حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: حراكُ ١٧ تشرين وضابط الايقاع

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

شكل بيان “شرعة الانقاذ الوطني” الذي صدر قبل عدة ايام، ونال اهتماما اعلاميا لافتا، بعد أن نشرته معظم وسائل الاعلام اللبنانية من صحف مكتوبة او مواقع الكترونية، أو من محطات اذاعية او تلفزيونية، موقفا مفصليا هاما وضابط ايقاع، حدد ثوابت حراك قوى ١٧ تشرين، ورتَّب أولوياتها النضالية، فطالب بإصرار وثبات، على أنَّ لا حل لازمة لبنان, ولا رجوع الى عافيته الاقتصادية واصلاح وضعه المالي، في ظل استمرار هذه السلطة ومنظومتها السياسية الحاكمة، وان الطريق لانطلاق عملية النهوض الاقتصادي ووقف الانحدار المالي والنقدي الكارثي، مبتدؤه تغيير سياسي عميق، يترسخ ويتأتى عبر اعادة تكوين السلطة، وقد أكد البيان مرة جديدة، ادراك قوى حراك  ١٧ تشرين ان المنظومة الحاكمة، التي قادت ثورة مضادة في وجه الانتفاضة، واستعملت كل انواع القمع والبطش لشل فعالياتها وتشتيت قواها، هي متمسكة ببقاء سلطتها وادامة سيطرتها، رغم عدم امتلاكها أية خُطَطٍ او حلول مالية واقتصادية، لتخفيف آلام الأزمة ومفاعيل تداعياتها، والمنظومة في حالة شللها واستنكافها وامتناعها السافر، عن اعتماد حلول او تبني استراتيجيات لوقف الانهيار، تصر على الاستمرار في استغلال الأزمة واستثمارها، كفرصة للتربح ونهب ما تبقى من ودائع اللبنانيين، والأموال والاملاك والمرافق والمؤسسات العامة.

اقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: السيادة أولاً..بل سياديون أولاً!

 كما  اعتبر البيان، ان المعركة النيابية المقبلة، هي محطة من محطات مواجهة قوى المنظومة السلطوية، التي تندرج مع محطات ومعارك نضالية أخرى، في النقابات والبلديات والفعاليات النضالية والشعبية، في الشوارع والساحات والمنتديات الثقافية والمواجهات الاجتماعية والقانونية، وأنَّ خوضَ كل هذه المواجهات، وإعدادَ أسباب النجاح في كل واحدة منها، مشروط ومرتبط، بإقامة أوسع تحالفات معادية لمنظومة السلطة، وبتمتين وحدة قوى ١٧ تشرين، وتصليب تضامنها وسلامة إدائها.

حدد ثوابت حراك قوى ١٧ تشرين ورتَّب أولوياتها النضالية على أنَّ لا حل لازمة لبنان في ظل استمرار هذه السلطة

 كما لاحظ البيان، سعي السلطة بمختلف أطرافها، الى إيجاد الذرائع والمبررات لتأجيل الانتخابات، والتملص من الضغوط الدولية والعربية من أجل فرض اجرائها، وقد رفضت “شرعة الانقاذ الوطني”، التي تتمتع بتأييد واسع ضمن مجموعات الانتفاضة، حيث نال توقيع نصها التأسيسي” اكثر من ٧٠ الف مؤيد ونصير، رفضت هذه الشرعة أيَّ محاولة سلطوية لتأجيل الانتخابات او الغائها، على الرغم من ان القانون الانتخابي المعتمد، قد تم تفصيله على قياس اطراف المنظومة ومصالحها، وبما يؤمن للمنظومة مزايا كثيرة وقدرات كبيرة، تُمَكِّنها من تحريف نتائجها وتلافي خسارات تلحق بها وتنجو منها.

 وعلى الرغم من تحفظات أساسية على مضمون القانون الانتخابي المعتمد، الذي تم حصر عيوبه الكثيرة بستة مآخذ كبيرة؛  من تفصيله الدوائر على قياس امراء الاحزاب الطائفية، الى تغييبه حق الانتخاب للشباب انطلاقا من عمر ١٨ سنة، الى عدم افساحه بالمجال لكوتا نسائية، تتيح مشاركة فعالة للمرأة في الندوة النيابية، الى رفض تنظيم التصويت في اماكن السكن، الى الخلل في الاشراف على العملية الانتخابية، وتسخير اجهزة الدولة وخدماتها لصالح منظومة السلطة،  وفلتان الانفاق الانتخابي من اية قيود حقيقية، وأخيرا انعدام تكافؤ المنافسة في التغطية الاعلامية… على الرغم من تاكيد البيان على التحفظات الاساسية هذه، التي طالت الانتخابات النيابية المنتظرة، فانه رفض رفضا باتا اية محاولة لتعطيل الانتخابات او تأجيلها، متجاوزا اتجاهات عدمية وطفولية، كانت تدعو الى تبني مواقف مقاطعة للانتخابات، بذرائع مبدئية تدعي مبالغة في الثورية، ولذلك فهو دعا حراك ١٧ تشرين الى خوضها، بأوسع تحالفات وائتلافات سياسية وانتخابية عريضة، وتقاطعات موضعية حسب كل دائرة، تتيح اضعاف المنظومة السلطوية وتفكك عناصر قوتها ولحمة تضامناتها.

