«أمس اليوم» لوضاح شرارة: تدفع استنقاع النسب..بتدافع الرغبات الغامضة

وضاح شرارة

في رواية وضاح شرارة “أمس اليوم” – منشورات “نوفل”، بيروت، 2022 – لا تستغرق الولدَ الراوي قطيعتُهُ العنيفة المفاجئة عن أمه وعالمها ومدرسته في “المدينة الساحلية”، وأخْذه أسيرًا إلى “البلدة الكبيرة” البعيدة. و”الرجل الناحلُ المكفهرّ الوجه” الذي أسر الولد، قال له، بعد رحلة طويلة في سيارة أجرة “لم ينقضِ الوقت الذي قطعته”، إن البيت الذي أخذه إليه ووقفا أمام بابه، هو “بيت أخيه”. أي بيت عمّ الولد الذي حلَّ غريبًا صامتًا في ديار من يُفترض أنهم أهل والده. لكن قطيعته هذه، غربته وصمته في تلك الديار الغريبة، سرعان ما طواها وكتمها، ليتحوَّل حواسًّا يَقِظَةً ومخيّلة شرهة ومهوّمة، في شروعها بتهجّي الوجوه والأشياء والحركات والأماكن والأوقات في عالمه الجديد الذي حلَّ فيه للمرة الأولى، وراح يكتشفُ كل ما تقع عليه حواسّه ومداركه اكتشافًا روائيًا، كأنه وُلِدَ هنا والآن، من الرواية وفي الرواية، وبها أخذ يستدركُ تلك القطيعة العنيفة، ويردم فجوتها الفاغرة.

الرواية واستنقاع النسب

وقد يكون محور ما يكتشفه الولد الراوي في قطيعته وولادته الجديدة، يتهجّاه ويرويه، هو عالم النسب الأبوي الذي أُلحِق به عنوة أو استعيد إليه، ليمحو الزمنَ والوقتَ وحياتَهُ السابقة ويميتها، و”لأُبعثَ حيًّا حين استردّني أبي (أو من يفترضُ أنه أبي) إلى أهلي”، يقول الراوي الولد والروائي معه ربما. ويضيف الولد أن “الوقت الذي مضى بين ولادتي (الطبيعية) وعودتي إليهم (أي أهل والدي ونسبهم)، يرونه سرقةً على حين غرّة لم يحتسبوها. وما أودعوه منهم فيَّ”، أي جبلتهم ونسبهم، “خالوا أنه مقيم فيَّ على طبيعةٍ لا تحول، ولا يؤثر فيها غيرهم أثرًا”. أما “ما علق بي واستوطنني من أخلاق أهلي الآخرين”، أي الأم وأهلها، فحَملَهم على “إنكار بنوّتي، ونسبوا أخلاقي الهجينة إلى أولئك الذين يحسبونهم أدنى مرتبةً في الأهلية، أي الكفاءة والنسب معًا”.

اقرأ أيضاً: وضاح شرارة: أكتب ببطء وأتساءل دائماً: «هل ورطتني الكتابة»؟

والأرجح أن عنوان الرواية – “أمس اليوم”، أو الأمس المقيم وحده ثابتًا في اليوم والزمن، أو الأمس الذي يمحو أو يجبُّ ما بعده، لا ينقضي، وهو رماد الوقت، أي الأنساب الثابتة وتوقيفها الزمن وتعليقه – يصدر عن هذا التوقيف أو التطهير، ومطاردة أشباح التجدّد والحدوث، التي تجعل التاريخ والاجتماع والحياة والرواية، مستنقعًا آسنًا، على خلاف ما ترويه “أمس اليوم”.

وكان سبق لوضّاح شرارة أن وسم كتابًا له عن بيروت بـ”المدينة الموقوفة بين القرابة والإقامة” في زمن الحروب التي أرادت، في وجه من وجوهها، تقويض هجنتها وأخلاطها وإعادتها إلى هويتها ونسبها الأهليين المزعومين. وها هي بيروت اليوم تسترسلُ، عودًا إلى بدء، في استنقاعها الآسن.

