نصرالله بإطلالة «الصناعة العسكرية»: مسيَّرات وتحويل صواريخ إلى دقيقة!

السيد حسن نصرالله

لم يكن ينقص الواقع اللبناني الذي يتخبّط في انهياره المالي وأزماته مع الخارج، إلا أن ينكشف على المزيد من الاهتزازات التي تعكس إصراراً على سياسة «القفز فوق الأشجار» على ضفاف نهر جارفٍ رُميت فيه البلاد المتروكة للغرق… البطيء.

وعبّرت أوساط واسعة الاطلاع عن الذهول من التطورات التي شهدها لبنان في الساعات الماضية سواء لجهة التوغل في جرّه نحو عين العواصف الإقليمية وفق ما عبّرت عنه إطلالة «الصناعة العسكرية والصواريخ والمسيّرات» للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، أو لجهة تفاقُم «العبث» السياسي الداخلي متعدّد الجبهة.

فمن خلف معاودة وضع القرارات الدولية ذات الصلة بسلاح «حزب الله» ولا سيما الـ 1559 على الطاولة وتحوُّلها ركناً رئيسياً في المبادرة الخليجية لمعالجة الأزمة مع لبنان، وعلى وقع المرحلة المفصلية التي دخلتْها مفاوضات النووي الإيراني، خرج نصرالله أمس، مجاهراً بأنه «أصبح لدينا قدرة على تحويل صواريخنا الموجودة بالآلاف الى صواريخ دقيقة وبدأنا ذلك منذ أعوام».

وتابع «منذ مدة طويلة بدأنا في حزب الله بتصنيع المسيَّرات ولسنا بحاجة لنقلها من ايران (…) وأقول للعدو، نحن بانتظارك (…) ولدى شبابنا القدرة على مواكبة كلّ تطوّر ونحن جاهزون لأي تطوّر جديد في صناعتنا العسكرية».

وإذ كرّست مواقف نصرالله أن «التحكم والسيطرة» في الواقع اللبناني بامتداداته الإقليمية تبقى في يد «حزب الله» وخارج أي قدرة تأثير للدولة فيها، فإن الوضع الداخلي كان مشدوداً إلى «المعارك الصغيرة» سواء في مجلس الوزراء الذي بالكاد «أفلت» من عاصفة الإقرار «الفوضوي» لمشروع الموازنة وتعيينيْن عسكرييْن حتى أوشك أن يقع في شِباك ملف الكهرباء، أو على جبهة «الحرب السياسية» المعلنة من فريق رئيس الجمهورية ميشال عون على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والتي تخاض بذراعيْن قضائية وأمنية وبدا أنها لامست «المنطقة الحمراء».

وإذا كانت «غضبة» رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على تخوم مناقشة ملف الكهرباء والخطة التي قدّمها وزير الطاقة وليد فياض الذي خاطبه الأول بـ «سكوت ولا»، تم احتواؤها بـ «تطييب خاطر» الوزير ليكون لـ «البحث تتمة» بعد أن يعاود الأخير توزيع خطته بالعربية (عوض الانكليزية وقد تولى شرحها على الحاضرين بالعربية) وعلى وقع «قيود» فرضتْها مكونات الحكومة الأخرى على قاعدة «لا زيادة قرش على التعرفة قبل رفْع التغذية بالتيار»، فقد بدا لافتاً أن قضية سلامة بقيت خارج أي «التقاط أنفاس» في ضوء تطورات «ثلاثاء المطاردة القضائية» لسلامة، التي فرْملها ما كاد أن يتحوّل صِداماً بين جهاز «أمن الدولة» وقوى الأمن الداخلي، والذي فَرَضَ أمراً واقعاً كرّس معه فريق رئيس الجمهورية معادلة المضي بالملاحقة والإصرار على الإحضار بالقوة فإما «انفجارٌ متعدد البُعد للملف ومهما كلف الأمر أو انفراجه» وفق شروط عون.

