قمم الشرق الأوسط: قراءة لتحوّلات داهمة!

قمة شرم

تحتاج عين المراقب إلى تأمل متأنٍّ لقراءة الديناميات النشطة التي يشهدها الشرق الأوسط، سواء في الشقّ المتعلّق بمستجدات فيينا وتداعياتها في إيران والمنطقة وعليهما، أو الظواهر المتلاحقة التي أطلقت قمماً عاجلة داهمة قد لا تنضج ثمارها في القريب المنظور.

في شرم الشيخ أفرجت القمّة المصرية – الإماراتية – الإسرائيلية في 22 آذار (مارس) عن بدايات تحرّك بات مطلوباً لقراءة ما سيترتب على الحرب في أوكرانيا اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، خصوصاً إذا ما باتت الحرب طويلة الأمد، بحسب استشراف الرئيس الأميركي جو بايدن. كشفت القمّة أيضاً عن ضرورات توفير مقاربة شاملة تكون القاهرة حيوية داخلها لإخراج الموقف من إيران من حصريته الخليجية وتناقضه الإسرائيلي التقليدي.
عقدت القمّة في ضيافة مصر التي تتكثّف دبلوماسيتها وهي الحاضرة أيضاً في قمّتي العقبة تالياً والنقب لاحقاً. والقمّة في شرم الشيخ التأمت على خلفية بردوة علاقات مصر والإمارات (والسعودية وهي الغائب الحاضر في القمم) وإسرائيل مع الإدارة الديموقراطية في واشنطن وإن بدرجات ومظاهر متفاوتة، بما يتطلب تحري أعلى درجات التموضع المنسّق، إذا أمكن ذلك، للتعامل مع الحليف الأميركي قبل الخصم الإيراني.

اقرأ أيضاً: العودة الخليجيّة إلى لبنان: أسئلة في الشكل والمضمون

في المقابل فإن قمّة العقبة في 25 آذار (مارس) أتت مكمّلة لقمم سابقة عقدت في السنوات الأخيرة في ورشة جدّية مثابرة لإطلاق ثم تطوير مشروع “المشرق الجديد” بين مصر والعراق والأردن. وإذ يقوم المشروع، حتى الآن، على قواعد التنمية والاقتصاد والتعاون والمصالح ولا يزعم أي طموحات سياسية واسعة، فإن التطرّق سابقاً إلى احتمالات توسيع المشروع ليضمّ سوريا ولبنان لاحقاً، لا يمكن إلا أن ينتهي إلى بناء سياسي قد لا تظهر معالمه واضحة حتى الآن.
ورغم الطابع الروتيني لاجتماعات زعماء ذلك “المشرق الجديد”، إلا أن انعقاد القمّة في هذا التوقيت لا يمكن أن يكون خارج سياق الاستحقاقات التي استدعت قمّة شرم الشيخ قبلها وقمّة النقب الوزارية بعدها. حتى أن ما يتسرّب من نصوص الاتفاق المُحدث حول برنامج طهران النووي، يأتي في صلب المحادثات. واللافت في اجتماعات العقبة هو حضور ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ووزير الدولة عضو مجلس الوزراء السعودي الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز، بما يسلّط الضوء على نواة تحالف عربي منسجم الهواجس والهموم. 

ويجب وضع سياق استقبال الإمارات للرئيس السوري بشار الأسد في 18 آذار (مارس) داخل السياقات نفسها التي دفعت إلى عقد قمّتي شرم الشيخ والعقبة، من حيث استطلاع تشكّل خرائط سياسية جديدة، والترويج لرشاقة سياسية تخرج المنطقة من جمود قاد إلى اصطفافات مرتجلة باتت متقادمة منتهية الصلاحية هذه الأيام. ومع ذلك فإن تلك الدينامية ما زالت لا ترقى إلى مستوى قيام نظام إقليمي جديد على ما يلمّح الحدث في النقب.
على أن لقمّة النقب الوزارية في 28 آذار (مارس) سياقها الخاص من حيث وجوه من حضرها ومرامي عقدها. وإذا ما ذهبت إسرائيل إلى الاحتفاء بالحدث ووصفه بالتاريخي، فإنه واجهة أخرى من واجهات الاتفاقات الإبراهيمية التي تعتبرها إسرائيل إنجازاً يُعتدّ به داخل تاريخ الصراع الشرق أوسطي الطويل. وما حضور وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن أعمال القمة، إلى جانب نظرائه من إسرائيل ومصر والإمارات والبحرين والمغرب، إلا رعاية وتشجيع من إدارة بايدن للمضي قدماً في صيانة اتفاقات تمّت رعايتها والدفع بها من قبل إدارة دونالد ترامب.

