إحباط محاولة جعْل انكفاء الحريري «صاعقاً» لتطيير الانتخابات!

نجيب ميقاتي و ميشال عون

تتقاطع الاختباراتُ القاسيةُ التي تضع لبنان أمام محطاتٍ مفصلية يُخشى أن يتوغّل معها في انسلاخه عن نظام المصلحة العربية، مع ما لذلك من تبعاتٍ من شأنها أن تنقل أزمته مع دول الخليج العربي خصوصاً إلى مرحلة «حرْق المراكب» وهدر آخر الفرص لـ «بلاد الأرز» للإفلات من مصير قاتم تترنّح معه حالياً بين «الدولة المارقة» و… الدولة الفاشلة.

وفي حين تنهمك بيروت هذه الأيام في إنجاز مشروع موازنة 2022 ثم خطة النهوض التي تشكل ركيزة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وذلك على وقع ازدياد مؤشرات الخفّة الفضائحية في أداء وزراء يضطلعون بملفات حيوية سواء بمواقفهم المعلنة أو «السرية» التي يفضحها «ميكروفون مفتوح» (كما وزير الطاقة وليد فياض)، فإن «الانفصامَ اللبناني» مضى في «حصْد» المزيد من المحاولات السوريالية لبلوغ «الخلاص» من الارتطام المميت – الذي لا مفرّ من أن يكون على حمّالة الدعم الخارجي (من دولٍ وصندوق النقد ومؤسسات مالية أخرى) – من دون إجراء أي تعديلٍ على البنية السياسية التي انهار عليها وبسببها الواقع المالي – الاقتصادي نتيجة «فائض قوة» حزب الله الذي تطايرت تعبيراتُه على امتداد الوضع المحلي ومَفاصله، وصولاً إلى عموم خريطة المنطقة وساحاتها اللاهبة.

ولعلّ أكثر تعبيرٍ عن «الشيء وعكسه» في سلوك لبنان الرسمي يتظهّر في مقاربته الورقة الكويتية – الخليجية – العربية – الدولية التي حمل الجواب عنها إلى الكويت أمس وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب، وفق معادلةٍ «انتهت صلاحيتها» وحاولت التوفيق مجدداً بين الحرص «اللفظي» على العلاقات مع الدول العربية وأمنها ومصالحها وبين «نفض اليد» من الترجمة «الفعلية» لهذا الحرص، والذي لا تراه بلدان مجلس التعاون خصوصاً إلا على صعيد الحدّ من تمكين «حزب الله» لبنانياً ولجم أدواره في الاقليم لا سيما في الملف اليمني، ومعالجة سلاحه وفق منطوق القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن 1559 و1680 و1701.

لبنان يُعْلي أولوية السلم الأهلي على تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بسلاح «حزب الله»

ولم يكن عابراً أن يُعْلي لبنان قبيل توجُّه بوحبيب إلى الكويت ومعه الرسالة الجوابية عن البنود الـ 12 في المذكرة التي حملها وزير الخارجية الشيخ أحمد الناصر إلى بيروت أولويةَ «السلم الأهلي والاستقرار» كسقفٍ سعى إلى التملص عبره من «عدم الرغبة وعدم القدرة» على التعاطي مع إشكالية سلاح «حزب الله»، بوصفها مشكلة إقليمية وبمثابة «زرّ تفجير» للواقع اللبناني برمّته، محاولاً من خلال هذا «التحايل» الديبلوماسي كما عبر اقتراح تشكيل لجان مشتركة لبنانية – خليجية النفاذَ من أولوية المجتمعين العربي والدولي بعدم سقوط «بلاد الأرز» في الانهيار الشامل وحفْظ الحدّ الأدنى من مقومات الدولة ومؤسساتها لا سيما الأمنية، لشراء المزيد من الوقت تفادياً لاستجرار إجراءات خليجية جديدة تعمّق الأزمة المفتوحة منذ أكتوبر الماضي والتي تفاقمت مع تصعيد الحوثيين اعتداءاتهم على السعودية وصولاً إلى دولة الإمارات.

وفي هذا السياق، ساد بيروت أمس «حبْس أنفاس» حيال ما بعد الردّ اللبناني الذي سيكون أيضاً محور نقاش داخل وعلى هامش الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب اليوم في الكويت، رغم أن لا قرارات ستصدر عنه، وسط رصْدٍ لوقْع الجواب الذي حمله بوحبيب باعتبار أنه سيشكّل مؤشراً لمرحلةٍ جديدة يصعب أن تكون كما قبلها بعدما جاءت المبادرة في الشكل والمضمون والصياغة و«المهلة الزمنية» للردّ وكأنها دعوة لبيروت لحسْم خياراتها على قاعدة «يا أبيض يا أسود».

إقرأ أيضاً: خاص «جنوبية»: حراك لبناني عربي لرفع «الإحباط السني».. بمباركة الحريري!

علماً أن رئيس الجمهورية ميشال عون أعلن بعد زيارته أمس دار الفتوى في إشارة الى المبادرة الكويتية «ان هناك مسعى حالي سنعمل على إعطائه الأهمية اللازمة حتى يتم الاتفاق وتعود العلاقات كما كانت في السابق وأفضل»، مؤكداً «كان الرأي متفقاً على ضرورة إقامة افضل العلاقات وأمتنها مع الدول العربية، وأن الأولوية تبقى للمحافظة على السلم الأهلي والاستقرار في البلاد».

