الإتفاق النووي إلى النقطة النهائية..أو الإخراج الأخير!

الجنرال مارك ميلي

علمت «الراي» من مصادر إيرانية مسؤولة، أن «الاتفاق النووي بين إيران وأميركا، أصبح جاهزاً بعد أن تم التوافق على النقاط كافة، بما فيها رفع الحرس الثوري عن لائحة العقوبات الأميركية، مع الإبقاء على «فيلق القدس»، بعد موافقة ولي الفقيه السيد علي خامنئي».

وكان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي، قال أمام لجنة في مجلس الشيوخ الشهر الماضي، إنه «يُعارض شخصياً شطب قوة القدس عن لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية».

علماً أن واشنطن كانت أدرجت المنظمة التابعة للحرس الثوري على لائحة الإرهاب عام 2017. وكذلك فعلت إسرائيل، التي اعترضت بشدة على التوجه لشطب قوة الحرس الثوري ككل من لائحة الإرهاب. وقد أثار الأمر، رئيس الوزراء نفتالي بينيت مع الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن.

وتقول المصادر الإيرانية القيادية، التي لعبت دوراً مهماً في المفاوضات، انه «بعد التشاور مع ولي الفقيه وأخذ موافقته، سيكون في الإمكان التوجه نحو الاتفاق النووي لإنهاء الصياغة النهائية، خصوصاً أن أميركا لم تعد تطيق إبقاء إيران خارج سوق النفط والغاز، بالإضافة إلى إمكانية رفع المعاناة عن أسواق الطاقة لتخفيف الأضرار التي نتجت عن العقوبات الاقتصادية الشديدة التي فرضتها أميركا وأوروبا على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، فأصابت نفسها وأمن الطاقة والغذاء العالمي».

رفع الحرس الثوري عن لائحة العقوبات الأميركية مع الإبقاء على «فيلق القدس» بعد موافقة خامنئي

وتضيف «هذه الأزمة نجمت في جانب منها عن رفض فنزويلا ودول خليجية، ملء الفراغ الروسي لأسباب عدة، بما فيها التزامات دولية لا يمكن تعديلها اليوم. أما السبب الرئيسي الآخر، فهو عجز إسرائيل وأميركا عن منع التطور النووي الإيراني وفشلهما في منع زيادة التخصيب وتطوير أجهزة الطرد ورفع نسبة التخصيب إلى 60 في المئة».

وطلبت طهران أن تطرح 50 مليون برميل نفط في الأسواق، دفعة واحدة، فرفضت واشنطن، ليتم الاتفاق على 15 مليوناً، تدفع الدول المستلمة ثمنه مباشرة، من دون أي اعتراض أميركي لتبادل تحويل الأموال العائدة لبيع النفط.

وتعتبر إيران الخطوة الأميركية بادرة حُسن نية تضاف إلى 7 مليارات دولار تفرج عنها دول تدين لإيران (نحو 110 مليارات دولار) بهذه الأموال، والتي كانت مجمدة بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات قاسية متدحرجة عليها بلغت الحد الأقصى منذ إعلان «الثورة الإسلامية» عام 1979 في عهد الرئيس جيمي كارتر وحتى وصول دونالد ترامب الذي مزق الاتفاق (عام 2018)، وفرض أقصى العقوبات من دون أن تفضي إلى تغيير أيّ شيء في موقف إيران وسياستها في الشرق الأوسط.

إقرأ أيضاً: «حزب الله» يستشرس لسد الثقوب في «خزان مقاومته» في بعلبك الهرمل!

ورغم وصول بايدن إلى سدة الرئاسة ووعده بالعودة إلى الاتفاق النووي، لم يرفع العقوبات بل انخرط في مفاوضات، يبدو أنها وصلت إلى نهايتها، وسط اعتقاد بأن تطور إيران التكنولوجي – النووي، رغم الاغتيالات الإسرائيلية للعلماء الإيرانيين والعمليات التخريبية للمواقع النووية، وحرب روسيا على أوكرانيا، ومخاوف الأسواق العالمية، استطاع فرض نفسه على إدارة بايدن لتسريع الاتفاق بعد أن اقتنعت الإدارة الأميركية أن لا بديل عنه للتأكد من أن طهران لن تصل المستوى النووي المطلوب لـ«عسكرة» برنامجها.

وكشفت المصادر عن أنه «بلغنا أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رد على بينيت بأن إيران أصبحت أقرب من أيّ وقت مضى من إنتاج القنبلة النووية، وأن لديها القدرات التكنولوجية والعلم لذلك».

وتساءل «هل نملك حلا آخر؟ هل تريد الذهاب إلى الحرب مع إيران وحدك لأن أميركا لن تقف معك»؟

وتابعت المصادر «وهنا أدركت إسرائيل، أن حرباً على إيران غير ممكنة، لأن أميركا لا تمتلك الشهية لذلك، وأن قدرات إيران ستصل إلى إسرائيل وإلى أهداف أخرى في المنطقة وستؤثر في شكل كبير على الأمن الغذائي وأمن الطاقة، خصوصاً أن الحرب الاقتصادية على روسيا ولّدت تداعيات إقتصادية أثرت بالتضخم وأسعار السلع والغذاء في شكل مباشر لن تتحمله الدول».

