قراءة في عوالم المفكر الإيراني التنويري علي شريعتي ثائراً باسم العقل وشهيداً دفاعاً عن الحضارة والإنسان

كريم مروة
ألّف علي شريعتي الكثير من الكتب التي عبَّر فيها عن أفكاره باسم استقلاليته، وصدرت له وعنه كتب كثيرة.

إلا أنني في هذا المقال أردت التذكير في هذه الظروف الصعبة التي تجتازها إيران والعالم العربي ومنها وطننا لبنان، التذكير بعلي شريعتي كنموذج فذّ لقراءة أحداث التاريخ والاستنتاجات التي تولّدت لديه حول وطنه إيران وحول مستقبل الإسلام وحول مستقبل البشرية ومستقبل الإنسان، مستخدماً العقل لمواجهة الماضي والحاضر والمستقبل كمفكّر حر بكل ما تعنيه الكلمة.

ومن أواخر الكتب التي قرأتها عن سيرته وأفكاره كتاب”الذات الثورية” ترجمة الدكتور ابراهيم دسوقي شتا الصادر عن دار الأمير في بيروت، إضافة الى كتب أخرى له وعنه.

يتضمن هذا المقال الذي أضعه بين يديّ القرّاء ما يمكن اعتباره أساساً في تطوّر فكر علي شريعتي من البداية الى النهاية.

وقد أردت في هذا المقال على وجه الخصوص أن أبيّن أنَّ علي شريعتي الذي بدأ حياته منذ شبابه الأول ثائراً على الواقع في بلده وفي العالم، أردت أن أقدّم صورة مكثفة تتضمن جملة من أفكاره الثورية التي ظل أميناً لها حتى مقتله في لندن عام 1977 عشية انتصار الثورة التي قادها الإمام الخميني عام 1979 وقيام الجمهورية الاسلامية الإيرانية. والمعروف عن علي شريعتي أنه كان يتابع مسار الثورة مختلفاً عنها في الكثير من الأفكار والشعارات التي كانت تسود باسمها. وتدل على ذلك بعض الأفكار التي سأوردها في هذا المقال.

لكن ما هو أهم مما سأستشهد به من أفكاره هو ذلك النص الذي قرأته من رسالة علي شريعتي إلى أخيه عبد الفرعون، الذي يبيّن فيه علي شريعتي بوضوح أفكاره، لا سيما ما يتعلّق بمفهومه للثورة وبالمضمون الأساسي لها.

هناك سؤال يتبادر إلى ذهني، وربما الى أذهان الكثيرين غيري، ممن تابعوا سيرة علي شريعتي. إن هذا النص والنصوص الأخرى التي أستشهد بها في مقالي هذا ، ربما يكون من دون أن أجزم بذلك، السبب الذي أدى الى مقتله والتي لم تُعرف حتى الآن الأسباب والظروف التي أدّت الى ذلك. الأمر الذي يدعوني إلى اعتباره شهيد أفكاره التنويرية. فقد عبّر علي شريعتي في هذه النصوص عن رأي لم يسبقه إليه أحد بمثل الوضوح الذي عبَّر عنه هو بقلمه.

إن الفكر الأساسي في مفهوم علي شريعتي هو في الإصلاح والتغيير باسم الدين وباسم العقل

إن الفكر الأساسي في مفهوم علي شريعتي هو في الإصلاح والتغيير باسم الدين وباسم العقل. فقد كان يريد تحرير الثورة الإيرانية في مراحل تطوّرها وقبل أن تصل الى نهايتها، وتحريرها من التقاليد والموروثات التي كان قد عبَّر عنها منْ كانوا شركاء له فيها، منهم الإمام الشيرازي وآخرون وصولاً الى آية الله طالقاني الذي كان شريكاً للإمام الخميني في انتصار الثورة، وكان مختلفاً معه في بعض شؤونها. وكان طالقاني من أوائل الذين تم اغتيالهم، والذي كان يخشى على الثورة من بعض قادتها وتحويلها باتجاه مغاير لما تحتاج إليه إيران لكي تكون عضواً في عالم متغيّر متحرّر من جميع ما ساد باسم الفرق الإسلامية من زمن الصفويين حتى اللحظة التي كان يقدّم فيها طالقاني أفكاره. وقد دفع ثمن مواقفه بقتله مسموماً وأُحرقت كل آثاره الفكرية والسياسية والانسانية.

