الفطر في لبنان لن ينكّس فرحَه..كأنه وقت مستقطَع!

عيد الفطر
في مسرحية دواليب الهوى للأخوين رحباني، يدور نقاشٌ بين الساهرين حول الإسم الذي سيختاره أهل القرية لعيدهم السنوي لأن «ما بيسوى ضيعة بلا عيد»... ومن عيد الغناني، وعيد الحلا والقمر والسهر إلى عيد الزيتون وعيد النبعة وصولاً إلى عيد دواليب الهوا، كانت الأعيادُ فرحةَ اللبنانيين أيام العز والإزدهار والمهرجانات الدولية في بعلبك والأرز.

وجاءت الحرب لكن اللبنانيين أبوا إلا أن تبقى أعيادهم قائمة، وهم اعتادوا خلال سنوات الاقتتال إستذكار المتنبي ببيت الشعر «عيد بأي حال عدتَ يا عيد».

ففي زمن الحرب الطويلة، تحوّل العيد أياً كانت هويته الدينية أو الوطنية، محطةَ فرحٍ وسلام، للمقيمين في عتمة الملاجىء وخلْف الأسوار الترابية والحواجز، وفي البيوت والمدارس، المتنقّلين المهجّرين قسراً من بيوتهم، والمُغادرين الهاربين من لبنان وجحيم الحرب.

كانت المَدافع تصمت خلال الأعياد… الميلاد ورأس السنة، تماماً كما الفيلم الأوروبي عن هدنة فرضها المتقاتلون بحفلة غناء أناشيد الميلاد بين الجيوش الأعداء، الألماني من جهة ومن جهة أخرى الجيشان الفرنسي والانكليزي ليلة الميلاد. كما عيد الفطر والأضحى، عيد الفصح، وعيد الإستقلال والعلم، وذكرى شهداء المشانق العثمانية قبل أن يصبح ذكرى شهداء الصحافة. لكل عيد نكهة سياسية وأمنية، ولاحقاً اجتماعية حين أصبحت له مظاهره الإعلامية في إقامة إحتفالات أو وحملات دعم إجتماعية وبرامج تأمين مساعدات مالية للأشد فقراً وعوزاً.

بعد الحرب صارت للأعياد معان أخرى. مطربون عرب ومغنّون لبنانيون يحتفلون بالفطر أو الأضحى في حفلاتٍ تملأ إعلاناتُها طرقَ لبنان، وسهراتُ أناشيد طربية تصاحب ليالي رمضان وخِيَمها التي تحوّلت مقصداً من دول مجاورة، وأناشيد دينية في بيروت ترافق عيد الميلاد.

لم يصدف ان عرفت برامج التلفزيون والبحث عن مساعدات هذا الاهتمام الذي عرفتْه في العامين الأخيريْن مع ارتفاع حاجات الناس والعوز

لكل عيد حظوته واللبنانيون يحبون الأعياد وإحتفالاتها. من بابا نويل إلى أرجوحة العيد وحرش بيروت الذي كان يمتلىء بأهازيج الأطفال وصراخهم. في عيد الشعانين واجهاتُ المحال التجارية ترفل بالأبيض وشموع العيد، وفي أعياد الحب تتحوّل الواجهات إلى الأحمر والورود التي تملأ منازل العشاق. إزدهرت محال الحلويات وعادت إعلانات الحلو العربي والتفنن بإعلاناته من جونيه إلى طرابلس وصيدا، إلى أسواق المطيبات والحلويات الغربية وصعود نجم المطابخ الغربية والمطاعم المزدهرة.

تغنّي فيروز «بهالعيد بدي قدم هدية لا ذهب ولا ورود جورية، طالع عابالي ضم زهرة وقلب وقدمن للعيد عيدية». كثرت أغنيات الأعياد عن الحب والحياة ولبنان والمناسبات الدينية والوطنية. إلى هذا الحد، كان للعيد أيامه الفرحة وإحتفالاته، التي زادتها أيام السلم رهجةً وإحتفالات دائمة. رحلات سفر وإعلانات عن حفلات الأعياد خارج لبنان، وعن حفلات شتوية وصيفية في الأعياد والمناسبات، مهما كانت هوية العيد.

مع بداية مرحلة الانهيار منذ 2019، بدأت الهواجسُ تخيّم على أعياد اللبنانيين. صودف الميلاد ورأس السنة أولى الأعياد بعد تظاهرات 17 أكتوبر، فحاول اللبنانيون القفز فوق الهواجس. رقص الثوار وإحتفلوا في ساحات بيروت وطرابلس، زيّنوا شجر العيد، واستقبلوا رأس السنة بالمفرقعات والأغنيات. لكن وباء كورونا كان بالمرصاد، وتدريجاً بدأ وباءٌ من نوع آخَر يطلّ برأسه. انهارت الليرة، وإرتفع سعر الدولار، وعاشت مواسم الأعياد قحطاً غير مسبوق.

لم يصدف ان عرفت برامج التلفزيون والبحث عن مساعدات هذا الاهتمام الذي عرفتْه في العامين الأخيريْن مع ارتفاع حاجات الناس والعوز، والكلام عن موائد طعام الأعياد والصيام مع الإرتفاع الجنوني لأسعار المنتجات والحلويات والشوكولا والمطيبات.

