خفايا وحقائق أوروبا «الطاقوية».. ماذا عن «كاريش» والغاز الروسي؟!

حقل كاريش الحدود البحرية

تنفست أوروبا الصعداء بعدما أعادت روسيا العمل منذ يومين (الخميس 21 تموز)، بضخ الغاز إليها عبر “نورد ستريم 1” وبنسبة 40% فقط من طاقته، بعد 10 أيام على ما أدعت روسيا أنها للصيانة.
وقد انخفضت مشتريات الاتحاد الأوروبي للطاقة الروسية، من 173 مليار دولار في العام 2012 الى 108 مليار دولار في العام 2021. فأوروبا تستورد في العادة 2.2  مليون برميل يومياً من الغاز الروسي، بالاضافة الى 1.2 مليون برميل من مشتقات النفط! وذلك، الى جانب مصادر الطاقة الأخرى.
إن دول الاتحاد الأوروبي تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 40% من حاجتها. ألمانيا وايطاليا تستهلكان معاً نصف الغاز الروسي الذي يصل الى أوروبا (ألمانيا 42.6 مليار متر مكعب في العام 2020، تليها إيطاليا مع 29.2 مليار متر مكعب، وهولندا 15.7). ولكن أيضاً هناك فرنسا، المجر (11.6 مليار)، بولندا (9.6 مليار)، تشيكيا، النمسا وسلوفاكيا بشكل أساسي. 

أوروبا تستورد في العادة 2.2  مليون برميل يومياً من الغاز الروسي بالاضافة الى 1.2 مليون برميل من مشتقات النفط


أوروبياً، هناك أيضاً بيلاروسيا (18.8 مليار) وتركيا (16.2 مليار)! واذا كانت سويسرا مثلاً تعتمد على الغاز بنسبة 15% من مجمل استهلاك طاقتها. فإن نصف الكمية تأتي من روسيا!

دول الاتحاد الأوروبي تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 40% من حاجته


حالياً، إرتفعت تكاليف التدفئة في أوروبا ثلاثة الى أربعة أضعاف أحياناً. ومن المرجح أن يكون شتاؤها المقبل بارداً.. وذلك يسري على البشر كما يسري على الماشية والمزروعات، وبالتالي فإن تكاليف الانتاج الزراعي وأسعار عدد كبير من السلع الزراعية من خضار وفاكهة، وكذلك، الألبان والأجبان واللحوم… كلها ستزداد ارتفاعاً. ومع ذلك، فإن بعض المنشآت الزراعية ستضطر الى الاقفال.. كل ذلك، من دون الدخول في مشاكل التضخم.
أما الانتاج الصناعي الألماني، وهو فخر الاقتصاد الأوروبي، فهو معرض للخطر، إذ إنه يعمل من دون أفق. إذ لا يمكنه منذ الآن تقدير التكاليف في السنوات الخمس المقبلة مع عنصر مجهول هو كلفة الطاقة، وهذا يعرضه لخطر كبير في الأسواق.
تعمل النرويج حالياً بطاقاتها القصوى لتعويض بعض من الغاز الروسي، وهي ثاني مصدر للغاز والنفط الأوروبي بعد روسيا. ولكن النفط النرويجي بطاقته القصوى، بعيد كل البعد عن تعويض الغاز الروسي مع 1.83 مليون برميل يومياً في شهر أيار الماضي.
ولأن أوروبا في حال “اختناق” طاقوي فإن الأوروبيين يهتمون بحقل كاريش (لدى العدو الاسرائيلي)، ويهتمون بالغاز في مصر ونيجيريا وبالغاز “المتوسطي”. وهم ويبحثون في المحيط الأطلسي، ويعودون للفحم الحجري (كما مع ألمانيا والنمسا وهولندا…)، ويبحثون عنه (حتى) في أوستراليا وأندونيسيا! ويبررون تفعيل المفاعلات النووية لانتاج الطاقة. كل ذلك، لأن أوروبا ما تزال غير مجهزة للانتقال الى الطاقات البديلة. 

الطاقة المتجددة في ألمانيا هي بين الأفضل في العالم ولكنها لا تنتج سوى 41% من حاجتها للكهرباء.


