تحرير الحسين من مجالس العزاء ومن ذكرى عاشوراء ومن واقعة كربلاء ومن الشّيعة

عاشوراء

توطئة وإهداء:

صاحب مشروع “تحرير المسيح”، على الرُّغم من تصاعد الشَّكاوى عليه، ودعاوى الحرم بحقِّه، واتِّهامه بالتَّجديف، وتجريده من صلاحيَّاته الكنسيَّة، شقَّ طريقًا في الفكر العربيّ باتِّجاه أخذه إلى فلسفة الدِّين والتَّاريخ والمجتمع. فإلى صاحب مشروع “تحرير المسيح من المسيحيِّين ومن الكنيسة ومن المسيحيِّة”، أهدي مقالي هذا، بعنوان “تحرير الحسين من مجالس العزاء ومن ذكرى عاشوراء ومن واقعة كربلاء ومن الشّيعة”، على اختلاف المقامات والسِّياقات والوجوه والأقمشة، وعلى الرُّغم ممَّا أثاره وما قد يثيره بعض ما في المقال من سوء فهم معمَّم أو مقصود، بهدف التَّضييق على هامش الفكر الَّذي تتنفَّسه الفلسفة ويتحيَّنه الدِّين في مجتمعاتنا المختنقة بحبائل الجهل المقدّس.

تحرير الحسين من مجالس العزاء

لم يُعرف من تاريخ إحياء شعائر عاشوراء سوى أنَّها كانت غالبًا تقام سرًّا وفي الخفاء. في لبنان تحديدًا، كان تاريخ طويل من التَّقيَّة لدى الشِّيعة في جبل لبنان بسبب التَّضييق والاضطهاد، ومنع العثمانيِّين إقامتها في العلن، فاقتُصرت غالبًا على البيوت في جبل عامل، وأقيمت مجالس العزاء بأشكال متقطِّعة في البقاع، إذ لم تعترف الدَّولة العثمانيَّة رسميًّا بالمذهب الشِّيعيّ، أسوة بالمذاهب الإسلاميَّة الباقية، ولا عاملت الشِّيعة بالطَّريقة نفسها الَّتي عاملت فيها المذاهب الأخرى كالنُّصيريَّة والدُّروز وغير المسلمين كالمسيحيِّين واليهود، والَّذين تمتَّعوا بامتيازات عديدة ضمِنها لهم نظام الملل العثمانيّ. ولم تحظَ أيُّ مجالس عزاء بتدوينٍ في العهد العثمانيّ، لا من الشِّيعة ولا غيرهم، وذلك في سبيل الحيطة ومنعًا للتَّعرُّض للملاحقة أو تعريض مَن يقوم بذلك للخطر. إذ كانت الشُّرطة العثمانيَّة تجول في الأزقَّة والأحياء خلال الأيَّام العشرة الأولى من شهر محرّم وتمارس قمعًا متنقِّلًا. ومن المؤكَّد اقتصار مجالس العزاء على البيوت، خوفًا وتحسُّبًا من السُّلطات الحاكمة، واقتصرت مدَّة الأربعين يومًا من الإحياء على التَّفجُّع وقراءة التَّعزية في أجواء من الأسى والحزن والنُّواح. واستلهم الشِّيعة من هذه الذِّكرى ما يجعلهم يصمدون في ظلِّ ظروف المنع والاضطهاد والحرمان.

اقرأ أيضاً: تاريخ النهضة في جبل عامل: ثورة السيد محسن الأمين لإصلاح شعائر عاشوراء(5)

