ما هي حدود دور العقيدة الإسلامية في صياغة نظرية النهوض وخطته، وبصيغة أوضح نتساءل: ما هي الحدود بين ما هو بشري متغير وقابل للتطور وبين ما هو من وحي العقيدة؟

أي لا بد أن نكون على بينة – ونحن نصوغ خطة نهوضنا – من أن العقيدة وحدها وبمعزل عن خياراتنا البشرية، لا تصوغ لنا خطة نهوض ولا تقدمها لنا جاهزة فما هو دورنا إذاً في هذه المهمة وما هو دور العقيدة وأين هي الحدود الفاصلة في هذه المهمة الواحدة؟!».

(اللواء 28 شباط 1997)

السابق
في اليوم 75 على اعتصامه.. خلف يذكر النواب باحكام هذه المادة
التالي
بعيدا عن الاعلام.. لقاء بين فرنجية وحزب الله