والمعروف أن ولاية الفقيه كانت العنوان الأساسي للجمهورية الإسلامية التي بناها الإمام الخميني. والمعروف في الوقت ذاته قديماً وحديثاً أن فقهاء الإسلام لا سيما فقهاء الشيعة الإمامية كانوا متعددين، وكان لكل منهم رسالة عبَّر فيها عن أفكاره ومواقفه . وكان لكل فقيه مجتهد مقلِّدون يستندون في مواقفهم الدينية الى فتاويه في رسالته. وقد أردت من الإشارة الى فقهاء المسلمين الآنفي الذكر أن أؤكد بأن ولاية الفقيه لا علاقة لها بالشيعة الإمامية.

كانت مفاهيمه مساواتية اشتراكية في صياغة إسلامية ترتبط بتراث المستضعفين في تاريخ الإسلام

وتجدر الإشارة إلى أن علي شريعتي كان قد تأثر في تجربته الفكرية بفرانز فانون صاحب كتاب “المعذبون في الأرض” الذي أصبح أحد منظّري الثورة الجزائرية. وكان علي شريعتي قد انتقد في بعض كتاباته التفكير الماركسي واستخدم في المقابل منهج علم الاجتماع التاريخي دون أن يعادي الماركسية والاشتراكية، بل كانت مفاهيمه مساواتية اشتراكية في صياغة إسلامية، ترتبط بتراث المستضعفين في تاريخ الإسلام كأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر وسلمان الفارسي مضافاً إليهم إعجابه الفائق بالنبي مُحمد وبالإمام علي.

يقول علي شريعتي “أريد أن أطرح قضية أساسية مطروحة بين مفكّري آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية، وقد طُرحت أخيراً في إيران, وهي قضية العودة الى الذات”.

ويتابع:” أريد أن أوضح أنني كنت أنطلق من الدين، أنطلق من الإسلام، منطلقي إسلامٌ معتدل وإصلاحي وأعيد فيه النظر بوعي مرتكز على حركة نهضة إسلامية”. في رأي علي شريعتي إنَّ الوجود الحقيقي للإنسان هو الوجود الذي تصنعه الثقافة ويخلقهالتاريخ المشترك والحضارة والفنون الاجتماعية. ويقول:” إن الشخصية الثقافية الخاصة بالإنسان تقوم على الاستقلال والابداع والانتاج، أما الوجود على غرار الآخرين فهو وجود مجازي”.

ويتابع قائلاً:” أنه ما لم تصل الأمة الى مستوى الانتاج المعنوي والفكري والثقافي فإنها لن تستطيع أن تصل الى مستوى الانتاج الاقتصادي. فالمجتمع الذي يفكّر بنفسه ويخلق بنفسه مُثُلَه وقيمه وذهنيته وفنونه ومعتقداته وإيمانه ووعيه الديني وآراءه التاريخية والاجتماعية والنظام الطبقي واتجاهاته الاجتماعية لا يفقد شروط تطوره”.

يتساءل:” هل الذات ذات دينية إسلامية وأي مذهب؟ أهو المذهب الشيعي؟ وهل هو المذهب الصفوي، أم المذهب العلوي”.

ويجيب على تلك الأسئلة بقوله:” إن الذات الاسلامية هي الذات المقصودة لكنها ليست بصورةشعائر تقليدية وطقوسية، إنما بصورة أيديولوجية علمانية وإسلامية واعية”.

كان جزءاً من الثورة بمكوناتها المختلفة، الثورة التي كانت تريد التحرّر من الشاه ومن سياسته المعادية للشعب الإيراني

أردت من هذه الاستشهادات وهي جزء بسيط من فكر علي شريعتي ، أن أشير الى ماكنت أراه من خلال قراءتي لسيرته في أنه كان جزءاً من الثورة بمكوناتها المختلفة، الثورة التي كانت تريد التحرّر من الشاه ومن سياسته المعادية للشعب الإيراني. وفي قراءتي لأفكاره بإسم موقعه في الثورة فقد كان حريصاً على ألا يعطيها صفة ثورة دينية تقوم على الشرائع وما ارتبط بها من زمن الصفويين من بدع وخرافات. وهذا في تقديري ما لفت النظر إليه خشية أن تصبح أفكاره أفكاراً مختلفة حتى التناقض مع ما ارتبط بالثورة التي قادها الإمام الخميني في عام 1979 والتي على أساسها أسّس الجمهورية الإسلامية وأعطى لنفسه ولمن سيخلفه صفة الولي الفقيه.

