سورية مزارع شبعا التي تسترهن لبنان

مزارع شبعا

لم يعلق أيّ مسؤول في السلطة على ما كشفه السفير الأميركي السابق فريدريك هوف في كتابه الصادر حديثاً “بلوغ المرتفعات”، لا على ما أبلغه إيّاه بشار الأسد عن أن مزارع شبعا سورية وليست لبنانية، ولا عن مفاوضات سلام مع إسرائيل كانت ستفضي الى تسليم لبنان و”حزب الله” باتفاق جزم الأسد بأن لبنان سيلتزمه، وكذلك بالنسبة الى “حزب الله” وإنهاء “مقاومته”.

ليس جديداً ما كشفه هوف عن جزم الأسد بسورية مزارع شبعا، ولا سيما في ضوء الرفض السوري المستمرّ إعطاء لبنان وثيقة تثبت لبنانيتها وفق المنطق الذي اعتمده لبنان الرسمي بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب في عام ٢٠٠٠، حين أبرزت مزارع شبعا الى الضوء ولم تكن في أيّ لحظة على الرادار اللبناني وجرى إحياؤها فور انسحاب إسرائيل من الجنوب الذي أربك النظام السوري الى حدّ مخيف وقد أسقط في يده آنذاك تزامناً مع وفاة الرئيس حافظ الأسد، واحتاج الى إبقاء لبنان ورقة يستخدمها من أجل تحسين أوراقه وذريعةً لبقاء قواته في لبنان. ومن عايش تلك الفترة الحديثة الى حدّ بعيد من سياسيين وحتى من الإعلاميين الذين تعرّضوا آنذاك لتهديدات مباشرة من مسؤولين يعملون مع النظام السوري بسبب إثارتهم افتعال موضوع مزارع شبعا، يدرك تماماً كيف أُبرزت ورقة مزارع شبعا في عهد إميل لحود الذي كان سبّاقاً على خطّ تبنّي المواقف السورية وتبريرها.

اقرأ أيضاً: تغيير ديمغرافي وجغرافي في سوريا..دمشق تستبدل المناطق المدمرة بـ«مدن جديدة»!

واللافت أن أحداً من القوى السياسية لم يقف أيضاً عند هذه النقطة على الأقل لما يعنيه ذلك من استرهان لبنان على مدى أعوام طويلة تحت ذرائع مفتعلة من أجل إبقائه ورقة في يد النظام السوري حتى بعد انسحابه من لبنان في 2005. ولا تقع مسؤولية الاسترهان في خانة الحزب وحده بل في خانة رؤساء الجمهورية والحكومات المتتالية، فيما واصل الحزب مع حلفائه توظيف ذلك لإبقاء سلاحه خدمة لأهداف سورية ولاحقاً إيرانية، بعيداً من مصلحة لبنان. وقد طوّر الحزب مواقفه في الأعوام القليلة الماضية تحوّطاً لانكشاف إصرار النظام السوري على سورية المزارع لا على لبنانيتها، فبات سلاحه مرتبطاً بما يقوله عن حماية لبنان وما الى ذلك. وقد ساعده في ذلك عهد الرئيس ميشال عون الذي أمّن له الانتقال من منطق استمرار احتلال إسرائيل لمزارع شبعا كذريعة لبقاء سلاح الحزب الى اعتباره وفق هذا العهد الى منطق حماية لبنان وعدم استخدامه في الداخل حسب قوله متجاهلاً على الأقل حادث الطيونة فيما يلقي على عاتق الثنائي الشيعي تعطيل القضاء لمنع الوصول الى الحقيقة في انفجار مرفأ بيروت. وذلك علماً بأنه كان من المهللين الداعمين لاحتلال الحزب بيروت في 2008 وتشاطرها تعطيل البلد في محطات متعدّدة من أبرزها تعطيل انتخابات الرئاسة لعامين ونصف حتى انتخابه رئيساً.

اللافت أن أحداً من القوى السياسية لم يقف عند ما قاله الاسد

لم تعد مزارع شبعا تصلح شمّاعة واستنفدت الحاجة إليها، ولذلك لم يعد يسمع أحد بالسعي الى المقاومة من أجل ضمان انسحاب إسرائيل ممّا بقي من أراضٍ محتلة أي مزارع شبعا، فيما قرية الغجر أيضاً التي طالب لبنان بها رفض سكّانها أن يكونوا من ضمن الجزء اللبناني من الحدود. ولكن حتى إشعار آخر يبقى لبنان أسير الموقف السوري الذي تلاعب طويلاً بموضوع المزارع لجهة مدّ حلفائه بذرائع للإبقاء على منطق الربط بين المسارين اللبناني والسوري وعدم إضعافهم لبنانياً، كما أسير الموقف الإقليمي الإيراني الذي أضحت سوريا رهينته بدورها الى حدّ بعيد، على عكس ما كانه الأسد من حيث المبدأ قبل أكثر من عقد من الزمن.
الجانب الآخر من اندثار قضيّة مزارع شبعا يرتبط بما كشفه هوف عن محادثات سرّية على خط توقيع اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل كانت على وشك نهايتها بعد موافقة بشار الأسد وبنيامين نتنياهو، وجزم الأسد في ضوئها بانسحاب ذلك على لبنان بسرعة وعلى انتهاء “المقاومة” بفعل اشتراط إسرائيل إنهاء تعاطي الأسد مع إيران ووقف إمداده الأسلحة الى الحزب.

ثمّة أسئلة تثار بفعل ذلك إن كانت كل النظريات عن أسباب نشوء انتفاضة ضد النظام السوري حصلت وسط جهود أميركية لوضع الأميركيين لمسات أخيرة على اتفاق سلام بين الجانبين السوري والإسرائيلي تنقضها هذه التفاصيل، إذ إن إيران ومعها الحزب كانت ستكون المتضرّر الأكبر من اتفاق سلام سوري إسرائيلي يتبعه اتفاق سلام لبناني إسرائيلي ينهي نفوذ إيران في كل من سوريا ولبنان، وتالياً يضع حداً لتمدّد إيران نحو شواطئ المتوسط وتالياً الحدود مع إسرائيل. وكذلك كانت إيران ستتضرّر من علاقات جيّدة تنطلق بين واشنطن والأسد، وذلك سيزيد من عزلتها في المنطقة ويضعها في موقع صعب بينما المفاوضات مع الأميركيين حول ملفها النووي لم تكن انطلقت بعد لتصل الى اتفاق في 2015.

هذه جوانب من الأزمة السورية لم تُكشف بعد ولكن من اللافت كيف انقلب الوضع على أثر شيطنة الانتفاضة من بشار الاسد لمصلحة إيران التي هبّت لإنقاذه ومعها الحزب لكي يصبح مديناً باستمراره في موقعه لهذين الطرفين معاً الى جانب روسيا التي تدخّلت لإنقاذهم جميعاً في 2015 بعدما كان الأسد الضامن لتصاعد الحزب في لبنان.

أحد جوانب واقع إقرار الأسد بما قاله عن أن سرعة قبول “حزب الله” باتفاق سلام مع إسرائيل ستكون مفاجئة، أن سلاح الحزب يمكن أن يخضع للتفاوض في الوقت المناسب ومع الطرف المناسب وبالثمن المناسب.

السابق
«حزب الله» و«أمل».. خطاب ناري «يشحذ» الناخبين على حساب الدولة!
التالي
رد سوري على اتهامات بـ«تدخلات أمنية» في الانتخابات اللبنانية