وبدأت تظهر الأبعاد الثَّقافيَّة للإحياء، فباتت تنتشر بعض التَّقاليد الَّتي تدلُّ على الحزن كلبس الأسود وقراءة الوقائع الحزينة. وترجَّحت هذه التَّقاليد بين التَّعبير الممكن ضمن المجال الخاصّ وتضييق أجهزة الدَّولة الخِناق وعدم بروز تقاليد الإحياء في المجال العامّ. فاتَّشحت بالسَّواد البيوت دون الحارات، مع الامتناع عن إقامة الأفراح طوال أربعين يومًا من الحداد. وخلال الرُّبع الأخير من القرن التَّاسع عشر، انتشرت قراءة “الزِّيارة”، تليها قراءة “التَّعزية”، وهي عبارة عن مناجاة وجدانيَّة للأئمَّة. وترافِق إحياءَ اليوم العاشر في قرى الشِّيعة وبلداتهم مع عادة الامتناع عن الطَّعام والشَّراب طَوال هذا اليوم كعنوان لرفض منطق الظُّلم. ويذكر السَّيِّد محسن الأمين في سيرته أنَّ مجالس التَّعزية كانت تُقرأ في كتابٍ ضخم لمؤلِّفٍ بحرينيّ وكان المشاركون في هذه المجالس يدخِّنون ويتحادثون وهم يتحلَّقون بشكلٍ دائريّ حول الرَّاوي، وفي اليوم العاشر فقط كان ينتقل الرَّاوي الى قراءة المصرع الحسينيّ من كتاب أبي مِخنف وهو من مؤرِّخي الحقبة الإسلاميَّة الأولى. ثمّ يُتلى دعاء مخصَّص لزيارة قبر الإمام الحسين، ثمّ يتمُّ تقديم الطَّعام من الهريسة وتوزَّع على كلِّ الموجودين وعلى المنازل، تيمُّنًا بالسَّيِّدة زينب الَّتي أعدَّتها من القمح والدَّجاج واللُّحوم لإطعام الأولاد والنِّساء معها، وباتت عادة تقام في سوريا ولبنان والعراق في هذه الذِّكرى الحزينة.

ولكن، أصبحت مجالس العزاء بداية صناعة طارئة بعد العام 1880م.، حيث تمّ استبدال المصرع الحسينيّ لأبي مِخنف بالمصرع الحسينيّ لابن طاووس الَّذي عاد به الشَّيخ  موسى شرارة من العراق، وهو الَّذي أصبح يقيم مجالس أسبوعيَّة في بيته على مدار السَّنة، بعد بروز طعون بشكل متأخِّر ولغايات خاصَّة بروايات أبي مخنف على الرُّغم من اعتباره شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة. هذا وقد أورد المصرع الحسينيّ لابن طاووس وقائع متأخِّرة في الزَّمن، منتفخة بالعاطفة، محمَّلة بالأبعاد والمرامي عن قتل الحسين وقطع رأسه والتَّمثيل به.

ودخلت عادات اللَّطم في المجالس. وتذكر بعض التَّدوينات المتوافرة أنَّ المشاركين كانوا ينظِّمون أنفسهم، بشكل متقطِّع وبحسب ملاءمة الظُّروف، في سلسلة مواكب ثم يخرجون ويهزجون بأبيات قصيرة، وينتهي مسيرهم أمام المسجد. ويزدلف حول هذه المواكب طَوال مسيرها حشد على جانبَي الطَّريق  ويلتفت إليها كلُّ من يسمع أهازيجها أو أصوات الضَّربات الحزينة. وصولًا إلى اليوم الَّذي أصبحت تُنصب فيه الخيم، وتُقفل فيها مداخل المدن وتمتلئ السَّاحات ويتبارى الرَّدَّادون والمنشدون على استعادة ما ثبت وما لم يثبت من تفاصيل المصارع الحسينيَّة مع تلغيمها بأبعاد سياسيَّة واجتماعيَّة من صُلب الواقع القائم. هذه المجالس لا تروي سيرته ولا تستعيد مصرعه، بل كأنَّها تُحكم الخناق عليه وتحتكر النُّطق بلسانه؛ أفلا من يحرِّر الحسين من مجالس العزاء باسمه؟

تحرير الحسين من ذكرى عاشوراء

منذ مطلع القرن العشرين تقريبًا، قدِمت إلى النَّبطيَّة عائلات إيرانيَّة استفادت من طلب سماح خاصّ تقدَّم به القنصل الإيرانيّ في بيروت من الخارجيَّة العثمانيَّة في اسطنبول من أجل إحياء ذكرى عاشوراء للإيرانيِّين المقيمين فقط، ومنهم إبراهيم الميرزا. وانضمَّ إلى هذه المجالس بشكل مشترك وعلنيّ أهالي النَّبطيَّة، وأصبح العدد يتضاعف ابتداءً من العام 1919. في بلدة جبشيت كانت هذه الشَّعائر هي الأقوى تحت إشراف الشَّيخ  عبد الكريم الزَّين، وتقيمها بشكل أساسيّ المجموعات الإيرانيَّة المقيمة على خلاف كلِّ ما كان سائدًا في الجغرافيا المحليَّة وتاريخ المنطقة. فانتقل إحياء الشَّعيرة الحسينيَّة من داخل البيوت أو المساجد المحليَّة إلى السَّاحات والعلن مع نهاية القرن التَّاسع عشر.

