ما هي إمكانات نجاح الانتفاضة الشّعبية وسقوط النظام الإيراني وكيف تتأثّر المنطقة؟

ايران

يواجه النظام الإيراني أصعب تحدياته اليوم، مع استمرار الانتفاضة الشعبية الداخلية الآخذة بالتوسع في أرجاء الجمهورية الإسلامية، رغم أخذ خطوات تصعيدية وإرضائية في وقت واحد. من ناحية تستمر عمليات قمع التظاهرات السلمية وارتفاع عدد القتلى، وقد أضاف إليها النظام إجراء إعدام المتظاهرين الذين يُقبض عليهم. أما من جانب آخر، فقد سرّب للإعلام قرار السلطات إلغاء شرطة الأخلاق التي كانت سبب انطلاق الحوادث قبل ثلاثة أشهر، نتيجة وفاة إحدى المعتقلات في ظروف غامضة لعدم ارتدائها الحجاب ارتداءً صحيحاً. كما تتحدث بعض الجهات الرسمية عن أن القيادة الإيرانية تجري مراجعة لقانون الحجاب.  

لكن لا يبدو أن هذه الخطوات بشقيها حققت أهدافها، إذ إن التقارير لا تزال تتوافد من المدن الإيرانية عن استمرار عمليات الاحتجاج التي تأخذ مظاهر عدة، من تظاهرات لطلاب الجامعات إلى إضرابات لقطاعات مختلفة إلى سد طرق بحشود كبيرة من السيارات التي تتجمع فجأةً في مكان واحد بطريقة منسقة توحي بوجود عمليات تخطيط وتواصل بين الجهات المنظمة مع أعداد كبيرة من المواطنين. هذا بحد ذاته يكشف أن هناك مجموعات باتت تقود هذه التحركات وتنظمها وتحشد الجماهير لها بطرق مختلفة، لا يبدو أن النظام تمكن حتى الآن من قطعها.

اقرأ أيضاً: إيران: شرط «الأخلاق» بعد إلغاء شرطت

هناك سؤال يتردد اليوم من قبل العديد من الناس: هل يمكن أن تؤدي هذه التحركات إلى سقوط النظام؟ الجواب هو نعم. فيكفي أن نرصد طريقة تعامل النظام معها لإدراك حجم الخطر الذي يشعر به من تطورها واستمرارها. فالأنظمة الشمولية العقائدية لا تستطيع التعامل مع أي تحد داخلي لسلطتها ولعقيدتها، لأن ذلك يؤدي إلى تبعات لا نهاية لها تؤدي في نهاية المطاف إلى سقوطها. فإذا ما قام النظام الإسلامي الإيراني بإلغاء فرض الحجاب، فهذا سيؤدي لإعطاء المرأة حرية ارتداء ما تريد، وستلي ذلك المطالبة بحريات إضافية تفرغ النظام الإسلامي من مضمونه وتضعف سلطة الملالي التي تهيمن على السلطة منذ الثورة الإسلامية. وبحسب مجريات الأمور في الشارع اليوم، يبدو أن هدف المنتفضين هو إسقاط النظام. 

السؤال الآخر الذي يطرح نفسه هو: هل ستكون عملية إسقاط النظام سريعة وسهلة؟ الجواب هو طبعاً لا. فهذا النظام سيكون في مستوى شراسة النظام السوري في الدفاع عن نفسه، وهو يقوم بالتصعيد المتدرج في عملية قمع الحشود. لكن الفرق عن سوريا هو مساحة إيران الكبيرة وعدد السكان وتنوع الإثنيات والثقافات، ما يجعلها هشة وقابلة للتفكك في حال الإفراط في استخدام القوة. هذا سيؤدي إلى حالات إرباك في صفوف القيادات الإيرانية وانقسامات في الرأي والتكتيكات. يجب توقع رؤية مجموعات الباسيج والحرس الثوري تلجأ لأساليب وتكتيكات مختلفة خلال الفترة المقبلة، في محاولة لوقف هذه الانتفاضة. وسيزداد حجم ارتباك النظام ويظهر ضعفه مع فشل كل محاولة لوقف التظاهرات والاحتجاجات الشعبية. فإذا ما انكسر حاجز الخوف فعلاً عند غالبية المنتفضين، فإن هذا الحراك سيتحول إلى ثورة في كل معنى الكلمة. 