أما في “أمس اليوم”، فـ”يعالج” الولد الراوي، والأرجح الروائي معه ومن ورائه، تلك القطيعة أو “الوقت الذي لا ينقضي” والموقوف، برواية تنزع عن الزمن توقيفه واستنقاعه في عالم النسب.

والنسب أبويٌ، ولا نسبَ سواه، أصلًا وفصلًا ووصلًاً وانقطاعًا وتعريفًا، في الاجتماع والثقافة العربيين، وكذلك في إرادة والد الراوي الثأرية من عالم الأم، أمّ الولد، والذي انتزعه أو أسره منه وألحقه بديار نسبه الأصلي. لكن ليس استثناءً ولا غريبًا، بل أمرٌ عادي وطبيعيٌ، أن تتولى نساء عائلة الأب، لا رجالها، رعاية عالم النسب الأبوي المتقادم والمتأرِّث في الزمن والمكان، وراسم هويتهما وحدودهما، وليس من زمنٍ ومكانٍ وحدودٍ إلا بالنسب.

وفي “أمس اليوم” سرعان ما يختفي الأب أو يغيب عن مسرح الرواية، بعدما يسلّم ابنه الطفل لنساء عائلته، اللواتي تبدو عمته فاطمة، العازبة والمتقدّمة في السن، أكثر انهماكًا بأشواط من نساء العائلة ورجالها في شؤون النسب وشجونه، إحيائه وتكريسه هويةً للزمن والمكان. فهي حافظةُ النسب والخبر عنه، ومطلعةُ الولد عليه ومعرّفته به. وهي من تتلو آيات نسب عائلتها على مثال خرافي، أسطوري وديني، يبلغ حدّ القصص التوراتي في رواية الخلق والخليقة. فـ”في أيامٍ قليلة قضيتها في البلدة الكبيرة – يروي الولد – لم يسلم واحد أو واحدة من الذين نراهم أو نمر بهم أو نلمحهم من بعيد، من تعريفه بنسبته العائلية ومكانه من شجرتها الوارفة، وجذورها الضاربة في قِدَمٍ يضاهي عمر الخليقة (…) على ضفتي النهر العريض الذي تجري فيه وقائع الخلق وأحوالهم ومصائرهم (…) وعائلتنا في رواية فاطمة المأذونة (…) أننا بيت عمارة في كل مكان من أمكنة الأرض” التي تتوارد قاراتها وبلدانها وجهاتها كلها في رواية العمة. لكن الراوي يستدرك متنبّهًا إلى أنّ عمته فاطمة تجمح في روايتها العائلية النسبية إلى أقاصي الأرض والخليقة، عندما تضطرها “خشيتها من أن يُظنّ أن عائلة أخرى في البلدة تتفوّق في “إثبات” صدارتها على عائلتها التي “من ثلاثة أجيال (…هي) صورة العالم المأهول وأركانه وأوتاده”.

وعالمٌ على هذين الصورة والمثال هو العالم الذي أراد “الرجل الناحل المظلم الوجه المرتجف الشفتين المنشقتين عن أسنان صُفرٍ كبيرة”، إعادةُ ولده الصغير إليه، كأنه يستجيب إرادة عليا فوق إرادته، هي إرادة النسب الثأرية التي انطبقت انطباق المصيدة على الحيوان المذعور (أي ابنه) ووقوعه في فخ فات أوان التملُّص منه”. وهذا قبل أن يسمع الولدُ إياه من يَفترضه والده، يشتم أمه، أي أم الإبن، ويبلّغه أن “زوج (الأم) الثاني، التوتو، أكلها وابتلعها، فلم يبقَ بعدُ ما يناديه الولدُ (يا أمي)، ولا جدوى من التعلّق بالنداء”. أما عمُّ الولد الذي يراقب هذا المشهد، فـ”خرج عن مراقبته المشفقة، ورجا أخاه بصوتٍ عاتب: بلاها! شو بدّك فيها!”، أي الأم إياها. والأرجح أن عبارة العمّ هذه تنطوي على اللوم قدر انطوائها على الحط من قدر المرأة – الأم وشأنها في ميزان شرف الرجولة الذي عليه ألاّ يتورّط في صغائر أفعال النساء. وقد لا يبعدُ أيضًا أن تحمل كلمة “بلاها” هنا، إلى معنى الإهمال والترك والتخلي، معاني البلى والابتلاء والبلوى، وصولًا إلى الموت.

