الحجاب يُسقط «شرطة الأخلاق».. وإيران تبدأ رحلة البحث عن هويتها الجديدة!

ايران
عندما انتصرت ثورة الامام الخميني عام 1979، تحوَّل النظام في إيران الى اسلامي خالص، بعد اقصاء القيادات الوطنية غير الإسلامية التي شاركت في الثورة، وتحوَّل الحجاب إلى رمز صريح للثورة باعتباره هوية رسمية للدولة.

في الأيام الأولى للثورة، صدر قانون طالب النساء بتغطية رؤوسهن، وارتداء معاطف طويلة فضفاضة في الأماكن العامة عام 1983، وباتت النساء مُجبرات على ارتداء الحجاب في الاماكن العامة، وإلا انطبقت عليهن عقوبات تراوحت من الغرامة وحتى السجن والجلد على أيدي “شرطة الأخلاق”.

الحجاب رمز الثورة

ولأن الحجاب أصبح رمزا للثورة الايرانية، تتباهى بتطبيقه أجهزة النظام التربوية والاعلامية، فقد سعت لتصديره الى الخارج، ضمن شعار مبدأ تصدير الثورة الذي رفعه الامام الخميني، فقد نجحت بمسعاها ابتداء من ثمانينات القرن الماضي، لتعم موجة تحجيب الفتيات في العالم العربي والاسلامي بشكل واسع، وهو ما عرف بالصحوة الاسلامية، فطغى اجتماعيا حجاب النساء على السافرات عنوانا لالتزامهن الديني، كما التزم الرجال باطلاق اللحى والتردد للمساجد والانخراط في الحلقات والاحزاب الدينية.

وبموجب قانون الحجاب، تخضع “شرطة الاخلاق” في إيران جميع نساء البلاد للمراقبة، فيجوب أفرادها شوارع المدينة بمركباتهم، ويتمتعون بسلطة إيقاف النساء وتفحص ملابسهن، وشعورهن، وطول البنطال الذي ترتديه المرأة ومعطفها، وفحص كمية مساحيق التجميل التي تضعها على وجهها، كي لا تظهر انها متبرجة.

بموجب قانون الحجاب، تخضع “شرطة الاخلاق” في إيران جميع نساء البلاد للمراقبة، ويتمتعون بسلطة إيقاف النساء وتفحص ملابسهن

وتشمل عقوبة الإمساك بالمرأة وهي سافرة الشعر دون غطاء رأس، القبض أو الاحتجاز أو الحكم بالسجن أو الجلد أو دفع الغرامة ، وحتى عندما تغطي المرأة شعرها بغطاء الرأس، يمكن أن تعتبر مقصِّرة في الانصياع لقوانين الحجاب القسري، إذا ما ظهرت بعض خصل شعرها، على سبيل المثال، أو ارتؤي أن ملابسها تزدهي بالألوان أو ضيقة أكثر مما يجب. وهناك ما لا يحصى من القصص التي تروي كيف تقوم “شرطة الاخلاق” بصفع النساء على وجوههن، وبضربهن بالهراوات، وإلقائهن في عربات الشرطة بسبب طريقة لبسهن.

الغاء شرطة الاخلاق

و بعد أكثر من أربعة عقود على فرض قانون الحجاب، والتشدد فيه ليتحوّل مكونا اساسيا من مكونات الهوية الايرانية ، أعلن المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري إلغاء “شرطة الأخلاق” مبدئيا من قبل السلطات المختصة، في الوقت الذي أعلن فيه البرلمان والمجلس الأعلى للثورة، نيتهما بحث مسألة الحجاب واتخاذ قرار بشأنها خلال أسبوعين، وذلك على خلفية الاحتجاجات التي أثارتها حادثة مقتل الشابة مهسا أميني قبل اكثر من شهرين، وهذا القرار برأي خبراء سيكون له تداعيات خطيرة، لأنه علامة ضعف سيستغلها الشارع الايراني الذي نجح في كسر هيبة النظام الديني المتشدّد.

وقد سبق هذا القرار ظهور واقع جديد في العاصمة طهران طيلة الاسبوع الفائت، تمثّل بخروج آلاف الفتيات غير المحجبات الى الشوارع والاماكن العامة ومراكز عملهن، دون اعتمار أي غطاء لرؤوسهن ولو حتى بشكل رمزي كما كنّ يفعلن سابقا خوفا من شرطة الاخلاق، فارضين بذلك قانونهن الخاص على النظام عنوانه “حريّة نزع الحجاب”!

قرار الغاء شرطة الاخلاق سيكون له ما بعده حتما، فعجلة الاصلاحات ومطالبة النظام بمزيد من الحريات

وعلى ضوء هذا الانتصار المبين لانتفاضة المرأة في ايران، وسعيها نحو الحريّة كما يسميه الغربيون، سجّل المراقبون ملاحظات رئيسية على هامشها أبرزها ان قرار الغاء شرطة الاخلاق سيكون له ما بعده حتما، فعجلة الاصلاحات ومطالبة النظام بمزيد من الحريات لن تتوقف حتى الوصول الى عقد اجتماعي سياسي جديد بين الدولة وشعبها. وكذلك كان لافتا نجاح المحتجين الذين خرجوا عزّلا من السلاح دون قيادة موحّدة بالصمود رغم استخدام العنف في كثير من الاحيان واعتراف السلطات بمقتل اكثر من 300 محتجا واعتقال الآلاف.

كما عجز الباسيج والحرس الثوري عن قمع الاحتجاجات، حتى ان بعض التقارير تحدثت عن انهيار الباسيج في العديد من المناطق والمدن بسبب الانقسامات التي وقعت بين صفوف افراده، بعد ان ظهروا انهم قلة خائفة من الجمهور الكثيف المعترض.

وأيضاً بالمقابل، يثبت انصياع النظام لمطالب المحتجين بالغاء “شرطة الاخلاق”، مع خفوت القمع أخيرا وعدم تعرّض اجهزة الامن للمتظاهرين وللناشطات المجاهرات بنزع الحجاب، كشف ذلك ان جناحا من الاصلاحيين المعتدلين داخل النظام ما زال غير معروف، بدأ يأخذ المبادرة وأصبح له الكلمة الاولى في ادارة الأزمة.

فهل هناك سباق بين أجنحة نظام ولاية الفقيه للسعي كي يتم الاصلاح والتغيير من الداخل، فلا تتفاقم الاحتجاجات ويضطر النظام للانصياع والخضوع لمطالب المحتجين بضغط من الشارع؟ وهل طفا المعتدلون الايرانيون في السلطة على السطح لينقذوا ما تبقى من هيبة النظام الديني، التي كسرتها احتجاجات المرأة الثائرة بعد ناصرها غالبية الشعب اذي سئم من سلطة رجال الدين وبدأ البحث عن هوية إيران الجديدة؟

رفعن الحجاب تماما في بعض مناطق طهران بعد انتشار اخبار الغاء گشت ارشاد
السابق
خاص «جنوببة»: ينتهى عهد عون وتبقى «غادته».. وجنبلاط يقاضيها بالتزامن مع فتحها ملفاً مالياً!
التالي
تجار الوكالات الحصرية يتحكمون برفع الأسعار و«تقنينها» جنوباً