يتحدَّث بعض المؤرِّخين بأن ذكرى عاشوراء الَّتي بدأت بإقامتها الجالية الإيرانيَّة في النَّبطيَّة إنَّما نشأت في إيران في العهود المتأخِّرة – في القرن السَّابع عشر ميلاديّ – ويذكر غيرهم أنَّ هذه الشَّعائر نشأت أيَّام بني بويه، وهناك وجهة نظر أخرى تقول إنَّ الشَّعائر، العنيفة منها بخاصَّة، قد انتقلت الى إيران من القوقاز منذ القرن السَّادس عشر ميلاديّ – نقلًا لما كان يفعله هناك بعض المسيحيِّين الشَّرقيِّين يوم الجمعة الحزينة، تفجُّعًا على آلام يسوع وصولًا إلى صَلبه. فكانت ذكرى عاشوراء صناعة بكائيَّة متكاملة، بأغراض سياسيَّة واجتماعيَّة محبوكة: في الأيَّام التِّسعة الأولى، كانت مواكب تُنظَّم من الكهول والشَّباب والأطفال كلّ على حدة، تجوب الشَّوارع الرَّئيسيَّة مساءً منادية الحسين، مع لطم الصُّدور العارية أحيانًا وضرب الظُّهور بسلاسل الحديد حتَّى احمرار البشرة أو ظهور الخدوش وجريان الدَّم، ثمَّ مجلس التَّعزية يتلوه قارىء شجيُّ الصَّوت، ورادود يهيِّج السَّامعين وينفضهم من بيوتهم. وفي اليوم العاشر، تُتلى في الصَّباح الباكر على الملأ قصَّة مصرع الإمام الحسين وأهله وصحبه في واقعة كربلاء بين البكاء والنَّحيب ولطم الخدود والجباه وحزِّ الجباه وجزّ الصُّدور، ثم يعلو الضَّجيج والصُّراخ والتَّكبير والتَّهليل عند مصرع الحسين، ويبدأ “الضَّاربون” من شيوخ وكهول وشباب وأطفال، ويُعدُّون بالمئات، بضرب رؤوسهم، على المكان المحلوق من فروتها، بآلات حادَّة – المدى أو السُّيوف – للمبالغة في إظهار الأسف والأسى والحزن على الحسين وفاجعته مع جميع أهله وصحبه من شهداء كربلاء الَّذين استُشهدوا بين يديه في سبيل إحقاق الحقّ ومقاومة الظُّلم ودفع الطُّغيان وتثبيت دعائم الدِّين.

وكان يتقدَّم موكب “الضَّاربين” الدَّمَّام والطَّبل، وقبل هذه الأيَّام كذلك – أي في الثَّلاثينيَّات وقبلها – كانت تنصب الخيم للحسين وأهله وصحبه في طرف من الميدان، حيث تقام عاشوراء في النَّبطيَّة، وتنصب الخيم الحمر للأمويِّين وعسكرهم في الطَّرف الآخر، وعند مصرع الحسين يهجم عسكر الأمويِّين على خيم الحسين فيحرقونها، ويسبون النِّساء والأطفال وفي طليعتهم السَّيِّدة زينب أخت الإمام الحسين الَّتي فقدت في معركة كربلاء أولادها الأربعة، والفتى المريض الإمام عليّ بن الحسين الملقَّب – بعد ذلك – بزين العابدين.

