إسرائيل ومطارات سوريا.. القصة أكبر من عملية «مطاردة»

بفارقٍ زمني لم يتجاوز الساعة شهدت محافظتي حلب ودمشق السوريتين، ليلة الأربعاء، ضربات صاروخية نسبت لإسرائيل، واستهدفت في الأولى المطار الدولي، بينما في الثانية مواقع عسكرية ملاصقة للمطار الدولي أيضا. 

ويعطي هذا القصف المزدوج والمتزامن مؤشرا على “تغير” بدا يطرأ على سياسة الضربات الإسرائيلية في سوريا، حسب مراقبين، وذلك ما يرتبط بنوعية المناطق المستهدفة من جهة، وحالة التواتر بينها من جهة أخرى، فضلا عن السياق العام الذي تأتي فيه كل هذه التطورات. 

على مدى السنوات الماضية لم تتوقف الضربات “الإسرائيلية” على المواقع العسكرية التابعة للنظام السوري وإيران في سوريا. 

وبينما انسحبت أهداف هذه الضربات على معظم المحافظات السورية، من الجنوب إلى الوسط والشمال، بقيت المطارات بعيدة عن القصف المركّز والمباشر، وصولا إلى شهر يونيو من عام 2022. 

وقبل ثلاثة أشهر تعرض مطار دمشق الدولي لضربات صاروخية إسرائيلية، ما أسفر عن خروجه عن الخدمة لأكثر من أسبوعين، بسبب الضرر الكبير الذي حل بمدارجه، ووثقته صور أقمار اصطناعية. 

وكانت تلك الحادثة هي الأولى من نوعها التي يخرج فيها مطار العاصمة عن الخدمة لأسابيع، وكذلك الأمر الآن بالنسبة لمطار حلب الدولي، والذي يعتبر استهدافه ليلة الأربعاء الأول من نوعه، منذ بداية العام الحالي. 

وعقب ضربة “مطار دمشق”، في يونيو، كانت حكومة النظام السوري قد حولت معظم الرحلات إلى مطار حلب، والذي بات ومنذ شهر فبراير من عام 2020 محطة رديفة للملاحة الجوية، التي تعتمد عليها الأخيرة. 

“3 روايات” 

ولم يعرف حجم الأضرار الذي حل بمطار حلب الدولي، بعد قصفه بالصواريخ، في حين انتشرت ثلاثة روايات، من الجانب السوري والإيراني، إضافة إلى تلك التي استعرضتها وسائل الإعلام الإسرائيلية. 

وكالة الأنباء السورية “سانا” نقلت عن مصدر عسكري أن القصف على مطار حلب تم تنفيذه بالصواريخ في الساعة الثامنة من مساء الأربعاء، أما قصف دمشق جاء في الساعة التاسعة و18 دقيقة. 

وذكر المصدر العسكري أن الضربات أسفرت عن “أضرار مادية في مطار حلب”، فيما لم تسجر خسائر في محيط العاصمة. 

وهذه الرواية كان في مقابلها روايتان متقاطعتان من إيران وإسرائيل. 

إذ ذكرت وكالة “تسنيم” نقلا عن مصادر ميدانية أنه و”قبيل الساعة الثامنة من ليل الأربعاء هبطت طائرة في مطار حلب الدولي وقام الصهاينة في رد فعل على هذا الأمر وفي تصرف انفعالي باستهداف مدرج هذا المطار، في حين هذه الطائرة كانت قد هبطت قبل 10 دقائق في المطار”. 

وأضاف المصدر: “بعد انتهاء القصف الصاروخي غادرت الطائرة المذكورة مطار حلب الدولي باتجاه دمشق وعاود الصهاينة إطلاق الصواريخ باتجاه مطار دمشق، ردا على هذا الأمر، في حين كانت هذه الطائرة قد هبطت قبل ذلك في مطار دمشق”. 

من جانبها قالت “القناة 12” الإسرائيلية إن القصف على مطار حلب سبق وصول طائرة تابعة لشركة “مهان إير” الإيرانية، “تحمل صواريخ مضادة للطائرات”. 

وأضافت أن الهجوم شنّه سلاح الجو الإسرائيلي بثلاثة صواريخ استهدفت الرادارات وأنظمة الهبوط، لمنع هبوط الطائرة الإيرانية. 

وحسب تقرير القناة فقد هبطت طائرة نقل إيرانية في وقت سابق في مطار حلب وكان من المفترض أن تهبط طائرات أخرى، وهذا ما استدعى تنفيذ ضربة جوية على المطار الذي بات مهبط الطائرات الإيرانية، بعد أن أوقفت الضربات الإسرائيلية مطار دمشق عن العمل في شهر يونيو. 

“أكبر من عملية مطاردة” 

وباتت حادثة مطار حلب ومحيط العاصمة دمشق الثالثة من نوعها منذ بداية الأسبوع الحالي، إذ سبق هاتين الضربتين قصف إسرائيلي استهدف مواقعا في منطقة مصياف بريف حماة الغربي، ومناطق أخرى في الساحل السوري.  