ولكن، ماذا لو وجدت أوروبا غازاً بديلاً للغاز الروسي، كيف يصل الى أوروبا، هل في الناقلات العملاقة، وهل هناك ناقلات عملاقة تكفي لتزويد أوروبا، وبأي تكلفة، وهل هناك بنية تحتية لتخزينها قبل نقلها داخل أوروبا؟ كلها أمور شديدة الصعوبة، وفائقة التكلفة.
تغيرت النظرة الأوروبية الى المفاعلات النووية. فحتى الدول الاسكندنافية، وفي طليعتها فنلندا، لم تعد تنظر إليها نظرة المخاطر، بل أصبحت تعتبرها صديقة للبيئة. فألمانيا ما تزال تنتج 11% من طاقتها الكهربائية من آخر 3 محطات انتاج نووية ما تزال عاملة، في حين يعمل في فرنسا 56 مفاعلاً نووياً (نصفها تقريباً موقوف حالياً للصيانة بسبب مشاكل في التآكل) وهذه المفاعل تنتج 80% من طاقة فرنسا الكهربائية.
الطاقة المتجددة في ألمانيا هي بين الأفضل في العالم، ولكنها لا تنتج سوى 41% من حاجتها للكهرباء. (بينها 8.2% على الطاقة الشمسية) أي إن 59% من انتاجها الكربائي ما يزال يعتمد على الطاقة الأحفورية، وبشكل خاص على الغاز الروسي! في أوروبا، تتصدر السويد الاعتماد على الطاقات المتجددة بنسبة 60% تليها فنلندا مع 40%. وما تزال التكاليف للطاقات المتجددة مرتفعة كما إن تأمين البنية التحتية لها ليس بالأمر السهل بعد، بالإضافة الى صعوبة هائلة في تخزين الطاقة. 
وتحتاج أوروبا الى استثمارات فورية في الطاقة المتجددة بقيمة 220 مليار دولار، على مدى 5 سنوات بعمل حثيث، لتأمين البديل للغاز الروسي.
وحدها ايسلندا تعتمد 100% على الطاقة المتجددة في أوروبا، بينها 75% على الطاقة الكهرمائية و25% على المياه الساخنة “البركانية”! (ألبانيا والباراغواي هما الدولتان اللتان تعتمدان بالكامل مثل إيسلندا على الطاقة المتجددة. وذلك، على الطاقة الكهرمائية).
نجحت روسيا بالحصول على 30 مليار يورو من المداخيل من بيع الغاز لأوروبا، منذ انطلاق الحرب مع أوكرانيا. وهي تجبر أوروبا على الدفع بعملتها الوطنية، أي بالروبل. مع العلم أن روسيا تعتمد في مداخيلها السنوية عامة، وبنسبة 40% على بيع الغاز والنفط.

وحدها ايسلندا تعتمد 100% على الطاقة المتجددة في أوروب، بينها 75% على الطاقة الكهرمائية و25% على المياه الساخنة “البركانية”!


تقول مراجع ألمانية، أن ألمانيا لا تستطيع الصمود سوى شهرين ونصف الشهر من دون الغاز الروسي، والرئيس الروسي يدرك أهمية “سلاح” الحاجة الأوروبية للغاز الروسي. لذلك، فبعد التهديد الأوروبي بعدم التزود بالغاز الروسي انقلب التهديد الأوروبي الى تهديد روسي، بإقفال خط “نورد استريم 1” (وهو البايبلاين البالغ طوله 1.222 كم في البحر بين روسيا وألمانيا).
روسيا، من جهتها، تتجه شرقاً! فهي قد رفعت صادراتها النفطية الى الصين بنسبة 55% خلال العام المنصرم، لتتصدر لائحة المصدرين أمام المملكة العربية السعودية، والهند اشترت لمصافيها 25 مليون برميل من النفط الروسي خلال شهر أيار الماضي وحده.

من يستطيع التخلي عن من ومن يمكنه التخلي عن الآخر وهل الطلاق بينهما ممكن فعلاً؟!


ولكن روسيا لا تملك القنوات والبنية التحتية الكافية لنقل الغاز باتجاه آسيا بالقدر الذي تريده، فبالقنوات الموجودة حالياً لا تستطيع روسيا نقل أكثر من 80 مليار متر مكعب سنوياً باتجاه الصين! وهو ما يعادل نصف الكمية المرسلة الى دول الاتحاد الأوروبي في العام 2021، ولكنه ضعف الكمية المرسلة إليها حالياً. ومع ذلك، فإن التجهيزات لنقل الغاز الروسي الى الدول الآسيوية بالكميات “المناسبة” يحتاج الى 3 سنوات من بناء منشآت البنية التحتية اللازمة. إضافة الى ذلك، فإن روسيا تقوم بتسليم الألف متر مكعب من الغاز الى الصين بسعر يُقارب 350 يورو. أي خمس مرات من كلفة تسليمه للأوروبيين!
روسيا تعتمد في اقتصادها على بيع الغاز والنفط الى الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي، واقتصادات دول الاتحاد الأوروبي تعتمد على شراء الغاز الروسي بشكل أساسي. من يستطيع التخلي عن من، ومن يمكنه التخلي عن الآخر، وهل الطلاق بينهما ممكن فعلاً؟!

السابق
بالفيديو والصور : معمل «كرتون» يتحول الى محرقة للنفايات في البقاع والسموم تقتل الأهالي بحماية سياسية
التالي
موجة حر شديدة في لبنان ورطوبة مرتفعة.. كيف سيكون طقس الأيام المقبلة؟