ولم يحجب هذا العنوان البالغ الأهمية الأنظار عن الوضع الداخلي الذي يختزله منذ 24 الجاري الإعلان الصادم للرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري تعليق العمل في الحياة السياسية، وما أحْدثه من إرباكاتٍ على أكثر من مستوى سياسي ووطني خصوصاً انتخابي قبل أقل من 4 أشهر على الاستحقاق النيابي في 15 مايو المقبل، في ضوء الضبابية الكبرى التي تلفّ حضورَ المكوّن السني في هذه المحطة، التي تخضع لمعاينة عربية ودولية لصيقة، ومَن وكيف سيتم ملء الفراغ الكبير الذي يشكّله انكفاء الزعيم الأكبر لهذا المكوّن، وتالياً قطع الطريق أمام «سباق وراثة» جمهور الحريرية السياسية، من حلفاء مفترضين أو خصوم.

وبدا واضحاً من تَحَوُّل دار الفتوى محور حراكٍ بارز في اليومين الماضيين، سواء في اتجاهها أو من المفتي الشيخ عبداللطيف دريان نحو السرايا الحكومية، استشعار القيادة الروحية والسياسية السنية وطأة «الصخرة» التي رماها الحريري في المياه الراكدة اللبنانية، ومحاذرتها جرّها إلى تحميلها وزر الإطاحة بالانتخابات النيابية عبر تحويل انكفاء زعيم «المستقبل» صاعقاً لتفجير هذا الاستحقاق و«اختباء» الراغبين و«الخائفين» الفعليين من «امتحان الناس» وراء هذا «الانسحاب» للدفع من الخلف نحو تطييره تحت عناوين مثل الميثاقية وأن البلد لا يتحمل مقاطعة مكوّنٍ للانتخابات.

وفي حين جاء حسْمُ الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، أن الحزب التقدمي الاشتراكي سيشارك في انتخابات 15 مايو وقفله الباب أمام المناخات التي سادت حول نيته «التضامن» مع خيار الحريري، في السياق نفسه الرامي لترْك مَن يرغبون بالإطاحة بالانتخابات لخشيةٍ من نتائجها، يحملون بأيديهم «كرة النار» هذه، فإن البارز أمس كان زيارة عون غير المسبوقة منذ عودته الى لبنان في 2005 لدار الفتوى.

وإذ أكد عون «الدور الذي تلعبه الطائفة السنية الكريمة في المحافظة على وحدة لبنان وتنوعه السياسي، وعلى أهمية المشاركة مع سائر مكونات لبنان في الحياة الوطنية والسياسية والاستحقاقات التي ترسم مستقبل لبنان»، معلناً «لا نريد الطائفة السنية ان تخرج من العمل السياسي في لبنان، لأننا سمعنا أنه قد تحصل مقاطعة، ولا نريد أن تحصل المقاطعة»، ومشدداً على أن الانتخابات ستجرى في موعدها، فإن أوساطاً مطلعة استوقفها الحرص الذي كان أبداه كل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيس السابق فؤاد السنيورة على نفي الاتجاه لمقاطعة استحقاق 15 مايو.

وجاء هذا النفي بعد زيارة المفتي دريان للسرايا الحكومية ثم توجهه مع ميقاتي لتأدية صلاة الجمعة في المسجد العمري الكبير في وسط بيروت، بمشاركة السنيورة، حيث أكد رئيس الحكومة «ليس المهم المشاركة الشخصية في الانتخابات أو عدمها، فالانتخابات في موعدها، وصحيح أنّ الرئيس الحريري أعلن عزوفه، لكن نحن حتماً لن ندعو الى المقاطعة السنّية لِما فيه خير الطائفة».

عون زار دار الفتوى: لا نريد الطائفة السنية أن تخرج من العمل السياسي في لبنان ولا أن تحصل المقاطعة

ورغم إسقاط ورقة المقاطعة السنية للانتخابات، إلا أنه لم يكن ممكناً تَلَمُّس آلية مشاركة هذا المكوّن في الاستحقاق النيابي بما يمنع «استفراده» وتَقاسُمه «حصصاً» بين الحلفاء والخصوم من القوى السياسية الأخرى، وهل يمكن الوصول إلى ما يشبه «الإدارة الجَماعية» التي تتولى أقله ضبْط المشهد الانتخابي بما يُبْقي هذا المكوّن عنصر توازن في الواقع اللبناني بامتداده الاقليمي.

وفي موازاة ذلك، انشغل الوسط السياسي بإعلان شقيق الرئيس سعد الحريري، بهاء، دخوله المشهد اللبناني تحت عنوان «استكمال مسيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري»، معتبراً «ان أي تضليل أو تخويف من فراغ على مستوى أي مكون من مكونات المجتمع اللبناني يخدم فقط أعداء الوطن، فما بالكم التخويف بالفراغ في أكبر طائفة في لبنان التي لي شرف الانتماء اليها».

وفي حين أكد رفض التخلي عن المسؤولية «بوضع جميع إمكاناتنا في سبيل نهضة لبنان»، قال «عائلة الشهيد رفيق الحريري الصغيرة كما عائلته الكبيرة لم ولا ولن تتفكك، وبالشراكة والتضامن سنخوض معركة استرداد الوطن واسترداد سيادة الوطن من محتليها (…) ومستمرون في ما تعلمناه من والدي أننا أهل الاعتدال لا التطرف، الإعمار لا الانهيار، المواطنة لا التفرقة، السيادة لا الارتهان، وأهل العمق العربي».

السابق
نقمة عمالية على «الثنائي» جنوباً..ومزارعو البقاع ضحية الثلوج!
التالي
أكثر من رسالة وأقلّ من مبادرة من الفاتيكان إلى لبنان!