 «المستقبل»: فجّ ومريب استهداف عثمان بعد سلامة ورئيس الجمهورية فتح لحساب تياره عدلية خاصة على رأسها غادة عون

وسريعاً تبلور أن ملف سلامة يتجه لجولات تصعيد جديدة تحت عنوان جلْب سلامة أمام القاضية غادة عون مخفوراً، وهي الجولات التي باتت تسابق تسريبات عن احتمالاتِ بلوغ «مخارج آمنة» له (استبداله) تبقى حتى الساعة شائكة نظراً لتشابُكها مع حسابات سياسية وانتخابية وحساسيات خارجية تتصل بمجمل دور سلامة كـ «صندوقة أسرار» للوضع المالي وأخواته منذ نحو 3 عقود ودوره في مرحلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي على خطة إنقاذ ما زالت عالقةً عند مكابرةِ السلطات اللبنانية في اعتماد أطر لها (وخصوصاً لجهة توزيع خسائر الفجوة المالية) صارت «أشهر من أن تُعرَّف».

ولم تتأخّر القاضية عون في «ترجمة» اتهامها للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بعرقلة تنفيذ أمر قضائي (جلب سلامة من منزله) وتلويحها بملاحقته، إذ ادعت أمس على عثمان أمام قاضي التحقيق الاوّل في جبل لبنان نقولا منصور الذي حدّد جلسة استماع الأسبوع المقبل وبلغ عثمان عبر وزارة الداخلية، وسط معلومات عن أنه طلب من مديرية أمن الدولة تفاصيل ما جرى أثناء التوجه الى بيت سلامة.

إقرأ أيضاً: «حزب الله» يدمر «المجلس الشيعي».. ويرقص على جثته! (١)

وقبل أن يجفّ حبر ادعاء عون على المدير العام، تطايرت التشظيات السياسية لهذه الملاحقة المتفجّرة، على خط رئيس الجمهورية – «تيار المستقبل» (بقيادة الرئيس سعد الحريري) الذي كرر أمس الخرق «الموْضعي» لقرار تعليق العمل السياسي والذي كان بدأه الثلاثاء باتهام عون مباشرة بأنه طلب من رئيس «أمن الدولة» اللواء طوني صليبا توقيف سلامة وتنفيذ قرار الدهم (لمنزله ومكان سكن آخر ومقر البنك المركزي) و«جروه حتى لو استدعى الأمر الاشتباك مع قوى الامن الداخلي».

وقد اعتبر «المستقبل» في بيان شديد اللهجة أن «رئيس الجمهورية قرر مغادرة موقع الرئاسة في قصر بعبدا والالتحاق بالجنرال ميشال عون في الرابية للمشاركة في معارك التيار الوطني الحر لضرب مؤسسات الدولة الشرعية»، معلناً «أن آخِر البدع التي يرتكبها رئيس الجمهورية تغطية قرار القاضية غادة عون بالادعاء على قائد قوى الامن الداخلي بتهمة القيام بواجباته الأمنية والقانونية بحماية شخصية عامة جرى تكليف قوى الامن بحمايتها هو حاكم مصرف لبنان».

وأضاف «رئيس جمهورية الرابية وتوابعها يعلن النفير العام لخوض الانتخابات النيابية، ويفتح لحساب تياره السياسي عدلية خاصة تقف على رأسها غادة عون. ان استهداف قيادة قوى الأمن الداخلي بعد حاكمية مصرف لبنان بهذا الشكل الفج والمريب، هو أمر مرفوض بكل المقاييس. والقاضية عون لا تتصرف من رأسها، وعلى اللبنانيين ان يبحثوا عن الرؤوس المدبرة لاغراق البلاد في مزيد من الفوضى، في أروقة القصر الذي يقيم فيه العماد عون».