مشاهد الرغبات الغامضة

لكن ولدَ “أمس اليوم” وراويها، رغم حاله هذه، لا يعيش في ديار أهل أبيه ونسبه على هذه الحال، أي حال مكابدته أسرِه وغربته وانتزاعه عنوةً من عالم أمه الذي تسكتُ عنه الرواية سكوتًا تامًا تقريبًا. بل إن الولد ينصرفُ انصرافًا كاملًا إلى اكتشاف عالمه الجديد وروايته رواية بصريّة وحسّية، فور ما تأخذُ ابنةَ عمه مها بيده وتسوقه إلى “حجرةٍ صغيرة معتمةٍ”: “هيدا كله إسمه إنْ (قن)، إنْ دجاج وصيصان وكم ديك”. ثم تروح تعرّفه على من تكون ومن يكون: “إنت ابن عمي عبدالله، نزار، وأنا بنت عمك، مها، بيّي كريم، نمتْ إنت وعمي عبدالله هنا بالبيت بالرواحنة مبارح… تعا تَ فرجيك ع الإرأة (الدجاجة التي تحضن البيض)  بالأوضة التحتانية”. والدجاجة هذه تخفق فيها- حسب الراوي والروائي- “أسرار حضانة الحياة وإنضاجها وراء قشور البيض الصفيقة الملساء”. وفي قنّ الدجاج تنسرح مخيلة الراوي مهوّمةً، فيلمحُ مها بنظرة جانبية، “على رأسها إكليل عروس وطبقات دانتيل أبيض (…) وعلى الوجه والعنق، إلى الصدر والكتفين، خمارٌ من شبكٍ دقيق يحجب قسمات العروس الفتيّة”. وسرعان ما يسترسل التهويم في مخيلة الولد الراوي، فإذا بـ”عالية، زميلتي في المدرسة، هي عروسي وأنا عريسها في تمثيلية حفل آخر السنة المدرسية. والأرجح أن ما يهوّمُ ويختلط في هذا المشهد، صورٌ من صندوق الفرجة الذي كان يحمله في خمسينات القرن العشرين رجال غرباء إلى القرى، منادين على الأولاد: “تعا تفرج سلام على بنت السلطان… الخ”.

ومن القبو أو الأرضية برفقة مها وتلك الرغبات الغامضة وتهايمها، يصعد الراوي في نهاية الفصل الأول من الرواية إلى التتخيتة، برفقة أخته مروة، في بيتٍ إلى جوار بيت عمّه في بلدة الرواحنة، حيث “آخى بيننا الضحك واللعب والتآمر في غياب الأهل” في عزلة التتخيتة وركام مهملاتها. وإذ يكتشف الراوي وأخته مخلوقاتٍ صغيرة لزجة، غامضة وغريبة، يسترسلان في لعبهما بها حتى أقاصي اللعب المجاني والاكتشاف. ويتفقان على تسمية هذه المخلوقات جلابيط فئران أو قطط، فيضعانها في سطل به سائل عكر، ويروحان يلعبان بها، كأنما بقيح الحياة ووسخها في رحمٍ يلعبان، فيما “انحسر ثوب (الأخت اللاعبة) إلى آخر فخذيها، فظهر لباسها الداخلي لصيقًا ببطنها المتكوّرة وبنتوءِ ما بين فخذيها نتوءًا خفيفًا”. وأخيرًا ضرب الولد الراوي الجلابيط في السطل بعصًا، فتطايرت شذرات السائل “وبلّلت وجهينا ورأسينا، وأصاب بعضها شفتيَّ وشفتي مروة (الأخت)، وأحسستُ بمذاق الوحل، وشممتُ رائحة بولٍ وعفنٍ (…) بينما مروة تمضي على خبطها في السطل، وهي تغنّي من غير كلمات. (…) وأخرجْنا قيئًا متدفقًا وغليظًا، وحلَّ في رأسي ووجهي وأعضائي خدرٌ وإعياء لذيذان تغلّبا على قرفي، وحسبتُ أنني تخفّفتُ من عبء لا يُحتمل”. هل ينطوي هذا المشهد الغريب الغامض على تحقق رغباتٍ طفلية أشدُّ غموضًا من المشهد نفسه؟ هذا إضافةً إلى أن العبء الذي تخفّف منه الراوي، قد يكون حضور الأهل والنسب.