غايتي من الاستشهادات الآنفة الذكر المتصلة بفكر علي شريعتي الإشارة الى أن إيران بعد انتصار الثورة وإقامة الجمهورية الإسلامية تغيَّر تاريخها بالاتجاه المعاكس لما كانت تشير إليه الثورة في بداياتها. وهي كانت ثورة تغييرية بالاتجاه الديمقراطي.

علينا ونحن – نستذكر- المفكر الإصلاحي المجدّد في الفكر والدين والسياسة علي شريعتي أنّه قد دفع مبكّراً حياته ثمناً لأفكاره. وإذا نظرنا اليوم الى إيران من زمن الخميني وبعد وفاته، فإننا نرى بوضوح أنها لم تكن أمينة لمبادىء الثورة كما كانت في بداياتها، ولم تكن أمينة لعددٍ من قادتها الذين استشهدوا قبل قيامها مثل علي شريعتي والذين تم اغتيالهم في زمن الثورة وفي مقدمتهم أحد قادتها الأوائل آية الله طالقاني الذي تم اغتياله في زمن الثورة.لن أدخل في تفاصيل ما نشهده اليوم من سياسات إيران في عهد الإمام علي خامنئي.لكنني أحب أن أتوقف عند الوصية التي تركها الإمام الخميني التي قرأتها بإمعان وكتبت بحثاً مطوّلاً عن سيرته وثورته في كتابي "قادة تاريخون كبار في ثورات القرن العشرين”.

وعبّر الخميني في هذه الوصية بشكل واضح من خلال استشهاده بمجموعة من الانتقادات البالغ االأهمية التي كانت تُوجّه الى الثورة من أصدقائها وخصومها. واعتبرت في قراءتي لهذه الوصية ولهذه الانتقادات بالذات أن الإمام الخميني كان يريد لمن سيخلفه أن يأخذ بعين الاعتبار هذه الانتقادات. وكأني به كان يعترف بالأخطاء التي ارتكبها وارتكبت في زمانه. إلا أن تلك الوصية كما بدا لي بوضوح ولكل من يتابع سياسة الجمهورية الاسلامية الإيرانية، لم يعد لها أثرٌ بعد وفاته.

جميع القوى الإسلامية من كل الاتجاهات وأدعو القوى اليسارية والقوى الديمقراطية أن تقرأ علي شريعتي كما تدل عليه أفكاره

ما يهمّني في هذا المقال أن أدعو جميع القوى الإسلامية من كل الاتجاهات وأدعو القوى اليسارية والقوى الديمقراطية أن تقرأ علي شريعتي كما تدل عليه أفكاره. وهكذا يصبح أمام الذين يريدون تحقيق الإصلاح في إيران وتحريرها من مواقفها التعسفية ضد شعبها والشعوب المحيطة بها أن يناضلوا من أجل مستقبل آخر لإيران على ضوء أفكار علي شريعتي. إلا أنني أريد أن أتوجّه بجملة من الأسئلة الى سماحة السيد حسن نصر الله وقادة حزب الله تتعلق بالدور الذي اضطلع به حزب الله منذ تأسيسه وحتى هذه اللحظة مما يتناقض في فهمي للتاريخ والدين مع ما ارتبط بنشاط وأفكار ومواقف وسياسات حزب الله وذلك بصدق ومن دون عداء وباسم انتمائنا المشترك الى وطننا الخالد لبنان، ودعوة حزب الله للعمل مع المخلصين من أجل تحرير الوطن والشعب من الكارثة التي تأخذ وطننا وشعبنا الى الجحيم.

وأحب أن أشير أن عدداً من قادة حزب الله هم من أصدقائي كان منهم في البدايات كلٌ من الحاج محمد رعد والوزير محمد فنيش اللذين قاما بزيارتي بمبادرة منهما في عام 1992 في مكتبي في مقر قيادة الحزب الشيوعي. وتحدّث كل منا عن أصوله التاريخية وتجنّبنا البحث بالسياسة حرصاً منا على أن تبقى الصداقة فوق كل اعتبار.

السؤال الأول، الذي يحيّرني في قراءتي للإسلام وكافة الأديان السماوية، كيف يحقّ لحزب الله أن يعطي لحزبه اسم الله الذي هو مع معرفته وإيمانه كحزب إسلامية أن الله بالنسبة إليهم وإلى المسلمين وأصحاب الديانات السماوية هو خالق الكون وهو رب العالمين. وبإعطاءالحزب اسم الله اسماً لحزبه إنما يحمّل اسم الله تبعات سياساته ومواقفه من نشاط يقوم به الحزب الذي يتعارض قسم كبير منها مع الدين وقيمه الإنسانية.

