دفاعاً عن «بتول»

«اعقلوا الخبر اذا سمعتوه عقل رعاية لا عقل رواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل» الامام علي.

مجدداً يعودُ برنامج ” فشة خلق” موضوع الساعة، ولسان حال الجمهور. فبعد أن نالت، ذات حلقةٍ، مقدمته الإعلامية داليا احمد نصيبها من الشتم والاهانات الشخصية، وصلت الى حدود العنصرية، يبدو أن الدور هذه المرّة، قد وقع على الممثلة الموهوبة جوانا كركي على خلفية مقطعٍ ساخرٍ ومجتزأ عن لسان شخصية “بتول”، أو من يقف خلف تسريبه أراده مبتوراً من سياقه على النحو الذي شاهده الجمهور، بغرض التحريض، وافتعال البطولات الوهمية من دون أن يحسبَ عواقبَ فعلته التي تنّمُ عن حقدٍ وغيرة.

لقد بتنا في حيرةٍ من امرنا، حول ما إذا كانت تلك الكراهية تنصبُ على المحطة او البرنامج نفسه. فبدلا من أن يُصار الى التأكد من محتوى الحلقة ومناقشته، وابداء الرأي بحدود النقد الرصين غير المشخصن، والبعيد عن الشتم والتخوين. فهذا امرٌ مستحبٌ، لا بل مطلوب ولازم، وصولا إلى حدّ النقد الثقافي الحاد، طالما أن الامر يقف عند حدود الرأي. فلا إجماع حول فكرة او برنامح أو مقولة.

البرنامج نفسه يقوم على دعوةِ الرأي العام الى إعمال الفكر النقدي حول سلوك السلطة، كما يدعو الى رفعِ منسوبِ الشك حيالها

اكثر من ذلك، إن البرنامج نفسه يقوم على دعوةِ الرأي العام الى إعمال الفكر النقدي حول سلوك السلطة، كما يدعو الى رفعِ منسوبِ الشك حيالها، وعدم أخذ وعودها عل محمل الواقع والحقيقة. فإذ به يقع ضحية شائعة ” الرصاصة السحرية” التي تسري كالنار في الهشيم.

تمَّ تقصد اجتزاء الفقرة لتبدو بهذه الحرفية: ” 3 ارباع ولاد الجنوب، عيونهم خضر وزرق وشعراتهم شقر منك عارفة يا داليا.. الطليان فاتوا فينا

فمن الواضح أنه قد تمَّ تقصد اجتزاء الفقرة لتبدو بهذه الحرفية: ” 3 ارباع ولاد الجنوب، عيونهم خضر وزرق وشعراتهم شقر منك عارفة يا داليا.. الطليان فاتوا فينا.. والانكليز فاتوا فينا.. ومدري مين فاتوا فينا”.. انتهى الاجتزاء.

بينما وبعد مراجعة الفقرة تبيّن أن الكلام أعلاه جاء في سياقٍ لا يخرج عن المألوف ولا يتجاوزُ حدود أخلاقية المهنة. فجملة: ” لقد جوّزناهم من بناتنا، واخذنا من بناتن” تجُبُّ وتلغي النية السيئة من وراء الاجتزاء، وترد على تلك الإساءة وتفحم قائلها. وتثبت عكس ما أراد من يقف خلف الاجتزاء المسموم. فالزيجات بين افرادٍ من “قوات اليونيفيل” وبين لبنانيات جنوبيات امر واقع، ولا خلاف حوله، علاوة على ذلك، إن الجنوبَ متنوعُ الطوائفِ، ولا يمكن حصره بطائفة بعينها. وعندما دافع الامام موسى الصدر عن الجنوب، فقد دافع عن رميش والقوزح، بقدر دفاعه عن بنت جبيل والطيبة والخيام.

هكذا يبدو بما لا يدع مجالاً للشك، أن وراء الحملة ما وراءها، وأن الظلم قد وقع على البرنامج والمحطة، فضلا عن الممثلة التي لا يمكن لأحدٍ أن يزايد على جنوبيتها.

إن الذي اجتزأ المقطع وعرضه على ذلك النحو، هو الذي يجب أن يخضع للمساءلة القانونية، لأنه وضعه في سياق فيه ايحاء يتجه مباشرة صوب الشرف، وهو الذي تقصّد هذا المعنى وأراد منه إثارة الغرائز وتوجيه الردود، فبدا وكأنه “الفاسق” الذي يجب أن نتبين مما يقول ويفعل، كي لا نصبح من النادمين..

تحت سقف القانون

وبما اننا من دعاة دولة القانون الذي يجب أن يطبق على الجميع دون استثناء، يصح التساؤل :هل هذا المقطع الساخر الكامل غير المبتور، يخالف أي مادة من مواد القانون، بحيث يترتب عليه الجزاء والتجريم؟. الجواب، كلّا..

فليس هناك أي كلمة وردت فيه تحمل مضامين تمس بالشرف، او القدح والذم. فالطابع الساخر للبرنامج، يتطلب اللّعب على الكلام ” الايفيه” ، لاضفاء مزيد من الكوميديا الساخرة. وعند هذا الحد، يقف الموضوع ويقف عند توضيح المحطة والممثلة نفسها.

وبناء عليه إن مرجعية القانون، هي صاحبة الكلمة الفصل في هذا المقام، فلسنا في شريعة الغاب، كي يقمع فيها القوي الضعيف.

فإذا كان “التبيّن” من الاخبار الكاذبة والملفقة واجباً دينياً، “كي لا تصيبوا قوماً بجهالة”، فقد بات في يومنا هذا واجباً وطنياً ومسؤولية أخلاقية تقع في صلب المواطنة الحقة ” كي لا نصيب وطناً بفتنة”. وقد اقرّ علم نفس الجماعات أن سريان الشائعات في مجتمع ما دون تبصر او دراية، دليل على أنه مجتمع مأزوم ومفكك، للغرائز فيه هيمنة على العقل والضمير.

ومما لا شك، إن خطورة الموضوع تتأتى من قبل اشخاص قادرين على الوصول الى جمهور معين، فيستغلون الشائعات، للاستثمار فيها بغية تحقيق حوافز شعبوية وتثبيت حضورهم وإبراز دورهم على انهم حائط صد، والمدافعين عن مصالح ذلك الجمهور، وبالتالي يستحوذون على القيم والحقيقة.

في واقع الامر، إن الاستثمار في الدعاية والشائعة جوهره سياسي. فعلى ما يبدو ثمة من يريد ان يوصل رسالة مفادها: أن التحليق خارج السرب يرتب مسؤولية ما.

خلاصة الكلام ،القصة وما فيها لقد بدا كلام “بتول” بلكنتها الجنوبية فيه رسم صورة سلمية لليونيفيل، ورفض مبطن لحادثة قتل الجندي الايرلندي، وهذا ما لم يعجب البعض، فحدث ما حدث.

إن القضية لا علاقة لها بالمبادىء او الاخلاق. فقط كن معنا وافعل ما تشاء، حتى ولو قمت بالدفاع كمحامي، عن رئيس، هو في عرف الطائفة التي تتنطح للدفاع عنها طاغية ومستبد قد قام بفعل القتل والتشريد والابادة.

تحية لجوانا كركي التي لم تمانع من تقديم الاعتذار لكل من وقع ضحية الاجتزاء، وتحية لعائلتها التي تقف الى جانبها، وتمدها بقوة الثقة، ولعمري إنها قوة لا تضاهيها قوة.

السابق
تراجع قياسي بأسعار المحروقات.. كيف اصبحت؟
التالي
عشية رأس السنة.. بُشرى سارة للعسكريين!