العودة الخليجيّة إلى لبنان: أسئلة في الشكل والمضمون

يدور حديث عن عودة خليجية إلى لبنان بمواكبة حديث آخر عن قرب التوصّل إلى اتفاق نووي مع إيران. وإذا ما راقبنا خريطة الطريق التي باشرها وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح في مبادرته التي أطلقها من بيروت في كانون الثاني الماضي، فإنّه يسهل استنتاج أنّ المنظومة الخليجية، من خلال الواجهة الكويتية، تستعدّ مذّاك للتعامل مع الأمر الواقع الجديد الذي قد تفرضه اتفاقات فيينا من خلال تموضع جديد في لبنان هو جزء من تموضع عامّ وشامل يطول كلّ المنطقة.

ليس تفصيلاً أن تستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة الرئيس السوري بشار الأسد. وليس تفصيلاً عقد القمم في شرم الشيخ والعقبة والنقب. وليس تفصيلاً نزوع المنطقة إلى تشاور جماعي للتعامل مع الاستحقاق الدولي الذي فجّرته الحرب في أوكرانيا، ومع ما سيمليه اتفاق فيينا المستجدّ بين إيران ومجموعة الـ 5+1، ولا سيّما منها الولايات المتحدة، على كل بلدان المنطقة، وخصوصاً تلك التي يكثّف قادتها لقاءات التشاور هذه الأيام.

اقرأ أيضاً: ميقاتي سفير حزب الله والثنائي الحاكم إلى دول الخليج

لا يمكن وضع العودة الخليجية الموعودة إلى لبنان إلا في إطار التعامل مع الواقع الإيراني المقبل. فلا شيء جذريّاً تغيّر في لبنان يبرّر العودة عن القطيعة غير المسبوقة التي سلكها الخليجيون في تشرين الأول الماضي. ولا يمكن للوعود التي أطلقها رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في بيانه أن تكون السبب المقنع. يدرك الخليجيون جيّداً أنّ قرار البلد يخضع لأجندة إيران وحزبها، وهو أمر لم تسعَ إلى نفيه تصريحات رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الصحافة الإيطالية في روما قبل أيام.

لا يمكن إلا ملاحظة الطابع البديهي للوعود التي قطعها ميقاتي في بيانه الموجّه إلى دول مجلس التعاون الخليجي من حيث منع التهريب ووقف الإضرار بأمنه والوعد بالتعاون مع دوله. ولا يمكن إلا ملاحظة الاندفاع إلى الترحيب بتلك البديهيّات في ردّ فعل الرياض والكويت. أشادت وزارة الخارجية السعودية بما تضمّنه البيان “من نقاط إيجابية”، آملةً أن “يسهم ذلك في استعادة لبنان لدوره ومكانته عربياً ودولياً”. فيما أعربت وزارة الخارجية الكويتية عن ترحيبها بما تضمّنه البيان “من تجديد التزام الحكومة اللبنانية بالقيام بالإجراءات اللازمة لإعادة لبنان لعلاقاته” مع دول الخليج. ولئن لا يثق اللبنانيون بتعهّدات ميقاتي وقدرة حكومته على الالتزام بها، فإنّ الخليجيين قرّروا مع ذلك الإشادة والترحيب.

تفخيخ عبد اللهيان؟

قد لا تكون زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للبنان قد تقصّدت تفخيخ العودة الخليجية المأمولة فقط، بل سعت إلى إعادة تأكيد قواعد اللعبة من حيث إنّ البلد ساقط داخل النفوذ الإيراني منذ أن أعلن الجنرال قاسم سليماني أنّ حزب الله يملك 74 نائباً في ساحة النجمة، أي أغلبيّة مريحة غداة الانتخابات التشريعية السابقة. فيما ترجّح بعض التوقّعات غلبةً للحزب وحلفائه داخل البرلمان في انتخابات أيار المقبل.

وفيما تذكّر إيران أهل المنطقة بأنّها ما زالت “تهيمن على العواصم الأربع”، وفق ما صدر عن منابرها قبل سنوات، فإنّها تُفتي أيضاً أنّ الاتفاق النووي الذي اقترب قطافه يعني أنّ العالم يعترف لها بذلك. وبغضّ النظر عن صحّة تلك الفتوى، فإنّ تعطيل طهران للعملية السياسية في العراق، ومركزيّة موقعها داخل راهن ومستقبل سوريا، ورجاحة نفوذها داخل لبنان، ووضوح أخطارها من وداخل اليمن، تستدرج بلدان المنطقة إلى منطقين: إمّا رفض الأمر الواقع الذي تفخر به طهران أو مواجهته الشاملة.

وفق هذا المعطى يقرّر الخليج منذ أشهر وقف القطيعة مع لبنان والذهاب إلى المواجهة. والمواجهة ليست مرادفاً للصدام، بل هي سياق شديد التعقيد يتطلّب وجوداً يفترض أن يكون نشطاً وحيويّاً داخل بلد هو أكثر ميادين التماس بين إيران والخليج. ولئن تتسرّب أنباء تلك العودة خجولةً ركيكةً عرضةً للتحليلات المتعجّلة، فذلك أنّ الأداء الدبلوماسي الخليجي ما زال متحفّظاً متأنّياً يكاد يكون متردّداً. بالمقابل فإنّ لبنان، كما سياسات تدعيم وتطوير الحضور العربي الخليجي لإحداث التوازن الإقليمي المطلوب، يحتاج إلى أجندة عمل تتجاوز مسألة عودة السفراء وتطبيع العلاقات الدبلوماسية.

النافذة الفرنسية للخليج

إنّ تقديم تلك العودة من بوابة صندوق فرنسي خليجي لإسعاف لبنان إنسانيّاً، لا يعبّر عن وزن كتلة سياسية وصاحبة قرار في مسار ومصير قضايا المنطقة.

وإذا ما بدا أنّ للعرب ديناميّات جديدة تستدعي القمم المصغّرة التي تنعقد هنا وهناك، وإذا ما بدا أنّ الاستعدادات العربية لاستحقاق فيينا تأخذ أشكالاً وواجهات متعدّدة، فإنّ دول الخليج عامّة، والسعودية التي أُبرم اتفاق الطائف على أرضها خاصةً، مدعوّون، بحكم تاريخهم اللبناني وديناميّاتهم العربية والدولية، إلى لعب الدور التاريخي المأمول لانتشال البلد من نكبته.

كان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قد نفى قبل أشهر أن يكون هناك أزمة مع لبنان، معتبراً أنّ “الأزمة هي في لبنان”. أما وقد يميل الخليجيون إلى إنهاء أزمتهم مع لبنان، فهل تكون العودة الخليجية الجدّيّة والفاعلة قد تكون مدخلاً لإنهاء الأزمة في لبنان؟

السابق
«حزب الله» يجيّش انتخابيا.. رعد: يريدون الأكثرية ليطبعوا مع إسرائيل!
التالي
خاص «جنوبية»: سعد والبزري و«اللون البني»!