الناس تشتري المياه تحت المطر.. من يستفيد من السدود؟!

سد القرعون

مع كل مطلع شتاء يتكرر المشهد. ويتحول لبنان الى “حمام مقطوعه مايتو”! واقع مؤلم وحزين. وأزمة معيشية أساسية من ضمن سلسلة أزمات لا تنتهي في جهنم.. لا مياه في المنازل في حين أن الناس تغرق على الطرقات في أول شتوة. ما يفضح تقصير دولة “متعودة… دايماً” على عدم تنظيف المجاري فيها. وهو ما يجبر الناس على شراء المياه لحاجات منازلها تحت المطر.
وحتى عند توفر المياه، فإن مافيا المياه حريصة على قطع المياه عن الناس، وتوفير خدمة غالية لأصحاب الصهاريج لسرقة المواطنين!

يحتاج لبنان الى تجميع المياه، وبخاصة مياه الشتاء وذوبان الثلوج، في البرك وفي السدود التي تم إنشاؤها. لكن فساد السلطة “شيطن” السدود التي تحتاجها الناس. فهذا الفساد وسوء الإدارة والإهمال لسلطة تعاني من أكبر “تلوث سياسي” في تاريخ البشرية مسؤول عن إنشاء سدود “ما بتجمع ماي” ك” سد المسيلحة الأخير أو سد بريصا.

مافيا المياه حريصة على قطع المياه عن الناس وتوفير خدمة غالية لأصحاب الصهاريج لسرقة المواطنين


لكن في الحقيقة، لا يمكن إنكار أن سد القرعون (220 مليون متر مكعب)، على سبيل المثال، هو مثال ناجح جداً لمنشآت ممتازة في زمن “الدولة”، وللسدود التي يحتاجها لبنان، قبل أن تُدار إليه كل مجارير البقاع، وقبل أن تُهدر مليار ونصف المليار دولار من الفشل والفساد، في عدم إنشاء محطات تعمل للصرف الصحي والمياه المبتذلة، ما حوله الى بركة للمياه الآثنة! وها هو سد شبروح (7 -8 مليون متر مكعب) أيضاً مثال جيد يؤمن حاجات مناطق عدة، في حين تدرس بلديات المنطقة مشاريع سياحية كارثية حوله، ستلوثه مباشرة، وستلوث الينابيع التي تقوم بتغذيته.

لا يمكن إنكار أن سد القرعون (220 مليون متر مكعب) على سبيل المثال هو مثال ناجح جداً لمنشآت ممتازة في زمن “الدولة” وللسدود التي يحتاجها لبنا


وما يجهله معظم اللبنانيين أن مياه لبنان من سد العاصي، لا يستفيد منها لبنان، بل تستفيد منها سوريا في سد الرستن (250 مليون متر مكعب)، أي أكبر ب 30 مليون متر مكعب من سد القرعون. وهو سد ناجح جداً في مدينة الرستن في محافظة حمص، تستفيد منه سوريا في الري والزرع وتوليد الطاقة و”استزراع” الأسماك!
ويجهل اللبنانيون اليوم واقع سد جنة وسد بقعاتا وسد بلعا، والتي كان من المفترض أن تكون انتهت منذ زمن طويل. أما سد بسري، فقد قدمت القوات اللبنانية مشروعاً لتحويله مع المنطقة الى محمية طبيعية. يملك لبنان طبيعياً حوالى 2000 جدول للمياه، يمكن الافادة منها في تجميع المياه، كما في توليد الطاقة الأكثر نظافة!

ما يجهله معظم اللبنانيين أن مياه لبنان من سد العاصي، لا يستفيد منها لبنان بل تستفيد منها سوريا في سد الرستن

إما نقاش مسألة إنشاء السدود في لبنان مشروع، فالبعض يتخوف من تعرض السدود لمخاطر زلزالية. وهذه مسألة هندسية يجب التأكد منها وأخذ الحيطة لها. لكن المنشآت في العالم قادرة على التكيف هندسياً مع أي واقع زلزالي.
وبالتأكيد، فإن القاعدة الأساسية لإنشاء السدود هي إجراء دراسة أثر بيئي “جدية”، غير مبنية على “مسايرة” مصالح “تجار الفساد” والمتعهدين، وهذا ما لا يحدث في لبنان. وبعكس ما يحدث في لبنان، فإن المتعارف عليه عالمياً، كما في سد أسوان في مصر، فإن محيط السدود هي أكثر المناطق التي تزداد فيها المساحات الخضراء!

إن الحلول كثيرة في أزمة المياه. وهي تبدأ بصيانة الإمدادات لمنع التسرب والهدر، كما يمكن الإفادة من إنشاء سدود صغيرة وبرك مياه، ومساعدة المنازل في القرى على تجميع مياه الشتاء من سطوح المنازل، وفصل المياه الرمادية عن السوداء، والإفادة من ينابيع المياه العذبة في البحر… كل ذلك، من دون الحاجة الى تحلية المياه.

الحلول كثيرة في أزمة المياه وهي تبدأ بصيانة الإمدادات لمنع التسرب والهدر كما يمكن الإفادة من إنشاء سدود صغيرة وبرك مياه

وفي المقارنة، فإن قبرص أنشأت مثلاً أكثر من 100 سد ناجح، لم تتعرض الى أي حادثة تذكر! وها هي السدود تغير من التأثير الجيوسياسي للمنطقة كلها. فتركيا تُخضع سوريا والعراق مائياً بسبب سدودها، وإثيوبيا تهدد مصر والسودان بسبب سد النهضة.

كما في كل شيء في لبنان، لا مياه من دون “بناء الدولة”، وبناء الدولة يصبح كحلم إبليس في الجنة، وفي غياب الدولة تُلقى مزيد من المسؤوليات على البلديات. والحمل يصبح عليها ثقيلاً. وإلا، في المياه، أيضاً، يكون الاستمرار مع “حارة كل مين إيدو إلو”!

السابق
خارطة طريق «حزب الله».. حتى آخر السنة
التالي
قرار هام من الصحة.. يتعلق بمرضى الكوليرا ونفقات العلاج