وغرفة الغسيل المنزوية في بيت عم الرّاوي، مسرح ثالث لرغباتٍ محمومة في وضوحها، أثناء لعبه الغميضة مع بنتي العم، ومنهما سناء التي “ركضت نحوي (…) وارتمت بصدرها عليَّ، ودفعتني بيديها وصدرها وبطنها وركبتها إلى داخل غرفة الغسيل، وأغلقت بابها، قبل أن أعي ما تفعل (…) ولم يبقَ موضع مني لم أحس فيه ضمها وضمي، ووطأة نعومتها الحارة وطلبها الدخول في جسمي وطلبي الدخول في جلدها (…) ومرّغتُ خديّ وأنفي وشفتيَّ على صدرها وكتفيها وعنقها وأذنيها وشعرها، على عري الجلد وأطراف الثياب”. ويستمر هذا المشهد على لهاثه المحموم مدى صفحات ثلاثة من الفصل الثالث من الرواية، يختتمها الراوي بـ”الإرهاق الذي ينفذ إلى مواضع الجسم كلها، ويلوكها إلى أن يتركها أجزاء متفرقة وتالفة”، بعدما “غلب التلاحم والتشابك التعب والإحباط. فلعبنا بعض الوقت، من غير أن يتفوّه أحدنا بحرفٍ واحد، لعبًا لا نعرف اسمًا له”.

لكن مشهد الرغبات الرابع – وهو يسبق في الرواية مشهد سناء – “نجمته البنت نهلة، ومسرحه لعبٌ جماعي علني في “دار الشيخ كاظم (والدها) وسطح البئر والفسحة العريضة” الجانبية. ونهلة “السريعة الحركة والركض لا تهاب لا المحاذاة ولا الالتصاق العابر” بأجسام اللاعبين الأولاد الذكور. لكنها، “بسياستها” اللعبيّة العاطفية الحكيمة حكمة لاهية مصدرها عفوية اللعب، تحول بينهم وبين التمادي في التصاقهم بجسمها المشرّع لكل منهم على قدم المساواة. وفي “انشغالها بالتأليف بيننا – يروي الراوي – والتحكيم في منازعاتنا” لا “يلوح منها ما قد يؤِّوله واحدنا تخصيصًا له بالاهتمام أو انصرافًا إليه دون غيره. ولعلَّ مساواتنا كلنا بلطفٍ عمومي واحد، ومعالجتها خلافاتنا بقوانين مجرّدة تنطق بها، جنّبانا غيرةً نهمةً كانت لتأكلنا، لو توهّم أحدنا أنها تهوى فلانًا” من اللاعبين وتخصه وحده أو تميّزه في هواها إياه.

والبنت هذه التي تترك جسمها مشرّعًا لملامسات رغبات اللاعبين المتساوية، وتحكّم في منازعاتهم تحكيمًا لا يشوبه تمييز بينهم، ألا تجسّدُ فكرة الدولة الغائبة في ثقافتنا واجتماعنا وحياتنا السياسية؟ ونهلة هذه “حين تزوّجت، غداة 15 سنة على لعبنا، اختارت رجلًا يكبرها بأعوام، ولم يشاركنا يومًا” لعبنا. وهو رجل “لا يشبهها بشيءٍ ولم يلعب يومًا في طفولته ولا في صباه”. وكأن هذه الجملة الأخيرة تنطوي على معانٍ كثيرة، قد تكون متعارضة: كانت نهلة “عادلة” حقًا في مساواتها بين الأولاد ورغباتهم في تحسُّسِ جسمها، فلم تمِلْ إلى أيّ منهم ميلًا خاصًا أو مميّزًا، ولا تزوّجت أيًا منهم، بل تزوجت رجلًا غريبًا، ومن خارج دائرة النسب والقرابة. لكن الزواج، زواجها، يفارقُ المعاشرة واللعب، ويقيم قطيعةً معهما. وقد يكون هذا من طبيعة حياة البشر، تحوّلاتها وتقلّباتها، في مراحل أعمارهم.