إقرأ أيضاً: خاص «جنوبية»: حزب الله «يُجنّد» 18 الف جنوبي كمندوبين إنتخابيين وناخبين له!

اليوم وللأسبوع الثالث يعيش اللبنانيون فرحة الأعياد. فبعد عيدي الفصح لدى الطوائف التي تتبع التقويم الغربي والشرقي يأتي عيد الفطر، في ذروة الإنهيار الإقتصادي. لكن تَعايُش اللبنانيين مع الأزمات، أعطى مفعولاً إيجابياً في مرحلةٍ كان يفترض أن يُسجَّل فيها إنحدار غير مسبوق نحو الفقر المدقع. ويعود السبب في إبقاء اللبنانيين على وفاق مع أعيادهم وفرحها، في جزء أساسي منه للمغتربين والمقيمين خارج لبنان.

في ثلاثة أسابيع، ارتفعت حجوزات الطيران إلى لبنان ولا سيما من أوروبا والدول العربية. عائلاتٌ بكاملها أمّت لبنان لتمضية الأعياد، وعائلات أيضاً غادرته وأكثريتها نحو الدول العربية حيث يقيم الأباء أو الأبناء. هذه الرحلات المتبادلة، عكست نوعاً من الإستقرار الإقتصادي، لأنها أظهرت حجم الدعم المالي الذي يقدّمه المقيمون في الخارج لعائلاتهم.

شركات سيارات الأجرة وإستئجار السيارات، إستعادت نشاطها في الأسابيع الأخيرة نتيجة إرتفاع الطلب عليها، وغصت مطاعم بيروت والجبال بلبنانيين آتين من الخارج، بعدما ساهم فارق سعر الدولار بزيادة الطلب على الحجوزات. ونشطت محال الحلويات، ومعمول العيد وأطايب الفصح ورمضان رغم ان الأزمة الإقتصادية رفعت سعر كيلو المعمول وهو من الحلويات التي تصاحب الأعياد إلى ما بين 25 و30 دولاراً للكيلو الواحد، ما يوازي 700 ألف ليرة أي ما يقارب الحد الأدنى للأجور. في موازاة ذلك عادت سيدات لبنانيات إلى تحضير كعك العيد وأطايبه في المنزل رغم إرتفاع اسعار المشتقات الأولية.

ساهمت أموال المغتربين في هذه المرحلة في تقطيع وقت العائلات والتعويض عليها ببعض أيام الفرح والهدايا ودعوات إلى المطاعم، حيث راوحت الأسعار بين 400 الى 600 ألف ليرة للشخص الواحد. ومع ذلك شهدت مرحلة الأعياد زحمةَ سير خانقة، وعادت مطاعم المجمعات التجارية لتغص بروادها بعد سنتين من التعطيل نتيجة كورونا والأزمة المعيشية.

لكن هذه العجقة ظلتْ محكومةً بإعتباراتِ تأمينِ المتطلبات الأساسية، أي الطعام والحاجات الأساسية، بعد إرتفاعٍ جنوني لأسعار الخضار والفاكهة. وفي المقابل إنحسرت حركة الأسواق التجارية ولا سيما الهدايا والألبسة. فمع إرتفاع أسعار ألعاب الأطفال وملابسهم، ركدت الحركة التجارية وتحوّلت إلى محال التجزئة، التي شهدت منذ أسابيع أي مع الإحتفال بالشعانين الذي يشتري به الأهل ملابس جديدة لأطفالهم، والفطر، عجقةً غير إعتيادية.

في الأيام المقبلة سيكون اللبنانيون على موعد مع فرح جديد أبناء يعودون إلى بيروت لتمضية العطلة وعائلات تغادر إلى حيث يعمل أربابها في الخارج

صحيح أن لبنان في هذه المرحلة يشهد تفاوتاً بين صورة المطاعم الممتلئة والحركة السياحية الجزئية في بعض الأمكنة المقصودة، إلا أن ذلك لا يمنع حقيقة أن أوضاع أكثرية اللبنانيين تقارب العجز الحقيقي عن تأمين أدنى المتطلبات الحياتية وسط إرتفاعٍ جنوني لأسعار المحروقات والتغذية الكهربائية عبر المولدات.

لكن مع ذلك هناك مكان دائماً للفرح في الأعياد اللبنانية التي تنطلق من انها أعياد عائلية بالدرجة الأولى.

وفي الأيام المقبلة سيكون اللبنانيون على موعد مع فرح جديد. أبناء يعودون إلى بيروت لتمضية العطلة، وعائلات تغادر إلى حيث يعمل أربابها في الخارج. والمقيمون هنا، سيكونون على موعد مع موسم البحر أو المشي على كورنيش بيروت وصيدا وطرابلس، أو يعودون إلى قراهم وبلداتهم، والعجقة عجقتان حالياً، واحدة للعيد وأخرى للتحضير للإنتخابات، وكلاهما يشكلان بالنسبة إلى اللبنانيين محطة من خارج اليوميات المألوفة المعجونة بأخبار الانهيار ومتمماته.

السابق
التعقيدات اللوجستية تصعب إنتخابات المغتربين..وفرنجية يُلمّح إلى «وعد رئاسي» من نصرالله!
التالي
الإتفاق النووي إلى النقطة النهائية..أو الإخراج الأخير!