والواضح أن العنوان الرئيسي لحدث النقب تعلّق بثلاثة أهداف: الأول، تثبيت إسرائيل نفسها ركناً طبيعياً داخل التحالفات الإقليمية والسعي لمأسسة الأمر وجعل قمّة النقب دورية قد تضم أعضاء جدداً وتختلف جغرافيا انعقادها. 
الثاني، هو التقدم الى الجانب الأميركي برواية مشتركة بشأن القلق مما يُدبّر في فيينا والتلويح بتشكّل تحالف في هذا الصدد على رغم إعلان وزير الخارجية المصري سامح شكري أن هذا التحالف غير موجّه ضد أحد. 
والثالث هو ما صدر عن وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد من أن تعميق التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية عدة “يرهب ويردع” إيران.
صحيح أن كل الوزراء العرب أكدوا في كلماتهم ضرورة إنعاش التسوية السياسية مع فلسطين على أساس حلّ الدولتين، وصحيح أن الوزير بلينكن اعتبر أن “الاتفاقات الإبراهيمية ليست بديلاً من حلّ النزاع الفلسطيني”، إلا أن المسألة الفلسطينية لم تكن المادة الأساسية في مداولات النقب، ذلك أن الورشة في هذا الصدد كان يتولاها في اليوم نفسه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في رام الله في قمّة جمعته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وتكاد محادثات رام الله تجرى في قاعة ممتدة من قاعات شرم الشيخ والعقبة والنقب وليست خارج سياقاتها أو نقيضاً لها. ولئن سال حبر كثير حول أسباب تخلّف الأردن عن حضور حدث النقب، فإن للأمر حسابات أردنية تتعلق بطبيعة الدور الخاص الذي تدافع عنه عمّان دائماً في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية وبالوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية في القدس. كما أن العلاقات المتوترة بين الأردن وإسرائيل المتوارثة من عهد بنيامين نتنياهو لا تزال حذرة على رغم دفء التواصل مع الحكومة الجديدة وقيام وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد ووزير الدفاع بيني غانتس بزيارة عمّان والتباحث مع مسؤوليها.

يأتي الجهد الأردني ناهلاً من مقاربة أميركية أطلقتها إدارة بايدن وحملها بلينكن إلى رام الله في لقائه مع الرئيس عباس، تهدف إلى إعادة تعويم مسألة “حل النزاع” والإفراج عن الدعم الأميركي الخاص والدولي العام لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن الفلسطينيين، مجتمعاً ومؤسسات، بغية منع أي فوضى، نبّهت إلى احتمالاتها التقارير المعنية، وأثبت صحّتها تصاعد العمليات داخل إسرائيل في الأيام الأخيرة. ولم يكن مصادفة أن يلاقي الوزراء العرب في النقب قمّة الزعيمين الأردني والفلسطيني ويطلقوا أمام الوزيرين الأميركي والإسرائيلي دعوة جماعية الى إعادة تعويم المسألة الفلسطينية بصفتها لا تزال تمثّل لبّ الصراع حتى لو داهمت المنطقة أخطار دولية وإقليمية كبيرة وطارئة.
القمم في المحصلة، تكشف عن إدراك إقليمي جماعي بضرورة الاهتداء إلى أجوبة عن أسئلة مصيرية باتت، في ظروف الحرب الأوكرانية، خارج حسابات الكبار. هنا يجب تأمل القرار الثاقب بإعلان التحالف العربي وقف إطلاق النار في اليمن.

السابق
وداعاً لشتاء آذار..طقس صحراوي إبتداءاً من اليوم!
التالي
الإسكندراني ينسحب لمصلحة اللائحة المتحالفة مع «القوات» في «صيدا-جزين»