لبنان يتطلّع لخروج ملف الحدود البحرية من «شِباكِ» صراعِ الخطوط والخرائط!

الحدود البحرية

دَخَلَ لبنان أسبوعاً سيتّضح معه الخيطُ الأبيض من الأسْود في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل العالق بـ «شِباكِ» صراعِ الخطوط والخرائط، كما في استحقاق تشكيلِ الحكومة الجديدة الذي يُخشى أن يبقى أسيرَ اشتباكاتٍ سياسيةٍ وترسيماتٍ ذات صلة بالانتخابات الرئاسية.

وينقسم الأسبوع اللبناني نصفان: أوّله تحتل الحيزَ الرئيسيّ فيه زيارةُ الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لبيروت اليوم وغداً وسط رصْدٍ لِما سيُبلغه إليه كبار المسؤولين وهل سيبقى متاحاً أمامهم إبقاء الباب موارَباً أمام «اللعب» على خطِّ ترسيمٍ قانونيّ (23) وآخَر تفاوضي (29)، وهل إطلاق تل أبيب مسار استخراج الغاز من حقل كاريش أَفْقَدَ بيروت ورقة ضغط أرادتْها لضمان كامل منطقة النزاع «الأصلية» (بين الخطين 1 و23) بمساحة 860 كيلومتراً مربعاً أو أقلّه الحصول على كل حقل قانا، أم أن تهديدَ «حزب الله» لإسرائيل وسفينة «انرجين باور» وطرْحه معادلة وقف الإنتاج في كاريش فوراً ومغادرة المنصة العائمة بانتظار انتهاء المفاوضات أعاد «توازن الردع»، وهل ستعتمد «بلاد الأرز» المقاربة التي أرساها السيد حسن نصر الله في هذا السياق.

أما النصف الثاني من الأسبوع، فيفترض أن يحمل «انقشاعاً في الرؤية» حيال مآل الملف الحكومي، بدءاً من تحديد رئيس الجمهورية ميشال عون موعداً للاستشارات النيابية المُلْزِمة لتكليف شخصية تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، في ظل تَرَقُّب لِما إذا كان سيُصار إلى فصْل مساريْ التكليف والتأليف وفق ما يقتضيه الدستور أم استرهان الأول للشروط والشروط المضادة التي بدأت تضجّ بها الكواليس وبعضها «يُنشر على السطوح».

وفي ما خص وساطة هوكتشاين الذي استعجله لبنان المجيء، بعد وصول «انرجين باور» إلى حقل كاريش الذي كانت بيروت أعلنتْه في رسالة إلى الأمم المتحدة متنازَعاً عليه (كون قسم منه يقع ضمن الخط 29 غير الموثّق لبنانياً لدى المنظمة الدولية)، يسود انتظار للجواب الذي سيقدّمه المسؤولون حول مقترح الحل الذي سبق أن أودعه الوسيط الأميركي إبان زيارته قبل نحو 4 أشهر ويقوم على الخط المتعرّج الذي يمنح لبنان مساحة أكبر بما بين 50 و80 كيلومتراً عن تلك التي أعطاه إياها خط فريديريك هوف (قسم منطقة الـ 860 كيلومتراً بنسبة 55 في المئة للبنان و45 في المئة لإسرائيل)، والذي تعتبر بيروت أنه غير كافٍ ويقتطع جزءاً من البلوك 8 «اللبناني الهوية» وفق الخط 23 من دون أن يضمن كل حقل قانا.

 طهران مستعدة للتعاون مع لبنان باستثمار ثرواته النفطية والغازية

وفي حين لا يبدو أن رئيس البرلمان نبيه بري راضٍ عن أيّ مسار يُشتمّ منه تفاوُض ولو «على قطرة مياه» من المنطقة المتنازع عليها (بين الخطين 1 و23) أو نقل للتفاوض من الترسيم فوق الماء إلى تقاسُم الحقول تحتها، كشف الخبير النفطي قاسم الغريّب «أن سفينة الحفر التي تحفر الآن في كاريش الرئيسي KM-04) ) بمحاذاة الخط اللبناني 29 ستنتقل الى شمال كاريش (داخل الخط 29) لتحويل البئر KN-01 الى بئر انتاج»، معتبراً «أن على لبنان العمل على تعهّد أميركي بمنعها من ذلك وإعلان ذلك من قبل شركة إنرجين قبل كلّ محادثات».

وكشف غريب «ان هوكشتاين قد يعمل على الربط المباشر أو الناعم بين ضخّ الغاز من مصر عبر سورية واستجرار الكهرباء من الأردن من جهة (إلى لبنان) وبين تمرير العمل بكاريش بانتظار الوصول الى حلّ للترسيم.

إقرأ أيضاً: «زودة الحد الادنى طارت قبل أن تحط»..البنزين على مشارف الـ700 الف ليرة!

هذا يضع حقل كاريش والنزاع عليه وراءنا مقابل فُتات»، ولافتاً إلى أن الوسيط الأميركي «قد يعمل أيضاً على إخراج كاريش من المعادلة عبر الوعد بدفع شركة توتال للبدء بالحفر في أقصى شمال البلوك رقم 9 (اللبناني)، هذا قد يحدث عبر إصدار بيان رسمي لبناني يتحدّث عن كلّ شيء إلّا عن كاريش كغضّ نظر عن العمل فيه يستخدمه الوسيط والعدوّ لاحقاً».