لقد طرحت هذا السؤال في إحدى محاضراتي في الجامعة اللبنانية أمام حشد من المفكرين والسياسيين وبحضور عدد من قادة حزب الله. ولم أتلق جواباً على سؤالي. ثم كررت السؤال ذاته في الفصل الأخير من كتابي “نحو جمهورية ثالثة” وطلبت من حزب الله أن يغيّر اسمه، كما توجهت الى الحزب الشيوعي والى سائر الأحزاب بتغيير أسمائهم لكي يكونوا أكثر ارتباطاً بشروط العصر. وهذا السؤال بذاته يشير من وجهة نظري الى خللٍ كبير في فهم الإسلام وقيمه الإنسانية السمحاء. وأشعر أن الأوْلى مني بطرح هذا السؤال على حزب الله هم فقهاء الإسلام من مختلف الفرق الاسلامية. لكن أحداً من هؤلاء لم يبادر الى طرح هذا السؤال. فما هو السر في ذلك؟ أما السؤال الثاني، وهو مهم جداً، يتعلق بالدور الذي اضطلع به حزب الله بتكليف من قيادة الجمهورية الإسلامية وباسم ولاية الفقيه من الثمانينات قبل تأسيسه وبعد ذلك من عمليات خطف واغتيال طالت عدداً من الشخصيات اللبنانية والعربية والعالمية. وكان ممن تم اغتيالهم مفتي الجمهورية الاسلامية الشيخ حسن خالد. وكان من ضحايا حزب الله في ذلك التاريخ ثلاثة عشر بطلاً من أبطال جبهة المقاومة الوطنية من الشيوعيين الذين تم اغتيالهم وهم في طريق العودة بعد إنجاز عملياتهم ضد قوات العدو الإسرائيلي وعملائه.

المؤسف والمؤلم أن الحزب قد كرر قيامه بمغامرات من نوع آخر في الداخل اللبناني وفي بلدان عربية أخرى مستنداً الى سلاحه الذي ظل يحتفظ به وعدم الاستجابة لمطالب أكثرية اللبنانيين لتسليم هذا السلاح للدولة

السؤال الثالث، كيف أن سماحة السيد نصرالله وافق من دون اعتراض أو تردّد على ما فُرض عليه وعلينا من قبل القيادتين الإيرانية والسورية أن يكون حزب الله لوحده المسؤول عن المقاومة حتى التحرير. وقد حاولنا ولم ننجح في إقامة جبهة بقيادته، تشارك فيها جميع القوى التي كان لكل منها دورها في المقاومة. غير أنني لا أستطيع إلا أن أتوجه بالتقدير الى حزب الله في تلك الفترة بالذات التي قام فيها أبطاله بأدوار تاريخية انتهت بتحرير الأرض. وكنت قد كتبت مقالاً في جريدة الحياة أشدت فيه بتلك البطولات.

السؤال الرابع، يتعلق بالقرار الذي اتخذه حزب الله بأمر واضح من القيادتين الإيرانية والسورية بالاحتفاظ بسلاحه بعد التحرير خلافاً لما قامت به كل حركات التحرر في العالم التي ناضلت في سبيل تحرير أوطانها من الاحتلال ثم سلّمت سلاحها الى الدولة بعد التحرير حتى وإن اختلفت مواقفها مع مواقف الدولة. ذلك أن ما فعلته تلك القوى في بلد كان من طبيعة الأمور أن الدولة أياً كانت مكوناتها هي المسؤولة عن الدفاع عن الوطن وعن استقلاله وحريته. لماذا إذاً ولأي مهمات أصرَّ حزب الله على الاحتفاظ بسلاحه بعد التحرير؟ والجواب عن هذا السؤال واضح. ذلك أن حزب الله بقيادة سماحة السيد حسن نصرالله وهو الأمين العام الثالث للحزب، لم يكن يعبّر عن قرار ذاتي، بل هو كان ينفذ قرارات تأتيه من القيادتين الإيرانية والسورية علماً بأنه قال بالفم الملآن في أحد خطبه إنه مرتبط ارتباطاً عضوياً بالجمهورية الإسلامية وبولاية الفقيه وإنه جندي في هذه الولاية، ويلبي كل ما يُطلب منه، وإنه يتلقى من الجمهورية الإسلامية كل ماله وسلاحه وكل ما يتصل بنشاطه. وهذا يعني أن علاقته بإيران هي الأساس وليست علاقته بالوطن اللبناني الذي ينتمي إليه.