وإلى من يسأل: متى يمكن أن يسقط النظام؟ عليه أن يراجع الحوادث التي أدت إلى انتصار الثورة الإسلامية التي أسقطت شاه إيران وأوصلت آية الله الخميني إلى الحكم عام 1979. فالتحركات الشعبية استمرت لأكثر من عام، وحينها لم يصدق أو يتوقع معظم المراقبين والخبراء، ومن ضمنهم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، أن شاه إيران يمكن أن يسقط. إلا أنه سقط وكان حينها الطلاب والطبقة الوسطى والنساء في طليعة الحراك الشعبي، كما هي الحال اليوم. وعليه، فهذا الحراك سيأخذ مجراه ما دام هناك إرادة صلبة لدى المواطنين لإسقاط النظام مهما بلغت التضحيات. لكن المشهد قد يكون هذه المرة أكثر دموية من الثورة الإسلامية. 

التساؤل الذي يطرح في الدول التي ينتشر فيها نفوذ الثورة الإسلامية، وتحديداً لبنان والعراق وسوريا، ماذا ستكون تبعات سقوط نظام الجمهورية الإسلامية في طهران؟ العراق حيث الشيعة هم الأكثرية ستعود فيه النجف لتكون مركز الثقل للشيعة في المنطقة من دون أي منازع أو تحد ممن يؤيدون نظرية الولي الفقيه. هذا سيخفف من الضغوط الإيرانية التي تتسبب بانقسام سياسي داخلي بين الأحزاب الشيعية، ويؤدي إلى استقرار سياسي أكبر. أما في سوريا، فإن النظام السوري سيفقد أهم ممول وداعم له إلى جانب روسيا، وقد يدفع بالنظام السوري لإظهار ليونة أكبر اتجاه مساعي الأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي للأزمة فيه. لكن هناك عوامل أخرى ولاعبين آخرين على الساحة السورية ستبقى مؤثرة في مجريات الأمور هناك. وتوقف محاولات إرسال أسلحة متطورة من إيران إلى سوريا ستؤدي إلى وقف الغارات الإسرائيلية على سوريا. 

ستتجه الأنظار فوراً نحو “حزب الله” في حال سقوط النظام الإيراني. فهو يمثل أهم إنجازات تصدير الثورة الإسلامية، إذ أسس دويلة متكاملة على شكل الجمهورية الإسلامية الإيرانية داخل مناطق نفوذه في لبنان، وعقيدته مبنية على التبعية للولي الفقيه. لن يكون التغيير سهلاً على الحزب، ولا يعني سقوط النظام انهياراً فورياً لـ”حزب الله”. فهو حزب منظم ومنتشر داخل مؤسسات الدولة اللبنانية. لكن الحزب سيجد نفسه مضطراً لإعادة النظر في عقيدته وسياساته لتتماشى مع المرحلة الجديدة والمحافظة على مكتسباته، ومن الصعب تحديد شكل هذا التغيير مسبقاً الذي سيطال قاعدته الشعبية بشكل أسرع. ويمكن القول إن هذه القاعدة الشعبية ستصبح أقل تأثراً بثقافة الثورة الإسلامية وأقرب للعودة لثقافتها اللبنانية.  

لكن ماذا يعني سقوط النظام الإيراني إذا ما حصل؟ هل يعني ذلك أن النظام الذي سيخلفه سيتبنى سياسات أفضل نحو جيرانه العرب ويعود حليفاً للغرب كما كان أيام الشاه؟ لا أحد يعلم فعلاً ماذا سيحصل وكيف ستتطور الأمور، وإن كان التغيير في إيران سيكون نعمة أم نقمة لجيرانها. فللتذكير فقط، معظم الدول العربية والخليجية تحديداً اعتقدت أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستكون علاقتها أفضل معها مما كانت عليه أيام الشاه، لكنها اكتشفت عكس ذلك. لذلك، يجب المراقبة والمتابعة بتأن وعدم المبالغة في التحليلات والتنبؤات وتوقع أي شيء، حتى إمكان صمود النظام لفترة طويلة.   

السابق
ميقاتي يلتقي الرئيس الصيني: لبنان يتطلّع إلى المزيد من الاستثمارات الصينيّة
التالي
خاص «جنوبية»: الانتخابات البلدية.. السلطويون «حائرون» والتغيريون “مصرون”!