ولا يرى ضياء قدور وهو كاتب وباحث سوري مختص في الشأن الإيراني أن ما حصل ليلة الأربعاء عبارة عن “مطاردة إسرائيلية لطائرة إيرانية كانت بصدد نقل شحنات أسلحة”. 

ويقول قدور في حديث لموقع “الحرة”: “ما حدث في واقع الأمر أن هناك طائرتين تتبعان للحرس الثوري الإيراني. الأولى كانت متواجدة بالقرب من مطار حلب قبل عملية القصف بساعة تقريبا”. 

وهذه الطائرة كانت “متخفية عن الرادارات”، و”على ما يبدو أفرغت حمولتها، بينما جاء الاستهداف الإسرائيلي للحمولات العسكرية بعد ساعة تقريبا”. 

أما الطائرة الثانية، فيضيف الباحث: “هي تتبع لشركة ماهان إير، وكانت تطير على الحدود الإيرانية العراقية متجهة نحو مطار حلب أثناء تنفيذ الضربات”. 

وعندما تم تنفيذ الضربات “قامت بجولة حتى تصلها الأخبار المتعلقة بمدارج مطار حلب، وعما إذا كان ما يزال ضمن الخدمة أم لا. بعد وصول أنباء إعطاب المدارج توجهت إلى مطار دمشق”. 

ويشير الباحث إلى أن “الضربات نفذتها إسرائيل بسبب الطائرة المشبوهة التي تم رصدها وهي تفرغ الشحنات بساعات، وليس الطائرة التي غيّرت مسارها”. 

من جانبه وبينما يرى الباحث الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل أن القصف الإسرائيلي الذي حصل يأتي ضمن “مواصلة حملة إسرائيل السرية الطويلة ضد الأهداف الإيرانية في سوريا”، إلا أنه يعتبر “غير اعتيادي”، لأنه طال “مطارات مدنية”، كانت في وقت قريب “محظورة نسبيا على الضربات”. 

ويقول بوهل لموقع “الحرة”: “هذه الحادثة تشير إلى أن إسرائيل تحاول تثبيط استخدام إيران لهذه المطارات على الرغم من الخطر على الطائرات المدنية والمدنيين في المطارات”. 

كما تشير أيضا بجزء منها إلى خلفية “تدهور العلاقات الإسرائيلية – الروسية”، موضحا: “تمتلك روسيا القدرة على استخدام نظام S-400 لإغلاق المجال الجوي السوري أمام الطائرات الإسرائيلية، وقد احتجت على الضربات الإسرائيلية لمطار دمشق ودعت في الواقع إلى إنهاء جميع الضربات”. 

“لاعبون كثر” 

ولطالما ادعت تقارير إسرائيلية وغربية أن مطار حلب ودمشق يستخدمها “الحرس الثوري” الإيراني، لنقل شحنات أسلحة إلى سوريا، ومن ثم إلى لبنان، وهو ما تنفيه طهران، مؤكدة أن نشاطها في سوريا يقتصر على “المستشارين”. 

واللافت أن “ضربة الأربعاء” جاءت بعد صور وتقرير نشرته شركة استخبارات فضائية إسرائيلية، وثقت من خلاله إقدام موسكو على تفكيك ونقل بطاريات “إس-300″، من سوريا إلى أراضيها. 

كما جاءت الضربة بعد أسبوع من تبادل القصف بين القوات الأمريكية والميليشيات الإيرانية في محافظة دير الزور، شرقي البلاد. 

المحلل الإسرائيلي، يوآف شتيرن تحدث أن “إسرائيل ما تزال تؤكد من جانبها على أن التمركز الإيراني في سوريا غير مقبول، وأن عمليات نقل الأسلحة المتطورة من جانب الميليشيات الإيرانية لا يمكن أن تستمر بسهولة وبدون رد”. 

يقول شتيرن لموقع “الحرة”: “ضربة الأربعاء كانت حالة مميزة، بحيث تم استهداف موقعين في الداخل السوري. يجب أن نذكر أنه وفي كل مرة يتم تنفيذ القصف سيكون هناك حاجة للتنسيق مع الطرف الروسي”. 

وتسير روسيا وإسرائيل في سوريا منذ عام 2018 بآلية “الخط الساخن”، لمنع حدوث أي عمليات تضارب بينهما. 

ومع ذلك، يضيف المحلل الإسرائيلي: “نحن لا نتحدث عن معادلة ثنائية أو من طرف واحد. المشكلة أكبر بكثير. هناك لاعبين آخرين فيما يحصل في سوريا”. 

الباحث راين بوهل تحدث أيضا عن ذات الفكرة، مشيرا إلى “عنصر يشاع أن إيران ضربت القاعدة الأمريكية في التنف، ردا على الضربات الجوية مؤخرا، مما أدى إلى تبادل وجيز متبادل بين واشنطن وطهران”. 

ولا يزال من الممكن أن تؤدي هذه الهجمات إلى تفاقم العلاقات الإسرائيلية الروسية وتحفيز جولة أخرى من المضايقات الإيرانية للقوات الأمريكية داخل سوريا، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى ضربات أمريكية على أهداف إيرانية في سوريا أيضا. 

