مات فيصل فرحات مريضاً فقيراً وحيداً منسياً.. من قتله؟!

فيصل فرحات

لا أصدق أن فيصل فرحات رحل عن الوجود، ولكني أصدّق أنه قُتِل بعد تعذيبه أبشع تعذيب. الكاتب والمسرحي، ابن بلدة يحمر عرفته وتعرفت عليه منذ أعوام كثيرة، وكم صادفته ورأيته في شارع الحمراء، يركن الى كشك الجرائد ، بين جرائد محمود ، مقابل مقهى الروسا، وعند كشك المعلم نعيم، أمام مقهى باريس ،يقرأ كل الصحف والمجلات بنهم يلفت انتباه كل عابر ، وكم رأيته وحادثته في صوت الشعب وفي محطة تلفزيون الجديد وفي دار نلسن وفي كل مكان يحتوي أمر وفعل الثقافة المرئية والمسموعة والمكتوبة والمرسومة،رأيته في كل بيروت ،في كل أماكنها ومراحلها ،في كل أفراحها وأتراحها..
كان فيصل فيصلاً في مساحة المدينة وثقافتها ، وخلال سنوات غابرة كتب الكثير من المقالات، كان يكتبها ويصورها ويوزعها على عارفيه، ولاحقاً صار يطبع الكتب التي تعكس تجربته ويومياته.
وكان قارئاً جوالاً ، يحمل الكتب ويوزعها ، وبقي شارع الحمراء أرض خطواته اليومية.

اقرأ أيضاً: «أم كلثوم» المعجزة الفنية في سماء العرب.. والعالم!