بالمقابل، يُذكر أنَّ بعض المتزعِّمين من العامَّة والمُنتفعين قد أخذوا بهذه المظاهر الطَّارئة لإحياء عاشوراء، وصولًا إلى ما نشهده اليوم، وبعض العلماء ورجال الدِّين حاربوها منذ البدء بجرأة وشدَّة أحيانًا، وبلطافة أحيانًا أخرى، وقد وقف السَّيِّد محسن الأمين، على سبيل المثال، وقفة جريئة من المظاهر الَّتي بدأت تنتشر مع مجموعات المقيمين الإيرانيِّين في ذكرى عاشوراء. كانت تقام عاشوراء في السَّيِّدة زينب في دمشق عند قدوم السَّيِّد محسن الأمين إليها رئيسَا دينيًّا للشِّيعة فيها. فما كان بأولى خطواته إلَّا أن قاطع عاشوراء في السَّيِّدة زينب، وقاطعها معه وجهاء الطَّائفة ونخبتُها في الشَّام. ولكنَّه لم يقعد مكتوف اليدين، بل أقام هو مع هذه الطَّبقة شعائر تقتصر، كما كان يحصل في الماضي في جبل عامل، على تلاوة قصَّة واقعة كربلاء، يتخلَّلها تلاوة مصرع الإمام الحسين وشهداء كربلاء مع شرح المعاني الَّتي ترمز إليها وتدلُّ عليها تلك الواقعة، والدُّروس والعبر الَّتي توحيها كربلاء. يقول السَّيِّد الأمين في هذا: “… هذا ولكنَّ كثيرًا من الذَّاكرين لمصابهم قد اختلقوا أحاديث في المصائب وغيرها لم يذكرها مؤرِّخ ولا مؤلِّف، ومسخوا بعض الأحاديث الصَّحيحة وزادوا ونقَّصوا فيها لما يرونه من تأثيرها في نفوس المستمعين الجاهلين صحَّة الأخبار وسقمها حتَّى حفظت على الألسن وأودعت في المجاميع واشتُهرت بين النَّاس، ولا رادع، وهي من الأكاذيب الَّتي تغضبهم (ع)، وتفتح باب القدح للقادح، فإنَّهم لا يرضون بالكذب الَّذي لا يرضي الله ورسوله، وقد قالوا لشيعتهم: كونوا زينًا لنا ولا تكونوا شيئًا علينا. فإنَّ الله لا يطاع من حيث يُعصى ولا يتقبَّل الله إلَّا من المتَّقين، والكذب من كبائر الذُّنوب الموبقة لا سيَّما إن كان على النَّبيّ وأهل بيته الطَّاهرين”.

كلُّ ذلك يجعلنا أقرب إلى الدَّعوة الملحَّة إلى تحرير الحسين من ذكرى امتلأت بالقدح والقبح، وطغت عليها مظاهر الشِّين الَّذي لم يرضَ به.

تحرير الحسين من واقعة كربلاء

إنَّ كلَّ ما قامت عليه واقعة كربلاء هو أنَّ الحسين قد اختار لنفسه ما اختاره الله له من السَّعادة بالشَّهادة تجاه المحاماة عن الدِّين… أمر يدحضه كثيرون، ومنهم الشَّيخ  عبدالله العلايلي. ففي فهم النِّظام السِّياسيّ السَّائد، من شتَّى النَّواحي الإداريَّة والحكوميَّة والقضائيَّة، لم يكن حكم الخلفاء الرَّاشدين بدءًا بأبي بكر وصولًا إلى استخلاف الحسن واستبعاده، في حال استقرار حقيقيَّة في حدود أقاليم متجاورة وشعوب مؤتلفة، بل لم تقم الدَّولة بمعناها السُّكونيّ والتَّنظيميّ إلَّا مع الأمويِّين. وعليه، فالتَّنظيم الكامل لخلافة الحسين، لم يكن لينقطع ويعاد وصله، على ما ذهب إلى استنتاجه الشَّيخ  العلايلي. 

وكما كان الإمام عليّ صاحب عقليَّة قضائيَّة نظاميَّة مستفيدًا من كلِّ ما مرَّ بالحكم العربيّ والإسلاميّ من أشكال، فإن الحسين كان فعلًا داعية إصلاح وطموح، ولكن بلا توسُّع ولا توسُّلٍ للسلطة، فلم يكن مسعاه نهجًا إلهيًّا مقرَّرًا ولا مسارًا محكومًا. وكربلاء لا أكثر من محطَّة خيانة، خيانة أهل الكوفة للحسين وأبنائه المظلومين، ومحطَّة نكث بالوعود والعهود في لحظة اضطرام الطُّموح على الحكم والاستحواذ بالسُّلطة. ومن الخيانة، والنَّكث، والظُّلم… يجب أيضًا تحرير الحسين!