ويعتقد بوهل “أننا نشهد درجة معينة ومتصاعدة من الجرأة من جانب إسرائيل”. 

وهذه “الجرأة” مدفوعة من أن هناك صفقة نووية إيرانية وشيكة (وبالتالي ينبغي عليهم تصعيد حملتهم السرية بالنظر إلى نهاية الضغط الأقصى ضد إيران). 

كما هي مدفوعة، حسب الباحث الأمريكية بـ”اعتماد روسيا المتزايد على إيران للمساعدة في الحفاظ على النظام في سوريا، الأمر الذي يثير قلق إسرائيل في أعقاب حرب أوكرانيا”. 

“خيارات مضايقة” 

وتقول إيران، منذ تدخلها الأول في سوريا عام 2012، إن وجودها العسكري يقتصر على “مستشارين” فقط، وهو الأمر الذي تراه إسرائيل غير ذلك. 

وتتبع إسرائيل، منذ سنوات، سياسية عدم التعليق على ضرباتها الصاروخية أو الجوية في سوريا، ليقتصر الحديث المتعلق بذلك على وسائل إعلامها المتنوعة من صحف وقنوات تلفزيونية. 

في وقت سابق يوم الأربعاء، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لبيد والرئيس الأمريكي بايدن.  

وجاء في البيان الذي نشره رئيس مجلس الوزراء أن الاثنين “بحثا آخر الأحداث والأنشطة الإرهابية لإيران في الشرق الأوسط وخارجه”. وأضاف لبيد “في هذا السياق هنأت الرئيس على الضربات الأمريكية الأخيرة في سوريا”. 

وقبل نحو أسبوع أدان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف “الهجمات الصاروخية” التي تنفذها إسرائيل في سوريا. 

وقال في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره السوري فيصل مقداد، إن روسيا تواصل دعم سوريا وتتوقع أن تحترم إسرائيل السيادة السورية، مضيفا: “نطالب إسرائيل باحترام قرارات مجلس الأمن وقبل كل شيء احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها”. 

يشير الباحث السوري ضياء قدور إلى أن النظام السوري وإيران اتبعا “سياسة تقسيم المهام السرية الأمنية بين مطار حلب ودمشق”، بعد الضربة التي تلقاها الأخير. 

ويقول: “الطائرات التي تتبع للحرس وتأتي إلى سوريا يتم توزيعها بين المطارين. هذا ما أدخل مطار حلب هذا العام ضمن قائمة الأهداف”. 

ومنذ بداية العام الحالي بدا ملاحظا “التطور الذي طرأ على الضربات الإسرائيلية في سوريا”، قياسا بالأعوام السابقة، ويتوقع قدور أن “تشهد المرحلة المقبلة زخما في الغارات”. 

بدوره يرجّح الباحث الأمريكي، راين بوهل أنه “سيتم تحفيز إيران لإيجاد طرق جديدة للرد على إسرائيل كرد على الضربات”، لكن “من غير المرجح أن تلاحق إسرائيل، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب إقليمية”. 

بدلا من ذلك، “فإن مضايقة القوات الأمريكية القريبة هي أحد الخيارات”. 

ويضيف بوهل: “محاولة ضرب أهداف إسرائيلية في دول ثالثة أمر آخر، وكذلك الهجمات الإلكترونية ضد البنية التحتية الحيوية لإسرائيل”. 

ويرى الباحث أن الإيرانيين “سيكافحون من أجل إيجاد جبهة معادية للهيمنة الجوية الإسرائيلية في سوريا، لكنهم قد يضغطون على روسيا لتهديد الإسرائيليين بنظام S-400 الخاص بهم لتعقيد العمليات للإسرائيليين في البلاد”. 

أما المحلل الإسرائيلي، يوآف شتيرن يرى أن “كل قصف إسرائيلي سيؤثر على الجانب الروسي، وعند الحديث عن قصفين فهذا يدل على الحاجة الملحة للتنسيق بين إسرائيل وموسكو”. 

وبالنسبة لإيران فإن “المعادلة هي أكبر”، وفق شتيرن الذي يشير: “إحدى النقاط التي تقولها إسرائيل وأمريكا أنه لا يمكن الوصول وبناء الثقة مع إيران، بينما تستمر الأخيرة في بناء قدرات هجومية من الأراضي اللبنانية والسورية”. 

ويعتقد المحلل الإسرائيلي أن “إسرائيل لا تقبل أن تتم تسوية مع إيران على حساب مصالحها. هي تدافع عن حقها في الدفاع عن نفسها”، حسب تعبيره. 

إقرأ أيضاً: لمنع هبوط طائرة للحرس الثوري.. استهداف مطاري دمشق وحلب

السابق
بعد أسبوع رابع على الإضراب «المستمر».. قاضٍ يروي معاناته لـ «جنوبية»: راتبي ٦ ملايين وأطفالي حُرموا من كل شيء!
التالي
هذا هو الرئيس الأصيل لا الوكيل!