عمل في مهن متعددة،بائعاً للكتب ،مندوباً لبيع أشغال الدهان والخشب، لم يوفر مصلحة الا وعمل بها أو حاول العمل بها.
فيصل مثقف يساري عاش فقيراً في وسط اليسار اللبناني وتحديداً، الحزب الشيوعي اللبناني، ومع الأسف مات في غرفته (فوق السطوح) في رأس بيروت منسياً وحيداً مريضاً، لا أحد ذكره وتذكره وحتى في سنواته الأخيرة،كان خارج اهتمام “رفاق الدرب”!
قبل أشهر قليلة رأيتُ الراحل يحاول المشي على عكازتين، في المكان الأحب على قلبه، عند تقاطع مقهى الروسا والشارع المؤدي الى مستشفى الجامعة الأميركية،كان ينتظر على عكازيته، ويحاول تصفح الجريدة اليومية. كان بائساً يائساً وحركة جسده بملامح كئيبة وأكثر من حزينة ، والآن عندما أتذكر ذلك الفيصل المهزوم ، أشعر بضعفي غير المبرر ، وربما ارتكبتُ جريمة بحقه لأنني لم أقترب منه وأساعده، ولو بأن يتكيء على كتفي لتأمين صبره وصمود جسده في العراء! وعلمت لاحقاً أنه كان ينتظر بعض المال لإجراء عملية جراحية، لكن الموت سبقه.
لا أحد بريء من دمك يا فيصل، كلهم ساهموا بقتلك، السلطة المركزية، وكل سلطات المجتمع والدولة والأمر الواقع، عائلتك وبلدتك ومدينتك وجماعتك ورفاقك، أهل العلم والثقافة والفن والفنون،كلهم قتلوك وحزبك اليساري الشيوعي أولهم..!
(من هو المثقف اليساري الفقير فيصل فرحات؟)
شارك فرحات وأعدّ ومثّل في العديد من المسرحيات نذكر منها:
ـ «معو حق ابني» مقتبسة من مسرحية جلال خوري «جحا في القرى الأمامية» اخراج سهام ناصر، عرضت في بيروت في فترات وقف إطلاق النار، وفي كفررمان، العام 1976، وصيدا وصور وبرجا بإشراف الكاتب.
ـ «مزرعة معزولة» عرضت ضمن احتفال «دراما مين؟» من إخراج أنيس سماحة، على مسرح الوست هول في الجامعة الأميركية أواخر عام 1976.
ـ «كفر جبروت»، عام 1977، عرضت في جباع وصيدا وصور من إخراج الكاتب.
ـ «لبنان في لوحات مسرحية» عرضت في يوم المرأة العالمي على مسرح الأونيسكو، وعلى مسرح كلية التربية في الجامعة اللبنانية عام 1978.
ـ «نايم الأخ» 1979، مخطوطة.
ـ «سقوط عويس آغا» عرضت على مسرح «جان دارك» من إخراج الكاتب، وطُبعت في دار الفارابي عام 1981.
ـ «خمسة بتاخدن ستة» 1990 مخطوطة.
 ـ Women and a man (بالانكليزية) مخطوطة، 1990.
ـ One act play The other love (بالانكليزية) مخطوطة، 1990.
ـ «الأفق الآخر» (مسرحية من فصل واحد) 1990 مخطوطة.
ـ «الاستعمار العائلي» (مسرحية من فصل واحد وممثل واحد) 1991 مخطوطة.
ـ «فرج الله في البال» 2002 مخطوطة.
(أما كتبه):
ـ يوم بدأتُ الكتابة (سرديّة من سيرة ذاتية)، دار الفارابي، ط1، 2008، ط2، 2010. وقـد صدر باللغـة الفرنسية تحـت عنوان Le Jour où Je Commençai à écrire ترجمة: أنطوان بولاد، عن دار ضرغام، 2009.
ـ رهبة الكتابة (سردية من سيرة ذاتية)، دار نلسن، 2009.
ـ عمر الولدنة (سردية من سيرة ذاتية)، دار مختارات، 2011.
ـ فلتة زمانه (سردية من سيرة ذاتية)، دار الفارابي، 2011.
ـ ابن الحزب وقصص أخرى (سردية من سرية ذاتية)، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2012.
ـ مجنون بن بيروت (قصة توقيف الحرب في لبنان)، سرديّة من سيرة ذاتيّة، دار الفارابي، 2012.
ـ أربع مسرحيات (1 ـ فـات عَ قلبي، 2 ـ عالم تـاني من 2، 3 ـ أية بوسة بدنا نبوس?On the mouth، ـ 4 ـ عانس خلّفت صبي)، دار الفارابي، 2013.
و”باع سمك بالبحر- يوم في حياة كاتب” 2015 “شالوم إم مصطفى” 2019، وهذه كتبها خلال رحلته إلى الولايات المتحدة العام 1983 للالتحاق بصديقته الأميركية، فعمل هناك عتالاً ونادلاً في المطاعم. هناك كتب المسرحية ولم يحظ بمنتج لها. فحتى «اللجنة العربية اللبنانية» التي كانت تستقدم عروضاً عربية إلى هناك وتموّلها رفضت مسرحيته وطلبت منه: «عملّنا شي فولكلور!». 
أما كتابه الأخير فصدر في السنة الماضية بعنوان “قيامة لبنان المنهار” 2022. لكنه لم ينتظر ليرى قيامة لبنان الذي أحب.
كان قريباً من المخرج الراحل جلال خوري، ومن الشاعر الراحل جوزف حرب، ومثّل دوراً صغيراً في مسرحية زياد رحباني “بالنسبة لبكرا شو”. 
مات فيصل فرحات (الهامشي- المُهمّش!) في زمن انهيار البلاد والعباد،وبموته ماتت طيبة الثقافة وبراءتها. ومرة أخرى تفوز اللغة بنشيدها المُحق، وتضج الظلال والمرايا بالكلام المبين: “ربما الهامشي كان هو الحقيقي”.

السابق
بعد «الإلتفاف» عليه بالإدعاء على سلامة.. مصدر قضائي لـ«جنوبية»: التحقيق الاوروبي اصبح في «خبر كان»!
التالي
ارتفاع اضافي بأسعار المحروقات.. كم اصبحت؟