السؤال الخامس، يتعلق بتلك المغامرة التي قام بها الحزب في العام 2006 في الدخول الى الأراضي الإسرائيلية وأسر بعض جنودها الأمر الذي استدرج اسرائيل للقيام بعدوانها الوحشي والذي نتج عنه مئات من القتلى وتدمير القرى والجسور والبنى التحتية وتشريد مئات الألوف من أبناء الجنوب الى كل المناطق اللبنانية والى الداخل السوري. أقول ذلك دون أن أتجاهل البطولات التي قام بها مقاتلو الحزب ضد ذلك العدوان الوحشي. والمعروف أن سماحة السيد نصرالله قد اعترف بالخطأ الذي وقع فيه عندما أعلن في نهاية الحرب قوله المشهور” لو كنت أعلم”.

إلا أنه من المؤسف والمؤلم أن الحزب قد كرر قيامه بمغامرات من نوع آخر في الداخل اللبناني وفي بلدان عربية أخرى مستنداً الى سلاحه الذي ظل يحتفظ به وعدم الاستجابة لمطالب أكثرية اللبنانيين لتسليم هذا السلاح للدولة، ودعوة الحزب الى عدم التحرش بإسرائيل وعدم الدخول في عمليات عسكرية بقرار إيراني وسوري في لبنان وبعض الدول العربية. وقد دلّت كل النشاطات المرتبطة بحزب الله خلال تلك الفترة حتى هذه اللحظة الصعبة التي يعيشها لبنان على أنها ليست من همومه. وهو السؤال الأخطر من بين كل تلك الأسئلة لأنه يتعلق بدور حزب الله بهذا الظرف العصيب الذي يمر به الوطن اللبناني وتنهار فيه دولته الفاسدة وينهار معها الشعب بكل فئاته.

العودة إليه والى أفكاره في هذا الظرف العصيب بالذات هي أمر بالغ الأهمية

طرحت كل تلك الأسئلة على سماحة السيد حسن نصر الله وقادة الحزب آملاً في أن يستجيب الحزب حرصاً مني على أن يكون حزب الله بوضع مختلف عما ساد في سياساته، لأنني أعتبر أن حزب الله الذي يُكثر من الكلام عن الفساد السائد في البلاد يتحالف مع من ارتبط بهم هذا الفساد في مواقع الدولة وخارجها آملاً أن يتحرر من تلك السياسات وأن يعمل مع آخرين من الوطنيين اللبنانيين لإخراج لبنان من محنته التي تأخذه الى جهنم وتزيد معاناة الشعب وعذاباته في شتى الأمور الحياتية.

وهكذا أكون قد طرحت تلك الأسئلة التي كان لا بد لي من طرحها من دون عداء وتشنّج باسم وطنيتنا اللبنانية وباسم شعبنا اللبناني معتبراً أنه عليَّ كمواطن لبناني أن أتقدّم بالنصح لحزب الله وقيادته في أن يتخلى عن ارتباطاته الخارجية ويعود الى لبنانيته وأن يتوقف عن اتخاذ مواقف عدائية من الأشقاء العرب لا سيما دول الخليج.

وبالعودة الى علي شريعتي فإنني أعتبر أن العودة إليه والى أفكاره في هذا الظرف العصيب بالذات هي أمر بالغ الأهمية. وفي مقدمة ما أريد التعبير عنه وأنا أستذكر هذا الإنسان بأن إيران اليوم ومنذ عهد الصفويين لا علاقة لها بتاريخها القديم، ولا علاقة لها بالدور الذي يمكن أن تضطلع به في الدفاع عن شعبها ومساعدة الشعوب الأخرى المحيطة بها. وهذه هي مهمتي بالعودة الى علي شريعتي الذي عبّرت أفكاره ليس فقط عما كان يريد من إصلاحات في ايران وحسب، بل وبشكل خاص دفاعه الأساسي عن الإسلام وقيمه الإنسانية واعتبار العقل هو الأساس في بناء المجتمع والحضارة والدفاع عن الإنسان بصفته القيمة الأساسية في الوجود، كما أشار إليه الإمام علي بن أبي طالب باسم الإسلام وصولاً الى ما قاله كارل ماركس باسم الاشتراكية.

إقرأ أيضاً : أضواء كريم مروّة على روّاد الإصلاح الديني.. العرب في العصر الحديث

السابق
بعدسة «جنوبية»: «جبهة الدفاع» ترفض الخط 23 وتتمسك بالـ 29 ..آن للشعب اللبناني أن يتحرك!
التالي
هل يتجنب النواب التغييرون حقل ألغام.. «حزب الله»!