حارث سليمان يكتب ل «جنوبية»: الجنرال غورو بين بيع الخطايا وتسويق المزايا

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

كأنه لم يكف شعب لبنان كل ما حل به من نهب ومهانة وافقار، حيث لم تخجل منظومة الفساد والفشل والارتهان للخارج، التي تتحكم بسلطته، من جعل الإفلات من العقاب وتقويض أسس العدالة، وافراغها من قيم المساواة والأخلاق والشمولية، قاعدة شاملة تحمي النافذين في السلطة، وتمنع إحقاق الحق والاقتصاص من الاشرار، وملاحقة كل أشكال الارتكاب، سواء كانت الجريمة؛ اغتيالا او فسادا، او تبديدا وسرقة للودائع المصرفية، او نهبا منظما للمالية والاملاك العامة!  كان ذلك، تتويجا ونتيجة لنهج إقامة سلطة، تحكم من خارج القانون، كل قانون، و خلافا لنصوص الدستور و لروحية مواده، وهي سلطة من طبيعة مافيوية، لا تتردد تارة في التواطؤ واخرى في التستر وثالثة في ممارسة، كل أشكال الجريمة المنظمة؛ من انتهاك البيئة وتدميرها، الى تبييض الأموال وتهريب المخدرات، والاتجار بالبشر، عبر تنظيم وتمرير حالات هجرة النازحين وتهريبهم الى اوروبا، من خلال زوارق الموت التي يبتلعها البحر الأبيض المتوسط. وصولا الى إنشاء اقتصاد اسود مواز، يستسهل التهريب الجمركي والتهرب الضريبي، ويستنزف الاقتصاد اللبناني الشرعي، ويلحق به خسائر فادحة… 

خضعت هذه المنظومة لعملية اعادة فك وتركيب لأطرافها أدت الى حسم الطبيعة المافوية للمنظومة بشكل سافر وشامل بعد ان أصبح العصب الميليشياوي هو الحامي الوحيد لأطراف المنظومة

ولم يكن انهيار النظام الصحي و الاستشفائي، وانعدام التغطية الصحية لعموم الشعب اللبناني، وفقدان الدواء، و تداعي النظام التربوي والتعليمي بكل مراحله، وتردي الخدمات العامة من كهرباء وماء واتصالات ونقل، وغياب الرقابة على مواصفات الجودة في الغذاء والماء والدواء، او ضبط مقاييس واسعار الاستهلاك، او معالجة النفايات المنزلية، كما صيانة الطرق والمجاري و تصريف المياه المبتذلة، وانعدام الخدمات البلدية والمعاملات الرسمية الإدارية  من مالية وقضائية وجمركية، ولم يكن ليحدث ذلك ويستمر على مدى ثلاث سنوات واكثر، لولا انهاء ازدواجية التعايش بين ما هو دولتي، وما هو ميليشياوي داخل منظومة الحكم، بحيث خضعت هذه المنظومة لعملية اعادة فك وتركيب لأطرافها، أدت الى حسم الطبيعة المافوية للمنظومة بشكل سافر وشامل، بعد ان أصبح العصب الميليشياوي، هو الحامي الوحيد لأطراف المنظومة وسبب بقائها وديمومتها. 

في ظل الازمة الشاملة، التي تم تبيانها اعلاه، وفي ظل عدم قدرة اي لبناني على متابعة حياته العادية، سواء بالذهاب لعمله، أو تعليم ابنائه، او تامين حاجات عائلته اليومية والغذائية، ام تلبية واجباته الاجتماعية فرحا او ترحا، او ملاقاة أصدقائه وارتياد أماكن التسلية، وممارسة السياحة وارتياد الملاهي والمسارح والمطاعم  والمنتجعات، بعد انهيار القدرة الشرائية للمستهلك اللبناني، نتيجة فقدان العملة الوطنية لأكثر من ٩٥% من قيمتها الشرائية، كان منتظرا من سلطة المنظومة وأطرافها لو كانت محترمة وراشدة، ان تلجأ الى أمور ثلاثة على الأقل: 

وقف عمليات الفساد والتربح من المال العام حياء وخجلا نتيجة لانكشاف سرقاتها وبيان فداحة اضرارها

أولاً: وقف عمليات الفساد والتربح من المال العام، حياء وخجلا، نتيجة لانكشاف سرقاتها، وبيان فداحة اضرارها، وافتضاح القطاعات التي كانت مدار ارتكاباتها، من جهة اولى، وبسبب جفاف مداخيل الدولة وانعدام مصادر تمويلها عبر الاقتراض او تسليفها ديونا جديدة.
ثانياً: اللجوء الى اقرار اصلاحات بنيوية، طالبت  بها الدول المانحة منذ ٢٠ عاما، وأصر عليها صندوق النقد الدولي، وجعلها شرطا مسبقا واجب تنفيذه، قبل مد يد المساعدة الى لبنان، وإقرارُ جملة من القوانين المطلوبة التي تسمح بوضع إطار قانوني لعمليات استعادة العافية الاقتصادية.

اعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف التجارية والاعتراف بالخسائر الفعلية من اجل انهاء عمل المصارف غير القابلة للحياة


ثالثاً: اعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف التجارية، و الاعتراف بالخسائر الفعلية، من اجل انهاء عمل المصارف غير القابلة للحياة، وتنفيذ تدقيق مالي جنائي في مؤسسة كهرباء لبنان، إضافة لقانون كابيتول كونترول وتوحيد سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار… الخ

1) تعهد بوقف تهريب المخدرات الى دول الخليج.

2) وقف التدخل العسكري لحزب الله في اليمن والبحرين.

3) قدرته على إقناع نظام الاسد باسترجاع النازحين السوريين الى وطنهم. 

كيف لدولة كبرى تتبنى قيم الجمهورية والديمقراطية وحقوق الانسان، كفرنسا، ان تروج لهذا الصنف من المبادلات، فتهريب المخدرات جريمة تستحق العقاب، وليست مزية تؤهل صاحبها او صديق صاحبها، لنيل جائزة أو مكسب او ربح، امَّا تدخل حزب الله في دول الاقليم فهو خرق للقانون الدولي،  واعتداء على سيادة دول اعضاء في منظمة الامم المتحدة  كلبنان واليمن والبحرين، فهل أصبح لخرق القانون الدولي منحة وهدية؟!  اما عودة النازحين السوريين الى بيوتهم فهو حق إنساني لا يجوز مقايضته والتكسب من تنفيذه!! 

الأغرب في حملة التسويق هذه، أن الضمانات مطلوبة من مرشح لا سلطة له ولا إمرة لديه، لا على النظام السوري ولا على حزب الله، بل في حساب الاوزان والأحجام، فهو الطرف الذي يتلقى التوجيهات والنصائح وليس من يصنعها ويطلقها!

الضمانات مطلوبة من مرشح لا سلطة له ولا إمرة لديه لا على النظام السوري ولا على حزب الله بل في حساب الاوزان والأحجام فهو الطرف الذي يتلقى التوجيهات والنصائح وليس من يصنعها ويطلقها!


 لا اعتراض عندي على تسلم شركات فرنسية، ادارة مرافق لبنانية وخدمات عامة مختلفة، وقد لا اعترض أيضا، على ممارسة فرنسا لوصاية على لبنان، بعد الحالة المزرية التي اوصلتنا اليها منظومة الفساد والفشل والارتهان للخارج، بل على العكس اذا كانت فرنسا راغبة حقا بادارة لبنان، فهي مرحب بها، بشرطين؛

الشرط الأول، أن تأخذه كاملا، وليس أن تدير قطاعا، وتهمل آخر، بل تجعله مقاطعة كبقية مقاطعاتها من وراء البحار، خارج ال Hexagone فيصح فينا كشعب، ما حدث لعملة الزحلاوي، وهو ( المتليك/ اي قرشين ونصف/)، وكانت هذه العملة  على شكل دائرة نحاسية في منتصفها ثقب يسمح بشكها بخيط لحملها…، لسبب ما، الغي المتليك المثقوب، وحل بدلا منه، متليك مطابق له دون ثقب، ذهب رجل زحلاوي الى سوق النحاسين في دمشق، وطلب من النحاس ان يسد ثقب المتليك سائله عن الكلفة، اجابه النحاس؛ ” ان سد ثقب المتليك يكلف متليكا”، اجابه الزحلاوي؛ سدوا وخذوا.

اما الشرط الثاني، فهو ان يكلف الجنرال غورو او احد من أحفاده بحكم لبنان، لا ان يتم إحياء المنظومة الفاشلة وإعادة تدويرها.. لا نفتقد في لبنان لإستيراد سماسرة، بل نفتقد رجال دولة.

السابق
بالصورة.. بلدية الغبيري تنشر أسماء اصحاب المولدات المخالفة!
التالي
وجيه قانصو يكتب ل«جنوبية»: النظام الإيراني واختبار الرهانات