وتجد إسرائيل نفسها أمام مشكلة إستراتيجية، نتيجة التقدم النووي الإيراني والقوة الردعية الصاروخية.

وكلما تأخر الاتفاق النووي، كلما ازدادت هذه القدرات التي يمكن أن تصل إلى نقطة اللاعودة.

ومن يضمن ألا تدفع أيّ محاولة لعرقلة البرنامج النووي، طهران، من الذهاب إلى مستوى من التخصيب المرتفع، كما حصل عند اغتيال العالم فخري زاده، حين رفعت تخصيبها إلى 60 في المئة؟

وتؤكد المصادر أن «إيران رفضت الطلب الأميركي بالتخلي عن فكرة الانتقام لاغتيال اللواء قاسم سليماني (في يناير عام 2020). وأكدت للمسؤولين الأوروبيين، الذين يعملون كمراسلين بين الدولتين، أنها مستعدة للتضحية بكامل الاتفاق النووي ولن تتخلى عن حقها ولن تفاوض على أيّ موضوع آخر يتعلق بعلاقة إيران مع حلفائها ومناطق نفوذها في الشرق الأوسط، ولا عن برنامجها الصاروخي».

استطاعت طهران فرض غالبية شروطها وحصلت على ضمانات سياسية – وليس قانونية، لأن إدارة بايدن لا تستطيع تقديمها – ونجحت في دفع واشنطن إلى الملعب الإيراني متسلحة بتطوير قدراتها النووية، وبالحرب الأوكرانية وبقدراتها العسكرية التي جابهت فيها إسرائيل مرات عدة في البحر، وآخرها قصف مركز لجهاز «الموساد» في كردستان العراق.

وتؤكد المصادر، «يبدو أننا على بعد أسابيع قليلة لتخريج الاتفاق، الذي سينعكس إيجاباً على إيران وحلفائها في الشرق الأوسط (…)».

تقول إسرائيل أنها لن تتوقف عن ضرب إيران حتى بعد توقيع الاتفاق، رغم إدراكها أنها أصبحت خارج القرار، الذي يبدو أنه وصل إلى نهاية المطاف. علماً أن كل ضرباتها لاقت رداً مباشراً من دون أن تتردد طهران بالإعلان عن مسؤوليتها.

وهذا لا يعني أن لعبة الضربات والضربات المضادة ستنتهي، إلا أن الردع قد فُرض، وخرجت إسرائيل من دائرة التأثير بعد القرار الأميركي بالعودة إلى الاتفاق.

أسابيع قليلة لتخريج الاتفاق الذي سينعكس إيجاباً على إيران وحلفائها في الشرق الأوسط؟

أما عن عودة إيران إلى أسواق النفط، فهي ستنظر إلى مصلحتها أولاً من دون أن تتعارض هذه العودة مع حلفها الإستراتيجي مع روسيا. فقد أوجدت موسكو أسواقاً أخرى (الهند زادت من استيرادها للنفط الروسي 40 في المئة) وتنظر إيران إلى انتعاش اقتصادها، والذي سيؤثر إيجاباً على العلاقة مع روسيا لتصبح إيران دولة قوية اقتصادياً وأشد معارضة للوجود الأميركي في غرب آسيا.

ومن الطبيعي أن يتنفس حلفاء إيران الصعداء أكثر مما هو عليه الحال اليوم، لترتعد أكثر فرائص إسرائيل، التي أصبحت أقل قدرة على المواجهة وتتسلى بقصفها لسورية في الوقت الحالي، إلى حين ردعها عندما يظهر الخيط الأبيض من الأسود من الحرب الروسية في أوكرانيا، لتأخذ موسكو موقفاً متشدداً أكثر بكثير تجاه إسرائيل التي أرسلت الدعم العسكري إلى أوكرانيا ودانت موسكو.

أما بالنسبة إلى إيران، فهي تعلم أن هذا الاتفاق من المحتمل أن يكون «موقتاً» إذا ما عاد ترامب إلى السلطة بعد حين، لإيمان الجمهوريين بالدعم المطلق لإسرائيل وإفشال الاتفاق النووي.

ولذلك فهي ستحتفظ بقدراتها تحضيراً للأسوأ وستعمل على إنعاش اقتصادها بعد التوقيع النهائي وكأن الاتفاق باقٍ أبداً، وفي الوقت عينه… كأن أميركا ستمزقه غداً.

السابق
الفطر في لبنان لن ينكّس فرحَه..كأنه وقت مستقطَع!
التالي
«شدّ أحزمة» في لبنان مع طغيان «الأمن» على الإنتخابات!