مستقبل المنطقة الذي حضر دون استئذان (7) : إسرائيل تملأ «الفراغ» الأميركي

كوماندوس اسرائيلي

أَمّا وقد حضر المستقبل في منطقتنا، منطقة الشرق الأوسط، من دون استئذان كما كتبتُ في تعليقي رقم ستة من سلسلسة تأملات في مستقبل المنطقة…
أَمّا وقد حضر المستقبل كزائر غير متوقع في منطقة تعيش في الماضي ومسكونة بالماضي وأيديولوجياتِه، وحاضرُها ماضوي كمنطقتنا وتتحايل على تخلّفِها الحضاري باللجوء إلى الهجرة لاسيما حين تتعرّض للتهجير القسري كما حصل مع الفلسطينيين على يد إسرائيل في منتصف القرن العشرين المنصرم ولا يزال يحصل في نظام التمييز العنصري الذي أقامته الدولة العبرية أو التهجير الذاتي الناتج عن اهتزاز مجتمعات المنطقة كما حصل في لبنان وسوريا أو عن الحروب بين بعضها البعض كما حصل في العراق واليمن وليبيا…
أما وقد حضر هذا المستقبل فنحن مقبلون على حقيقة جيوسياسية ضخمة ولربما قد تصبح حقيقة في الثقافة السياسية، هي أن إسرائيل ستملأ تدريجيا جزءا من الفراغ الذي يتركه “الانسحاب” الأميركي أو الأدق تخفيف الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط لصالح أولويات اقتصادية وسياسية وعسكرية مختلفة في شرق آسيا مع الصين وفي قلب أوروبا مع روسيا.

اقرأ أيضاً: سورية مزارع شبعا التي تسترهن لبنان

سيكون من البديهي القول أن الدور الأول المهيأة له إسرائيل هو الدور العسكري. أما الأدوار الأخرى في المجالات الثقافية والتكنولوجية فهي لا تزال قاصرة في معظمها رغم تقدمها الكبير العلمي والتعليمي والصناعي والذي يحوّلها عمليا إلى “ميني دولة” عظمى في الشرق الأوسط
غير أن التحولات التي تشهدها علاقات دول المنطقة لاسيما بين كتلة متزايدة من الدول العربية وبين إسرائيل كذلك يُضاف الأفق الإيجابي والتعاوني الذي عادت تشهده العلاقات التركية الإسرائيلية سياسياً واقتصاديا، كل ذلك يدفعنا لتكرار السؤال الجوهري الذي طرحه مارك لينش أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن في “فورين أفيرز” وهو ما إذا كان مفهوم الشرق الأوسط كمنطقة جيوسياسية لا زال صالحاً كمفهوم بعد التغيرات الاستراتيجية في أدوار العديد من دوله “والتي تجعل عملياً مدينة كدبي “أقرب” إلى سينغافورة وهونغ كونغ مما هي إلى عواصم في المنطقة المسماة الشرق الأوسط كبيروت أو بغداد”.

حصيلة رأي مارك لينش أن مفهوم الشرق الأوسط أصبح مفهوما محصورا بوزارة الخارجية والفروع الأكاديمية في الجامعات ولم يعد يصلح لبناء سياسات أميركية طالما انبنت في واشنطن على أساسه.
تثير أطروحة مارك لينش المهمة الحاجة إلى مناقشة ضرورية هنا.
هناك ثلاثةُ عناصرَ تَحركٍ في الشرق الأوسط “القديم”:
الأول إسرائيل التي ساهم إنشاؤها وبدعم بريطاني أميركي في تجديد علاقات الجغرافيا السياسية والعسكرية للمنطقة الممتدة بين شمال إفريقيا وبين شبه القارة الهندية
العنصر الثاني هو أيضا تأسيسي في القرن العشرين وهو المنظومة النفطية وخصوصا العربية
العنصر الثالث هو القوس الإيراني التركي الذي يحيط بشمال وشرق العالم العربي والذي يبدو اليوم باعتباره يمتلك حيوية لم تكن له في معظم القرن السابق وأصبح لاعبا داخل العالم العربي.

هذا المثلّث الإسرائيلي التركي الإيراني ينفرد فيه الضلع الإيراني بأنه يحاول أن يبني نفوذا خارج حدوده ضد النظام العالمي الذي يسيطر على الشرق الأوسط “القديم” وهو النظام الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
غير أنه، إلى القوة العسكرية، لم يعد ممكنا تجاهل الطاقات التكنولوجية الإسرائيلية في حقول عديدة
مما يعني أنه إذا نجحت المنظومة الخليجية أو الجزء منها الحالي في حماية تطبيع علاقاتها بإسرائيل فهذا يعني أن وتيرة تعبئة إسرائيل للفراغ الأميركي ستتزايد. ولا شك أن هذه الحماية إذا توفّر لها تجديد فتح أفق التفاوض الإسرائيلي الفلسطيني على حل سياسي للصراع سيعني انتقال العلاقات العربية الإسرائيلية بكاملها إلى مدى جديد.

دعا مرشد النظام الديني الإيراني علي خامنئي الإيرانيين إلى عدم ربط تفكيرهم بمستقبل إيران بمسار الاتفاق النووي الجاري التفاوض عليه في جنيف. هل هو تحدٍ جديد للنظام الغربي المسيطر على المنطقة أم هو إنكار أيديولوجي من قلب طبيعة النظام الديني الإيراني لكون الاتفاق النووي مدخل مصالحة مع الغرب ربما شجّع عليه، أي على هذا الإنكار، ما يبدو أنه احتدام الصراع الدولي بين الأميركيين من جهة، والصينيين والروس من جهة أخرى مما سيوفّر لإيران في حسابات النظام الديني وعقله الأعلى فرصة لهامش بل لمتن أوسع وأعمق داخل التشكيل الحاد للعلاقات الدولية الذي يتجه العالم نحوه.
بالنسبة لمحيطنا العربي يبقى السؤال كم يستطيع التحول التطبيعي مع إسرائيل أن يشكِّل خطوة على مسار تبلور البديل الإسرائيلي للفراغ الأميركي؟
طبعا تبقى نظرية الانسحاب الأميركي من المنطقة مختلفاً عليها ولذلك فإن الأدق والأكثر تلافيا للخطأ في التوصيف والتقدير هو استخدام مصطلح “الفراغ” الأميركي، أي صيغة فراغ تنجم عن وضع جديد.

السابق
«في مصادر النكبة اللبنانيّة».. محاضرة لبيضون : «الطائفيّة المجدَّدة تعيد تعريف الفساد»
التالي
بعدسة «جنوبية»: اللبنانيون حائرون.. إنتخابياً!