تحرير الحسين من الشِّيعة

يجب تحرير الحسين بطفولته السَّامية… فتى الغار الَّذي انتظم مجدًا إلى مجد، وتولَّد بين أماسي شعبان همسًا على همس بين حنايا فاطمة، كما يصفه برهافة الشيخ العلايلي. يجب تحرير طفولة الحسين الَّذي، ككلِّ بني هاشم، مال إلى الشُّؤون الدِّينيَّة ومرافقة مناسك الحجّ، وتولَّى أعمالها بين أيدي النَّاس، فتذكَّى شعور اللَّون التَّألهيّ في ضميره وروحه، ولكنَّه لم يسعَ لتسويغ نظام حكم يرفعه الشِّيعة باسمه من بعده في إيران أو العراق أو لبنان أو البحرين أو اليمن… لكأنَّ الحسين ماركة تجاريَّة بمتمِّمات تسويقيَّة لا تبدأ بمجالس العزاء ولا تنتهي بمعاني طارئة على ذكرى عاشوراء وواقعة كربلاء.

بل إنّ الحسين لم يرد طموحًا في الحكم بالقدر الَّذي شعر بالضُّغوط الهائلة النَّاجمة عن صراعات الحكم وتوسُّل السُّلطة في محيطه: هو الَّذي رُزِئ بأمه في التَّاسعة من عمره وأحسَّ بعظيم وقعه، ثمَّ شهد أباه عليّ قد أقام أمدًا ليس بقصير على خلاف مع أبي بكر فانقلب طفلًا مغيظًا مخنقًا مأخوذًا بسياسة العنف والشِّدَّة، وصولًا إلى خلافة عمر ورواية إقصائه عن منبر أبيه، في حين كان على ما يقول الشَّيخ  العلايلي في هذه الفترة “يقع بين عبث الطُّفولة وجدِّ القلب”.

وفي عهد عثمان، حيث تشبّعت روح الحسين بالحقّ وقضايا العدالة والواجب أكثر من طموح السُّلطة، فقد كان بيته في جوف المسجد، ناسكًا في الحكم، مؤثرًا هيكل النَّفس المحجَّب. فكان ضدَّ غشِّ الجمهور، ولكنَّه لم يقاطع إجراءات الحكومة القائمة بل مضى إلى التَّضحية في سبيل مجد الدَّولة. يضيف العلايلي عنه، على عكس ما يعمِّمه الشِّيعة اليوم بشأنه: “كان الحسين يتناسى الحفائظ في سبيل الخدمة العامَّة الَّتي هي فوق كلِّ الاعتبارات وأقدس من كلِّ شيء آخر، ما يبرِّر إخلاء الحزب المحافظ الطَّريق وقتئذٍ. وكانت الحركة الَّتي أذكاها الحسين بوجه يَزيد منذ اندلاع وأُفول الفتنة في عهد عثمان، تليها حركة الإصلاح في عهد أبيه والتَّطهير الَّذي يتطلّبه الوضع الجديد إزاء قبليَّة المزاج في جيش عليّ وشيعته وما أفسدته الحزبيَّة بينهم، جميعها عوامل تؤول إلى اعتبار الحسين، مسألة الحكم، أكانت راشديَّة، أم بيد الحسن قبل تخلِّيه عنها، أم بيده وهو مقبل عليها، خدمةً لقضايا الشَّأن العام لا إرادة إلهيَّة تُسفك في سبيلها الدِّماء. أفلا يتحرَّر الشِّيعة فيحرِّرون الحسين منهم أيضًا ويحرّرون مجتمعاتهم من شُبهة الحكم الإلهيّ؟

السابق
هل لـ«حزب الله» مصلحة في تعطيل تسليم المعتدين على «يونيفيل»؟
التالي
ماكرون «أَحْضر» لبنان إلى «بغداد 2» والأمم المتحدة «تراقب» التحقيق بمقتل الجندي الايرلندي