لبنان والخليج..إدارة الأزمة وفق معادلة «الخطوة الإيجابية بخطوة»!

نجيب ميقاتي

ما أبعاد تبادُل رسائل «حُسن النية» بين رئاسة الحكومة اللبنانية ودول الخليج العربي؟ وما المدى الذي يمكن أن يبلغه «الاختراقُ» الذي سُجّل في جدار الأزمة بين الجانبين بدفْعٍ من الكويت وفرنسا وتجلّى في «ديبلوماسية البيانات» الإيجابية التي دشّنها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بـ «إعلان نياتٍ» إزاء مختلف جوانب «مضبطة الاتهام» الخليجية حيال تحوّل لبنان «منصة عدوان فعلي ولفظي عليها» عبر «حزب الله» وأدواره في المنطقة ولا سيما اليمن، وهو ما قوبل بـ «ردّ تحية» من الرياض والكويت؟

سؤالان شغلا «بلاد الأرز» أمس من خلف «غبار» التصدّعات التي تتعمّق في واقعها المالي – المصرفي – المعيشي الذي ازداد عصفاً مع تقليصٍ، يُخشى أن يكون متعمَّداً، لـ «المسؤولية الشاملة» عن الانهيار المريع ومحاولة حصْرها بالقطاع المصرفي (حاكمية المركزي وبنوك) وبالشق التقني من «الكارثة» المالية وترْك المصارف والمودعين «يأكلون بعضهم» ويتناتشون «بقايا» الودائع الدولارية، من دون إرساء قواعد قانونية ومالية لإدارة الأزمة العاتية ولا معالجة «الأسباب العميقة» لهذه «النكبة» المروّعة المتمثّلة بانكشاف لبنان على صراعات المنطقة واقتياده إليها بعيداً عن نظام المصلحة العربية والشرعية الدولية، وبالارتسام الفاقع لنتائج كل المسار «الكاسِر للتوازنات» الداخلية الذي عُمل عليه بـ «شتى الوسائل» منذ العام 2005.

ومن هذه الزاوية قوبلت «الاندفاعة الإيجابية» على خط العلاقات اللبنانية – الخليجية بتحرياتٍ حول إذا كانت في سياق «عودة اهتمامٍ» موْضعي ومَرْحلي بالواقع في «بلاد الأرز» أَمْلتْه تقاطُعاتٌ خارجية – داخلية لعدم السماح بحصول «الارتطام المميت» في الطريق إلى انتخابات 15 مايو النيابية وتالياً لـ «حماية» هذه الاستحقاق، أم أنها بداية «عودةٍ» خليجية إلى لبنان بمعانيها الشاملة ربْطاً بالمتغيّرات ما فوق العادية التي تطل برأسها في المنطقة وما قد تفرزه الحرب على أوكرانيا على الصعيد الدولي من تحولات جيو – سياسية.

ميقاتي: التصريحات الصادرة عن السعودية والكويت تؤشّر إلى أنّ الغيمة التي خيّمت على العلاقات إلى زوال قريباً

وعلى أهمية محاكاة ميقاتي غداة الاتصال الذي جرى بينه وبين وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد الناصر كل عناصر الأزمة التي انفجرت بين لبنان والكويت منذ نحو 5 أشهر مؤكداً التزام «العمل الجدي لاستكمال تنفيذ مندرجات قرارات الجامعة العربية والشرعية الدولية بما يضمن السِّلم الأهلي» ومشدداً على ضرورة «وقف الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية التي تمسّ سيادة دول الخليج وتنطلق من لبنان»، فإنّه من المبكر بحسب أوساط واسعة الاطلاع استنتاج أن هذا الموقفَ وما أعقبه من ترحيبٍ سعودي ثم كويتي كافٍ للحديثِ عن دخول الأزمة مع دول الخليج مرحلة المعالجة الجذرية التي تعاود إحياء مظلة الدعم الشامل الكفيلة وحدها انتشال «بلاد الأرز» من القعر الذي تتقلّب فيه.

