حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: تصدع جدار القداسة.. من طهران الى بيروت

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تتوالى اخبار الانتفاضة الايرانية المباركة، وتحفر عميقا في الاجتماع السياسي الايراني، لتعيد تشكيل نظام القيم السائدة داخل ايران من جهة اولى، و لتحدث تداعيات متناسلة في عوالم تشيع المشرق العربي من جهة ثانية.

اقرا ايضا: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: الحرب أولها كلام.. وأواخرها أوهام

وبمعزل عن رغبات الاطراف والدول التي تصارع نظام طهران، حول مصالح اقتصادية وادوار اقليمية، او عن توجهات الجماعات المناهضة لنظام ولاية الفقيه، من منطلقات متفاوتة، تارة إنطلاقا من ابعاد طائفية ومذهبية، وتارة اخرى من خلفيات مواجهة تمدد ايران وممارستها النفوذ والهيمنة على دول المشرق العربي، وطورا بسبب كون نظام خامنئي نسخة اخرى من انظمة الاسلام السياسي والحكم زعما، بإسم تكليف الهي، مضى على رواج نموذجه وسيران حكمه، مئات السنين، بمعزل عن اختلاف مواقف كل هؤلاء، تتبدى في مواقفهم صورة جامعة موحدة، تطلق سؤالا يتيما ومنفردا ؛ هل ستنجح ثورة الحجاب في ايران باسقاط النظام؟

هل ستنجح ثورة الحجاب في ايران باسقاط النظام؟


السؤال هذا يعفي طارحيه، اولا من متابعة وفهم الاحداث الايرانية بكل تشعباتها وابعادها، واذا ما اقترن بتقدير موقف يفترض قدرة النظام على البقاء والاستمرار، فانه يؤدي بالملموس والواقع، لاعفاء كل هذه الاطراف على مختلف مشاربها، من اتخاذ مواقف تدعم الثورة الايرانية الجديدة، وتتخفف من ادانة الجرائم المرتكبة بحق المدنيين والنساء والشباب في مدن ايران كافة، وفي جامعاتها و في تجمعات اقلياتها العرقية والدينية.العالم مرة اخرى يصم اذانه ويغمض اعينه عن جرائم موصوفة، يرتكبها استبداد ديني وأمني سافر، بحق مدنيين عزل، انه نموذج آخر لدناءة اخلاقية ارتكبتها دول العالم سابقا في سورية.

لثورة الايرانية الحالية مختلفة عن سابقاتها بالقضية التي تتبناها اولا مختلفة بالشعارات التي ترفعها ثانيا وظروفها السياسية التي تحدد مسار احداثها مختلفة ثالثا!


ويعود انكفاء العالم دولا وجماعات وصناع رأي ونخب فكرية، عن انخراط علني وفعلي في الدفاع عن ثورة الحرية و الحجاب والنساء في ايران الى ذاكرة العالم عن انتفاضتين ماضيتين في بلاد فارس، استطاع النظام اخماد احداثها وقمع فعالياتها، الانتفاضة الاولى هي “الثورة الخضراء” التي اندلعت في سنة ٢٠٠٩ والتي قادها مير حسين الموسوي ومهدي كروبي، وتعاطف معها الرئيس السابق محمد خاتمي، وقد اندلعت احداثها، اثر تزوير الانتخابات الرئاسية وتنصيب احمد نجاد رئيسا للجمهورية الاسلامية، تحت شعار ” اين ذهبت اصواتنا” اما الانتفاضة الثانية فقد حدثت في اواخر سنة ٢٠١٧ وبداية سنة ٢٠١٨، على خلفيات فشل الاجراءات الاقتصادية لمواجهة تفاقم ازمة البطالة، وتصاعد معدلات الفقر، ابان الولاية الثانية للرئيس الايراني حسن روحاني، ونتيجة ازمة السياسة الاسكانية وافلاس صندوق المشاريع الاسكانية وضياع اموال وودائع المساهمين في تمويلها. وقد بدأت في مدينة مشهد وحملت عناوين اقتصادية، لكنها امتدت أفقيًّا إلى مدن أخرى ورفعت شعارات تجاوزت ما تصفه السلطات الإيرانية بـ”الخطوط الحمراء”، من مثل هتافات : “لا غزة ولا لبنان، روحي فدى ايران.
الثورة الايرانية الحالية مختلفة عن سابقاتها بالقضية التي تتبناها اولا، مختلفة بالشعارات التي ترفعها ثانيا، و ظروفها السياسية التي تحدد مسار احداثها مختلفة ثالثا!!
القضية المختلفة في ثورة ايران هي ان النساء يواجهن زعم النظام، بانه يحكم من خلال تكليف الهي، وان الله كلف رجال الدين بتطبيق الشرع الاسلامي، وان هذا الشرع يفرض الحجاب!

امتدت أفقيًّا إلى مدن أخرى ورفعت شعارات تجاوزت ما تصفه السلطات الإيرانية بـ”الخطوط الحمراء” من مثل هتافات : “لا غزة ولا لبنان روحي فدى ايران.