كما لفت إلى «أن العدوّ أعلن عن دورة التراخيص الرابعة التي تشمل بلوكات بين الخطّين البائد المشكوك المنشأ 23 والخط 29، وعلى لبنان طرح الأمر على هوكشتاين للطعن بهذه الخطوة ووقْفها وإرسال رسالة الى الأمم المتحدة فوراً للاعتراض على ذلك».

وفي موازاة ذلك، بَرَزَ دخول طهران على خط ملف النزاع البحري مع اسرائيل، إذ أعلن السفير الإيراني في بيروت محمد جلال فيروزنيا «حق لبنان المشروع والعادل في استثمار ثرواته النفطية والغازية في مياهه، والجمهورية الإسلامية الإيرانية مستعدة للتعاون مع لبنان في هذا المجال، الذي يُشكّل بارقة أمل لخروجه من المصاعب الاقتصادية التي يُعانيها حالياً»، مشدداً على «استعداد إيران الدائم في التعاون الثنائي البنّاء في المجالات الصحية والعلاجية والاستشفائية وفي سائر المجالات الحيوية الأخرى التي تهمّ لبنان في هذه المرحلة»، ومذكّراً بأن بلاده «وقفت على الدوام إلى جانب لبنان الصديق والشقيق في كل الظروف داعمة ومؤازرة له، حكومة وشعباً وجيشاً ومقاومة، بكل طاقاتها وإمكاناتها».

الحكومة… «شروط وقحة»

وفي الملف الحكومي الذي يُفترض أن يقفز إلى الصدارة بعد مغادرة هوكشتاين بيروت، لم يكن عابراً ما نُقل عن مصادر وثيقة الصلة برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، «المرشح الطبيعي» لرئاسة الحكومة والذي لا يبدو متحمساً لخوض التجربة الحكومية الرابعة، ويتهيّب الموقف بالنظر الى التحديات الكثيرة الحالية والمتوقعة الداهمة.

ونقلت اوساط محسوبة على ميقاتي، «جملة معطيات وأسباب للقبول بالمهمة او رفضها، في حال سمّاه مجلس النواب»، وهي معطيات عكستْ أن تفاوض «خلف الجدران»، المباشر أو بالتسريبات، بدأ مع ميقاتي الذي يرفض استدراجه إلى تأليف قبل التكليف، وفي الوقت نفسه يبحث عن ضماناتٍ كي لا تكون «مهمته انتحارية» بل تكمل ما بدأه منذ سبتمبر 2021 خصوصاً لجهة وضع لبنان على سكة إبرام اتفاق أولي مع صندوق النقد الدولي.

ميقاتي متمسك بالأصول الدستورية في عملية تشكيل الحكومة وتسمية الوزراء والتي تقتضي التشاور مع رئيس الجمهورية

وإذ اعتبر ميقاتي، وفق هذه المصادر، «ان مشاريع القوانين الإصلاحية التي سبق أن أرسلتْها الحكومة إلى البرلمان تقتضي متابعتها بالسرعة المطلوبة كشرط أساسي لإبرام الاتفاق النهائي مع صندوق النقد، وبالتالي اذا لم تكن هناك نية مسبقة لدى جميع الاطراف الاساسية الممثلة في البرلمان للتعاون في انجاز هذه المشاريع، فلا جدوى من تولي مسؤولية محكومة سلفاً بالفشل»، أكد في إشارة إلى رفض بقاء حقيبة الطاقة مع فريق التيار الوطني الحر (حزب عون) «أن ملف الكهرباء علة العلل والسبب الاساسي في المديونية العامة، وبالتالي لن يقبل باستمرار فريق واحد في الامساك بهذا الملف رغم الفشل المتكرر في ادارته وحله، ولن يقبل بأن يفرض احد شروطه في هذا المجال».

وفي ما بدا غمزاً من «التيار الحر» الذي سُرِّب أنه يرغب بحكومة سياسية لملاقاة أي فراغ رئاسي، يتمثل فيها بثلاث حقائب هي الطاقة والعدل والخارجية وأن رئيسه جبران باسيل يريدها لنفسه، نقلت المصادر عن ميقاتي تشديده على التمسك «بالأصول الدستورية في عملية تشكيل الحكومة وتسمية الوزراء، والتي تقتضي التشاور مع رئيس الجمهورية»، وبالتالي فهو لن يقبل بأن يُملي عليه أحد ما يجب فعله وما لا يجب فعله، خصوصاً أن المؤشرات الاولية التي وصلتْه مباشرة او بالايحاءات والتسريبات، تثبت ان البعض يعيش على كوكب آخر ويرفض معايشة الواقع، ويعتبر الوضع الحالي سيجعل أيّ رئيس حكومة يقبل بشروط هذا البعض، والتي أقل ما يُقال فيها «أنها وقحة أو غير منطقية».

السابق
الطاقة والردع على حدود لبنان البحريّة!
التالي
«تسخين أجواء» إسرائيلي مع قدوم هوكشتاين..و«عض أصابع» حكومي بين ميقاتي وباسيل!