وبحسب هذه الأوساط، فإن المؤشرات الأولية تشي بأن «تبريد» الأزمة اللبنانية – الخليجية محكومٌ حتى الساعة، ولو عاد إلى بيروت قريباً السفيران السعودي وليد بخاري والكويتي عبد العال القناعي، بمعادلة «الخطوة الإيجابية» من لبنان «بخطوة خليجية»، وأنه محصور في المرحلة الحالية بتفعيل «ممرٍّ إنساني» من الدعم للشعب اللبناني أقرّت الرياض ركيزته عبر الصندوق السعودي – الفرنسي الذي تبرعت فيه المملكة بـ36 مليون دولار لتُصرف للمؤسسات الإنسانية غير الرسمية، على أن يكون «جسر» العودة السياسية التي توفّر الدعم المالي للدولة اللبنانية رهناً بما ستفرزه الانتخابات النيابية أو أي خطوات تنفيذية جدية تتصل بالمساس بالاستقرار الأمني لدول الخليج عبر «حزب الله».

وإذ استوقف هذه الأوساط أن الثغرةَ التي أُحدثت في الأزمة بين بيروت ودول الخليج سبقتْها مناشداتٌ من أطراف سياسية لبنانية حليفة للرياض وهيئات اقتصادية وتزامنتْ مع حركة زياراتٍ (لشخصيات لبنانية) للمملكة، فإنها لاحظتْ أن موقف الخارجية الكويتية، التي تُعتبر «عرّابة» المبادرة الخليجية – العربية – الدولية، الذي رحّب ببيان ميقاتي انطوى على إشارة بالغة الدلالات شكّلها إعرابها عن تَطَلُّعها «الى استكمال الإجراءات البنّاءة العملية» في سياق «التزام الحكومة اللبنانية بالقيام بالإجراءات اللازمة لإعادة لبنان لعلاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي» و«بما يساهم في المزيد من الأمان والاستقرار والازدهار للبنان وشعبه الشقيق».

ووفق الأوساط نفسها يصعب تَصَوُّر أن تعمد دول الخليج إلى طيّ كامل صفحة الأزمة مع لبنان و«كأن شيئاً لم يكن» و«تغذية» واقعٍ ما زال لـ «حزب الله» اليد الطولى فيه، ولا سيما أن أي رفدٍ للدولة اللبنانية بدعمٍ سياسي ومالي على وهج التصعيد الإيراني عبر الحوثيين ضدّ المملكة العربية السعودية و«تذخير» الملف اليمني الذي «أوكل» من طهران إلى حزب الله، سيُفسّر تراجعاً أمام الأخيرة التي تدير أوراقها في المنطقة وعلى رقعها الساخنة وفق مقتضيات حفْظ «قوس نفوذها» الاقليمي وإحياء الاتفاق النووي الذي تُحاذِر أن يحصل، وبمعزل عن «شياطين» بعض التفاصيل، في توقيتٍ تختاره واشنطن بما يخدم «التخريب» على روسيا في «ملعب النار» الأوكراني و«ليّ ذراعها».

وتعتبر هذه الأوساط أن حتى الموقف الرسمي اللبناني لم يظهر «على الموجة» نفسها في مقاربة مرتكزات الأزمة مع دول الخليج، وهو ما عبّر عنه كلام رئيس الجمهورية ميشال عون خلال زيارته الفاتيكان وروما (في حديث صحافي) حيث لم يكتفِ، وفق خصومه، بالدفاع عن «حزب الله المقاومة»، بل أغفل في معرض اعتباره أن الحزب «ليس له تأثير على الواقع الأمني الداخلي للبنانيين»، ليس فقط الدور الذي لعبه السلاح و«وهجه» في كسر التوازنات المحلية والإشارة إلى موضوع الاستراتيجية الدفاعية كناظمٍ داخلي لموضوع السلاح، بل أسقط أيضاً تهديده لأمن الخليج واستقراره وهذا حجر الزاوية في الغضبة التي انفجرت على لبنان الرسمي.

