حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إيران..العقوبات مقابل الإرهاب!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

قد يكون من الصعب، انكار الدور الاساس والمحوري، الذي يلعبه حرس الثورة في تركيبة النظام الايراني، والموقع المتقدم الذي يتحمله، في ترجمة استراتيجيات النظام الداخلية والخارجية، في تثبيت دعائم النظام ومواجهة كل التحركات، التي تشكل تهديدا للاستقرار الداخلي، وايضا توسيع وتعزيز النفوذ الاقليمي، وترجمة رؤيته في التعامل مع مناطق النفوذ، خارج الحدود الايرانية، بما يخدم مصالحه القومية والاستراتيجية وحتى الاقتصادية.

من هنا جاء الشرط الاخير، الذي وضعته طهران على طاولة التفاوض في فيينا، في الوقت المستقطع، واعتبرته من الخطوط الحمراء للنظام، في اي اتفاق محتمل حول البرنامج النووي، والمتعلق بمطلب اخراج مؤسسة حرس الثورة، عن لائحة المنظمات الارهابية والداعمة للارهاب الامريكية، بعد ان قام الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب بادراجه عليها، بعد قرار الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018، وفي اطار سياسة تشديد العقوبات والخناق على النظام في طهران، لاجباره وجره الى طاولة التفاوض، تحت البنود الاثني عشر الذي كشف عنها وزير الخارجية انذاك مايك بومبيو، والمتعلقة تحديدا بالدور والنفوذ الايراني في الاقليم، ودعم الاذرع الايرانية في دول المنطقة . 

التأخر في انجاز الاتفاق النووي يصب في اطار التكتيك الايراني الذي يسعى لتوظيف اللحظات الاخيرة الحرجة ما قبل التوقيع لتحسين شروطه

يعتقد الايرانيون، بان الادارة الامريكية سعت من خلال اصرارها على اعادة احياء مسار التفاوض، الى تقديم اغراءات لايران، غير مؤثرة وفاعلة، مقابل تخليها عن انشطتها النووية، لذلك كان الخيار اللجوء الى تأكيد مسألتين، الاولى تتعلق بالخطوط الحمراء في المجال النووي، من خلال رفع مستويات تخصيب اليورانيوم الى 60 في المئة، وايصال رسالة بان التسويف والمماطلة في المفاوضات، وعدم الاخذ بعين الاعتبار مصالحها الاستراتيجية والقومية والاقتصادية، لن يؤدي الى تفاهم، بل الى مزيد من التمسك بمطالبها، خاصة وان الاستمرار في رفع مستويات التخصيب لن يصب في مصلحة واشنطن والغرب. اما المسألة الثانية، فتتعلق بترتيب الاولويات التي سيخرج بها الاتفاق الجديد، خاصة مسألة العقوبات والية التعامل المالي. 

إقرأ ايضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: هل تُعيد إيران فرض «قواعد الإشتباك» في العراق؟!

التريث او التمهل الحاصل على خط المفاوضات، على الرغم من تأكيد جميع الاطراف، وتحديدا واشنطن وطهران، الانتهاء من وضع اللمسات الاخيرة، يصب في اطار التكتيك الايراني، الذي يسعى لتوظيف اللحظات الاخيرة الحرجة، ما قبل التوقيع لتحسين شروطه، والحصول على اكبر قدر  ممكن من المطالب، خاصة في ظل التطورات الدولية الاخيرة، نتيجة حرب اوكرانيا والازمات، التي تلوح في مجال قطاع الطاقة على الصعيد الدولي، والحاجة لعودة ايران الى الاسواق العالمية، وما يمكن ان تلعبه وتساعد فيه، بتقليل المخاوف والحد او لجم ارتفاع الاسعار. 

تمسك ايران بمطلب اخراج حرس الثورة عن لائحة الارهاب واستغلال الرغبة الامريكية والاوروبية بانهاء الازمة النووية اوجد حالة من التراخي في الموقف الامريكي