الرواية وتعليق الرأي

و”أمس اليوم”، فيما هي تروي عالم النسب والإرث من داخله، تجعل هوامشه السرّية متنًا أساسيًا للرواية، فإذا بتلك الهوامش عالم يضجّ بالحياة والرغبات والتجارب والخبرات التي تناقضُ عالم النسب، جموده وثباته، وتعليق الزمن والأوقات.

وتكاد لغة الرواية أن تكون تارةً عارية، كما في الشعر الجاهلي، عندما كانت اللغة لصيقةً بمادتها ومخيلتها وعالمها. وطورًا لغة سيّالة متدافعة متدفقة في استقبالها مشاهد العالم والبشر في الحواس والوعي. وينطوي أسلوب السرد “أمس اليوم” على تمرين في العلاقة بين إيماءات الوجوه والحركات والانفعالات الجسمانية الآنية العابرة، ووقعها الانطباعي في المشاعر والذهن والوعي، وتقصي معانيها أو دلالاتها الشعورية والحسّية المحتملة أو الاحتمالية. ولغة السرد بدورها لغة مادية، تحملُ أفعال البشر، دوافعهم ورغباتهم وأحوالهم، على وجوه متدافعة ومتعارضة، مشرّعة على التخييل والتهويم. وهي في هذا تجعل الأحاسيس والانفعالات والحركات والملامسات والنظرات والأوقات الدقيقة الغامضة، والتي غالبًا ما لا تسمى، ولم تعثر بعدُ على اسمٍ وصفةٍ ومعنىً، مدارًا للقصّ والرواية. وذلك بلا دراما، بل اقتفاء أثر عالم النسب، فيما هو يذوي، قبل انبعاثه بعد عقودٍ قليلة، حيًّا ومدمرًا.

وفي مطالع الفصل الخامس والأخير في “أمس اليوم”، يشرح الراوي الولد، والأرجح الروائي معه وبعده، يشرحان كيف يتكلم جدُّ الولد ويروي أخبار بعض الناس في البلدة، ويقول رايه فيهم وفي أحوالهم وأخبارهم ومادتها وطريقة روايتها. ولكن رأيه، رأي الجد، في هذا كله – يقول الراوي والروائي – “قد يكون أقرب إلى تعليق الرأي”. وهو في هذا “يصف أمورًا عادية وكبيرة أو استثنائية كثيرة. وتحفّظه في معظم المسائل، تردّده في نطقه بجملة مباشرة، وتطويله تركيب جملته، واعتراضها ما وسعه الاعتراض بجملٍ فرعية واستطرادات متداخلة يعصى سامعه تعقّب متعلقاتها. وهذه كلها كانت تدعو فاطمة، ابنته، (وتدعوه هو صاحب هذه الجمل، أي جدّ الراوي) في بعض الأوقات، إلى اليأس من فهم ما يريدُه، والشك في إرادته شيئًا أو في رغبته في الإعراب عن إرادة” وينطوي هذا الوصف للخبر واللغة والرواية والرأي، على وصف ضمني لأسلوب القصّ والسرد في رواية “أمس اليوم”. الرواية، كل رواية، من شروطها تعليق الرأي والأحكام في أفعال البشر ومصائرهم.

السابق
وضاح شرارة: أكتب ببطء وأتساءل دائماً: «هل ورطتني الكتابة»؟
التالي
نواب يقاطعون جلسة الاستشارات.. وميقاتي يدعو للتفاؤل