إقرأ أيضاً: مرشح صور الزهراني يوسف خليفة لـ«جنوبية»: الجنوبيون خرجوا من خوفهم بعد ١٧ تشرين

وفي حين أبدت الأوساط ُعيْنُها في هذا السياق الخشيةَ من أن تطغى حسابات الانتخابات النيابية والأهمّ الرئاسية لبعض الأطراف على أولوية «التقاط الفرصة» الجديدة الخليجية، ولو لجهة صوغ موقف رسمي موحّد يُلاقي ما انطلق منه ميقاتي، ومن دون أي توهُّم بوجود قدرة «تنفيذية» على إلزام «حزب الله» بما تعهَّد به رئيس الحكومة، فإن الأنظار تتجه إلى محطتين:

  • الأولى زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان لبيروت اليوم حيث سيلتقي كبار المسؤولين، وسط رصْد للمواقف التي سيطلقها وخشيةٍ من ألا تتأخّر عملية الالتفاف على بدايات معاودة التطبيع الخليجي مع بيروت، من بعض الداخل اللبناني، وذلك على قاعدة تأكيد «الأمر لمَن» في بلاد الأرز.
  • والثانية اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي نهاية الشهر في ظل رصْد لما إذا كان سيخرج عنه ما يكمل الإشارات الترحيبية السعودية والكويتية ببيان ميقاتي أو يطوّرها.

علماً أن رئيس الحكومة سيزور قطر نهاية الاسبوع الجاري للمشاركة في «منتدى الدوحة» حيث يُرتقب أن تكون له لقاءات مهمة، وهو حرص على التأكيد في مستهل جلسة مجلس الوزراء التي ترأسها أمس على اعتبار «أن التصريحات الصادرة عن السعودية والكويت تؤشّر إلى أنّ الغيمة التي خيّمت على العلاقات إلى زوال قريباً».

الراعي في ردٍّ ضمني على عون: إذا كان سلاح «حزب الله» ضد إسرائيل فلماذا يُدْخِلُنا في حروبٍ بأماكن مختلفة؟

وأكد ميقاتي «أن ما يربط لبنان وشعبه باخوانه في دول الخليج هو تاريخ مشترك وإيمان بمصير مشترك أيضا، وإن أي إلتزامات هي رهن بالخطوات التي يجري تطبيقها تباعاً على أمل أن تكون كفيلة بإعادة العلاقات الى طبيعتها»، مضيفاً: «نحن حريصون على تطبيق ما ورد في البيان الوزاري وندعو الأشقاء العرب للوقوف الى جانب لبنان».

وفي موازاة ذلك، كان بارزاً موقف للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في ختام زيارته لمصر رداً على موقف عون وسلاح «حزب الله»، إذ قال (لتلفزيون «ام تي في») «إذا كان سلاح الحزب ضد إسرائيل، فلماذا يُدْخِلُنا في حروبٍ بأماكن مختلفة»؟ داعياً «لأن يعود لبنان بلداً حيادياً، ومصلحته في الحياد الذي يحافظ على سيادته ولا يكون فيه دويلات ولا جمهوريات، ويحافظ على نفسه من اعتداءات اسرائيل وغيرها».

وأعلن «لأنّ اللبنانيين غير قادرين على الجلوس مع بعضهم البعض، طرحت أن يكون هناك مؤتمر دولي، كما حصل في الطائف، وتحدثت بذلك خلال لقاءاتي».

السابق
منخفض جوي جديد من اليوم وحتى السبت..بَرَد وثلوج والحرارة تنخفض 6 درجات!
التالي
«قطار التسويات» يصل إلى معقل «حزب الله» غرب دمشق!