وإذ تم التعاطي مع هذا الدخول القوي من «المستقبل» على خط ملفيْ سلامة وعثمان على أنه بمثابة «بطاقة صفراء» برسْم الجميع، وبينهم ميقاتي إزاء أي تساهُل في «كشْفهما» سياسياً، وفي الوقت نفسه تعبيراً عن التداعيات المكلفة للانخراط المكشوف في إدارة ملف قضائي بـ «قفازات» سياسية، فإن الخشية تتصاعد من أن يصيب التعاطي الأمني مع قضية سلامة محاولةَ كبْح جماح الارتطام المميت ولو بـ «اللحم الحي» (دولارات من الاحتياطي الإلزامي) والتي أخّرت بلوغ سعر الدولار مستويات قياسية، وإن بإجراءاتٍ تعكس تحسناً «اصطناعياً» لليرة التي ستكون على مواعيد متوالية مع ارتجاجاتٍ سياسية هائلة في الطريق لاستحقاقات مفصلية ومتسلسلة تبدأ بعد انتخابات 15 مايو النيابية، وخصوصاً تشكيل حكومة جديدة والانتخابات الرئاسية (خريف 2022) التي يُتوقّع أن يشهد مسارها مطاحنات ضارية.

في موازاة ذلك، لم تهدأ ارتداداتُ جلسة الحكومة التي كرّست من جهة «تَجَرُّع» الثنائي الشيعي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري ما اعتبروه «إقراراً غير قانوني لمشروع الموازنة في الجلسة السابقة» مع تحويل مناقشاته في البرلمان «ساحة تهشيم له»، وفي الوقت نفسه «إضاءة الأحمر» أمام المضيّ في مسار التعيينات «خلافاً للمبدأ الذي عدنا على أساسه» للمشاركة في جلسات مجلس الوزراء وهو حصْر جدول الأعمال بالموازنة وخطة النهوض والشؤون المعيشية، وهو ما تجلى في عدم عرض مسألة تعيين نائب مدير أمن الدولة (شيعي) على جلسة الثلاثاء.

وإلى جانب هذا البُعد من الجلسة التي أقرت أيضاً تمويل الانتخابات النيابية (15 مليون دولار لوزارة الداخلية و4 ملايين لوزارة الخارجية لتأمين مشاركة المغتربين)، بالتوازي مع معاودة عون إثارة ضرورة اعتماد الـ «ميغاسنتر» لاقتراع الناخبين بأماكن سكنهم، وهو ما تعاطى معه خصومه على أنه محاولة جديدة لزرع «ألغام» في طريق إجراء الاستحقاق النيابي بمواعيده، فإن ملف الكهرباء «كهْرب» الأجواء بين ميقاتي ووزير الطاقة بعدما اعتبر الأول أن الخطة المنتظرة (يُحدَّد في ضوئها اذا كان ثمة حاجة لسلفة أم لا) والمقسَّمة على 4 سنوات (وصولاً لكهرباء 24 على 24) لا تحمل مقترحات لحلول سريعة.

وأشارت تقارير إلى ان ميقاتي خاطب فياض، قائلاً «لا نريد خططاً فقط، نريد ان نعطي كهرباء للناس، ونريد تشكيل الهيئة الناظمة وزيادة التغذية قبل رفع التعرفة، وحلولاً مستدامة تتضمن التغذية والجباية وتركيب العدادت الذكية، ويجب ان نبدأ بهذه الأمور».

دخول «المستقبل» على خط ملفيْ سلامة وعثمان اعتبر على أنه بمثابة «بطاقة صفراء» برسْم الجميع وبينهم ميقاتي إزاء أي تساهُل في «كشْفهما» سياسياً

لكن الوزير احتج مشيراً الى انه يبذل جهده لوضع الخطة قيد التنفيذ. وحين رفع صوته وهو يدافع عما عرضه، ردّ عليه رئيس الحكومة صارخاً وطالبا منه الصمت قائلاً «سكوت ولا» قبل أن يعود لتهدئة الوضع و«يواخذ نفسه على الكلمة».

وتحدثت معلومات عن أن رئيس الحكومة يفتش عن حلول آنية وخطوات سريعة إصلاحية تتناول خصوصاً شروطاً يضعها البنك الدولي لتمويل استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سورية، وسط تقارير تحدثت عن ان ميقاتي سيتوجه الى ميونيخ الخميس المقبل وقد يتلقى عرضاً في ملف الطاقة.

السابق
نصرالله يُحوّل لبنان إلى مصنع للصواريخ والمُسيّرات ..والجنون العوني يَتمدد إلى عثمان!
التالي
«جيش النواعم» في روسيا وأوكرانيا!