لذلك إن نزع الحجاب واشهار قص شعر الرأس، كما اسقاط عمائم رجال الدين في الشوارع ؛ فيه لاءات متداخلة متكاملة، الرفض الاول ان النظام ليس لديه تكليف الهي ليحكم، الرفض الثاني، ان الحكم ليس للشريعة الاسلامية، وبالتالي لايصح فرض الالتزام بالحجاب اكراها، الرفض الثالث ان السلطة لتسيير شؤون البلاد لا يقبل ان يتولاها رجال الدين.
الرفض المثلث الاضلاع هذا، يصدع سلطة المرشد ونظام ولاية الفقيه بكل ابعادها، ويظهر عالم قيم جديد تتبناه اجيال ايرانية شابة من النساء والرجال، وهي اجيال ولدت بعد ثورة الخميني سنة ١٩٧٩، وتربت في كنف مؤسسات الولي الفقيه، وتعلمت في مدارسه وجامعاته، وعاشت في مجتمع اداره بكل تفاصيله رجال دين، يحددون ما هو واجب او مستحب، ويحرمون ما هو حرام او مكروه، ويؤطرون بالأمن والوظائف والمال والاعلام والقانون والقضاء والمساجد، على مدى ثلاثة واربعين سنة مضت، الاجيال هذه التي تعرضت لحملات ضخ عقائدي وايديولوجي مكثفة، تريد الانفتاح على العالم المعاصر وتتبنى قيمه، وتتمتع بفنونه وتطرب لموسيقاه، و تسعى لتعلم ادواته المعرفية، والى الانخراط بتوجهاته الفكرية، وتتلاقح بثقافتها مع ثقافته ونمط عيشه، في المأكل والمشرب والملبس، وكل ميادين الحياة في الواقع والاحلام.
لا حدود لعمق التغيير الذي يحدث في ايران، ليس ببعده السياسي واستدامة الامساك بالسلطة، وهو بعد تتحكم فيه موازين القوة التي تستند للقدرة على التنظيم والتمويل، والنزعة للبطش والارهاب واستعمال العنف السافر، بل ببعد آخر وهو ان التغيير يحدث في الوعي والفكر والثقافة، ولذلك فهو عميق ودائم فقد سُجلت حتى الآن مظاهرات وانتفاضات على مستوى البلاد، في أكثر من 252 مدينة وشهدت سقوط 660 شهيدا واعتقال 30 ألف ناشط. وتظهر جذرية الثورة في طبيعة الشعارات التي ترفع في الساحات من المطالبة “باسقاط المرشد” الى وصف النظام ب قاتل الاطفال، او الشعار: “الحرية.. الحرية”، و”المرأة والحياة والحرية”، و”الموت لخامنئي”.
يحدث هذا التحول في الوعي والقيم السائدة، في ظروف البحث عن خلافة المرشد الخامنئي الذي يريد ان يتولى ابنه مجتبى الحكم من بعده، وتبدو مسألة التوريث السياسي في ايران مسألة مستهجنة معقدة وغير مسبوقة في تاريخ المرجعيات الدينية الشيعية، فالمرجع الشيعي صفتاه العلمية والعدالة، وهذه صفات لا يورثها الاب لابنه، بل يقررها المقلدون واساتذة الحوزات الدينية وكبار مجتهديها، وفي هذه النقطة يتقاطع عمق التغيير في الوعي مع ازمة الانتقال في اعلى هرم السلطة الدينية.

القضية المختلفة في ثورة ايران هي ان النساء يواجهن زعم النظام بانه يحكم من خلال تكليف الهي وان الله كلف رجال الدين بتطبيق الشرع الاسلامي وان هذا الشرع يفرض الحجاب!

يضاف الى ماتقدم ازمة الاقليات العرقية التي فجرتها اثنية مهسا أميني كامرأة كردية، والتي سلطت الضوء على واقع الظلم الذي يتعرض له، كل من عرب الاحواز والبلوش والاكراد وحتى الاذر في الجمهورية الاسلامية.
مع فشل العودة الى الاتفاق النووي الايراني مع الغرب، وانكشاف حجم انتهاكات حقوق الانسان والممارسات القمعية في ايران، والتي ادانها المجلس العالمي لحقوق الانسان في جلسته منذ اكثر من اسبوع.
قد لا يكون اسقاط نظام ايران وشيكا، لكن جدار قداسته قد تصدع وتداعى، فهل تكون المعضلة الفقهية والسياسية في توريث الفقيه لابنه المرجعية الدينية ومقاليد الولاية، سببا لتغيير المعادلات الايرانية وانقلابها.
في ظل هذا الحدث ما تداعيات ذلك في العراق وسورية ولبنان؟!

السابق
غانا تقهر كوريا في المونديال!
التالي
حادث سير مروّع يخطف حياة لين.. وإصابة زميلتيها بجروح!