لاحظ البيان سعي السلطة بمختلف أطرافها الى إيجاد الذرائع والمبررات لتأجيل الانتخابات والتملص من الضغوط الدولية والعربية من أجل فرض اجرائها

ولعل ما هو مطلوب اليوم، اكثر مما اورده بيان الشرعة، حول ضرورة خوض الانتخابات النيابية والبلدية، وكل المواجهات النضالية في النقابات والساحات والجامعات والمهن، هو خلق وتطوير اليات تنسيقية، توحد جهود قوى الحراك، وتبني شبكة من الناشطين على مساحة لبنان كله، تكون عابرة للطوائف والمناطق والاجيال والنوع، غنية باتجاهات الرأي  والفكر والخبرات، ذاخرة بشجاعة الشباب والنساء، وغنية بخبرة اهل العلم والاختصاص والتجربة، ومتضمنة كل قطاعات الاعمال والمهن والحرف، والعاملين في قطاعات الانتاج في الصناعة والزراعة والخدمات، لا تعيقها اعتبارات ايديولوجية، ولا تشرذمها ارتباطات خارجية او طائفية، بل توحد صفوفها في مواجهة المنظومة مجتمعة، وتتقدم لتحقيق اهدافها الموحدة، بإضعاف المنظومة والسعي لإسقاطها، عبر ورقة مطالب إنقاذيه، تؤدي تدرجا، الى قيام دولة سيدة على حدودها وداخل حدودها،  دولة ديموقراطية مدنية حديثة، اساسها احترام القانون وفصل المؤسسات الدستورية وتعاونها، ومبدا تداول السلطة وتعاقبها، وشرعيتها مستمدة من مفاهيم المواطنة وحرية الفرد وحقوق الانسان…

لعل ما هو مطلوب اليوم اكثر مما اورده بيان الشرعة توحد جهود قوى الحراك وتبني شبكة من الناشطين على مساحة لبنان كله

اضافة لما تقدم، فمن الملحّ، توازيا مع انشاء الشبكة وصياغة ورقة المطالب، خوض معركة توزيع خسائر الازمة الاقتصادية، وتخفيف اعبائها عن كاهل اوسع فئات شعب لبنان، الذي باتت نسبة ٨٠ بالمائة منه، تعيش تحت خط الفقر،  والذي جرى نهبه بشكل سافر، ولا بد من خوض معارك تعديل الاجور، والدفاع عن القدرة الشرائية، لعموم المواطنين ولجم تعاظم غلاء المعيشة، واستعادة خدمات الرعاية الاجتماعية العامة في الصحة والاستشفاء والطبابة والدواء، ومواجهة سياسات تفكيك نظام التعليم العام والخاص في لبنان، وبمختلف مستوياته من الاساسي حتى الجامعي، كما لا بد من الانخراط في معركة التصحيح المالي واعادة هيكلة القطاع المصرفي، ومنع جمعية المصارف، وحماتها في المنظومة الفاسدة،  من سرقة ودائع شعب لبنان، وتحميل المودعين مسؤولية الانهيار وخسائره، واستفادة اوليغارشيا الفساد والسلاح، من مديونية الدولة للاستيلاء على المرافق، والمؤسسات العامة  وتحقيق الارباح المضاعفة من صناعة الانهيار اولا، ثم اضافة ارباح جديدة من خطط استعادة النهوض والتعافي الاقتصادي.

من الملحّ توازيا مع انشاء الشبكة وصياغة ورقة المطالب خوض معركة توزيع خسائر الازمة الاقتصادية وتخفيف اعبائها عن كاهل اوسع فئات شعب لبنان

الازمة مديدة ومستمرة، وتداعياتها مؤلمة ومتشعبة، وتداعياتها متفجرة ومتحركة ومتوالية، والمعركة فيها طويلة ومضنية، وجموع الناس التي تسحقها الازمة، وتهدد مستقبل اولادهم ومستويات خدماتهم وضرورات حيواتهم طويلة ومتنوعة، ولذلك تتبدى الحاجة ملحة وحيوية لضابط ايقاع، ينظم هذه الفوضى الشاملة.

السابق
مرجعيات دينية سنيّة قلقة: الصورة السنّية في حال من الإرباك الشديد
التالي
هذه حال الطرقات الجبلية اليوم