تمسك ايران، بمطلب اخراج حرس الثورة عن لائحة الارهاب، واستغلال الرغبة الامريكية والاوروبية بانهاء الازمة النووية، اوجد حالة من التراخي في الموقف الامريكي امام هذا الموضوع، من خلال الاشارة الى امكانية القبول بالمطلب الايراني، مقابل التعهد بالمساعدة في تقليل وخفض التصعيد والتوتر في الاقليم، اي في المناطق التي تشكل ساحة نفوذ لقوة القدس التابع للحرس في سوريا والعراق واليمن ولبنان. وهو مطلب كشف عن التوصل الى تفاهمات حول آليات تنفيذ الاتفاق الجديد وترتيبها زمنيا وعمليا، بحيث يتم اللجوء الى الغاء جميع العقوبات، وتقديم آلية تحويل الاموال وعائدات التجارة الايرانية عبر البنوك، وتفعيل نظام سويفت، بعد ان حاولت واشنطن تأجيل هذا الامر الى مرحلة لاحقة، ومن ثم الانتقال الى اخراج بعض المؤسسات والشخصيات عن لائحة الارهاب، ومن بينها مؤسسة حرس الثورة. 

اهمية الاصرار الايراني على مسألة العقوبات على حرس الثورة، تنبع من عدة اعتبارات تندرج ضمن اولويات النظام، وتقع ضمن الخطوط الحمراء، التي يتمسك بها في هذه المفاوضات، ومن هذه الاولويات.

  • ان حرس الثورة يعتبر جزءً اساسيا، لا بل محوريا في الاستراتيجية الدفاعية والردعية للنظام الايراني، فهو الذي يتحمل مسؤولية تطوير وقيادة السلاح الصاروخي، الذي يعتبر عماد واساس قوة الردع الايرانية، واداة التصدي لاي اعتداء محتمل. بالاضافة الى كون القوات البحرية للحرس، تتحمل مسؤولية ترجمة الاستراتيجية الايراني في مياه الخليج وامنه. ويضاف الى ذلك، الدور الذي تقوم به قوة القدس، التي تلعب دور الذراع الايرانية في النفوذ الاقليمي. من هنا فان الابقاء على هذه المؤسسة على لائحة العقوبات والارهاب، يضرب العصب الاساس لقوة ايران، ويخدم الاهداف الامريكية والغربية باضعاف قوة الردع الايرانية ، وامكانية الحاق الضرر بها.
  • رفض النظام لاي شكل من اشكال التفاوض، حول مسائل تتعلق بامنه الوطني والقومي، من هنا يأتي الاصرار على رفع العقوبات عن الحرس لمنع اضعاف قدرات النظام العسكرية. لذلك يعتبر النظام استهداف الحرس بالعقوبات الامريكية، يأتي نتيجة ان واشنطن لا تملك اي تأثير او مدخل للنفوذ عليها، وهذا الامر يقف خلف التصويب الامريكي والغربي والاقليمي على هذه المؤسسة.  
  • موافقة ايران على ابقاء الحرس على لائحة الارهاب، او اي تنازل عن مطلب الغاء هذه العقوبات، يعني فشلا في الوصول الى الاهداف الحقيقية التي دفعت النظام للجلوس الى طاولة التفاوض، وهو الموضوع الاقتصادي. فمؤسسة الحرس لعبت دورا محوريا واساسيا، على مدى سنوات طويلة للعقوبات، في تطوير المشاريع الاقتصادية والعمرانية والبنى التحتية في ايران. 

وفي هذا الاطار، تتحدث التقديرات بان مؤسسة الحرس عبر مقر خاتم الانبياء – الذراع الاقتصادي لها-  يستحوذ على جزء كبير من الاقتصاد الايراني، بمختلف قطاعاته الانمائية والاعمارية والتجارية والصناعية والسياسية والزراعية، والطرق والمطارات والنفط والغاز والبنى التحتية المرافقة لها، من مصاف وخطوط انابيب و غيرها، حتى ان هذا المقر، يعتبر شريكا اساسيا للقطاع الخاص.

مؤسسة الحرس عبر مقر خاتم الانبياء – الذراع الاقتصادي لها-  يستحوذ على جزء كبير من الاقتصاد الايراني بمختلف قطاعاته

لذلك فان طهران والنظام ينظران الى ابقاء الحرس تحت العقوبات، يعني استمرار العقوبات وفشل التفاوض، وهذا ما يجعل من الصعب على المفاوض الايراني الموافقة عليه، باعتبار هذه الخطوة من الخطوط الحمراء للنظام، التي تمس المصالح الوطنية والقومية والاستراتيجية. 

السابق
بالفيديو: تفاصيل صفقة إرسال مرتزقة «حزب الله» إلى أوكرانيا!
التالي
وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: العرب بين غزو روسي ومقاومة أوكرانية