«وصايا» الامام شمس الدين في ذكرى رحيله.. ما أحوج الشيعة ولبنان إليها!

الشيخ محمد مهدي شمس الدين
في الذكرى 21 لرحيل الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، لا بدّ من اعادة الاضاءة على "وصاياه" للبنانيين عموما والشيعة خصوصا، التي اشتهرت بعد رحيله، وهو كان سجلها قبل وفاته بأسابيع قليلة، وانفرد موقع "جنوبية" العام الفائت في الذكرى العشرين لرحيله بنشرها بصوته الشريف الذي كان واهناً وضعيفاً بفعل مرضه الشديد.

فقد كشفت “الوصايا” التي طبعت في كتاب ونشرها نجله الوزير السابق ابراهيم شمس الدين، تحت عنوان “الوصايا” وصدرت عن “دار النهار”، وأكدت بعد نظر الإمام، الذي استشرف ما سوف يلمّ بلبنان والعالم العربي من نزاعات وحروب طائفية، بفعل المشاريع السياسية الخاصة لكلّ فئة، فيظهر بذلك ان وصاياه تصلح لبرنامج فكري وسياسي واجتماعي للشيعة العرب في البلدان العربية خاصة، ولجميع المسلمين عامة.    

إقرأ أيضاً:

 الامام شمس الدين حذر في وصاياه من خطورة المشاريع الشيعة الخاصة، وانه سيكون تأثيرها سلبياً عليهم لكونهم أقلية في المنطقة، ثم شرح الامام الراحل في وصاياه موقع الشيعة ووظيفة التشيّع وفي لبنان وغيره من الأوطان، ووجوب عدم تشكيلهم لمشاريع خاصة حتى لو كان غايتها رفع الظلم، لأن نشاطهم يجب ان يظلّ وطنيا وليس خاصا أي (طائفيا) لانه سيرتد عليهم سلبا بوصفهم أقلية في المنطقة.  

كانت الذروة انخراط حزب الله في الحرب السورية لصالح نظام الرئيس بشار الأسد ضدّ غالبية الشعب  

وقال بالنص “وأكرر للمرة الثالثة على ما أظن في هذه الوصايا على الشيعة اللبنانيين أن يندمجوا في محيطهم الاسلامي اللبناني اندماجا كاملا، وان لا يقوموا بأية خطوة تمايزهم عن غيرهم من اخوانهم المسلمين اللبنانيين   وفي نفس الوقت هذا الاندماج لا يكون على قاعدة  طائفية مذهبية،  وانما يكون منسجما مع الاندماج في الوطن العام مع الشعب اللبناني كله وعلى قواعد الثوابت الميثاقية للشعب اللبناني، التي تؤكد بالدرجة الأولى على أن المسيحية في لبنان جزء مكوّن للبنان كالإسلامية في لبنان، وأن لبنان لا يقوم الا بالتكامل والا بالعيش الواحد وليس العيش المشترك فقط والحمد لله رب العالمين “.   

قتال حزب الله مخالف للوصايا 

وبالعودة الى ما عبّر عنه الامام في وصاياه بأن “الشيعة أقليّة في المنطقة” وبالتالي فانه يتوجب عليهم عدم الانخراط في مشاريع سياسية خاصة، فإن ما يعنيه دون شك هو عدم تحدي مشاعر الاكثرية المسلمة سياسيا ودينيا، من اجل عدم انبعاث الفتن الطائفية المذهبية من جديد، وهو ما خالفه القيّمون على الطائفة الشيعية في العقدين الاخيرين، وذلك عبر الانخراط أولا في المشروع الطائفي الممانع العابر للأوطان الذي تقوده إيران ولاية الفقيه وعنوانه المعلن مقاتلة اسرائيل وأميركا من أراضي العراق وسوريا ولبنان واليمن، دون اعتبار لرأي حكام تلك الدول ولا شعوبها، فجرى تشكيل فصائل عسكرية رديفة شيعية ونصيرة، قامت بالسيطرة على القرار السياسي فيها وبعث الفساد المالي والفوضى الامنية مما اضعف تلك الدول وانهكها فدخلت في حروب اهلية ونزاعات، و الدليل، هو ما وصل اليه الحال في لبنان، فلم يكتف حزب الله بادخال الشيعة في مشروع طائفي كبير، ولكنه ايضا يحاول تطويع لبنان كل يوم في هذا المشروع “الممانع”، دون النظر الى عاقبة ما يفعل بعد سنوات عندما تنقلب الموازين السياسية في المنطقة.

 الوصايا على الشيعة اللبنانيين أن يندمجوا في محيطهم الاسلامي اللبناني اندماجا كاملا وان لا يقوموا بأية خطوة تمايزهم عن غيرهم من اخوانهم المسلمين اللبنانيين.

وأوقع “حزب الله” لبنان بما كان يحذر منه الإمام الراحل ويخشاه،  فقد مثل الحزب رأس حربة المشروع الممانع في المنطقة، وكانت الذروة انخراطه في الحرب السورية لصالح نظام الرئيس بشار الأسد، ضدّ غالبية الشعب التي ترى ان الحكم البعثي الذي استمر عقودا نظاما دكتاتوريا غير شرعي، واضعا بذلك الحزب لبنان ومستقبل شيعته برسم المجهول، مع العلم ان الحرب السورية التي اندلعت عام 2011 سقط فيها مئات الالاف من الضحايا بينهم الالاف من الشيعة المقاتلين في صفوف حزب الله. 

العودة الى الوصايا 

لا شكّ ان الاوان لم يفت بعد للاستدراك والعودة الى روح الوصايا، واول ما يجب فعله هو العودة عن “حلف الاقليات” في المنطقة غير المعلن، فيتخلى الشيعة عن التحالف مع الاقليات، في مواجهة الارادة الشعبية الجارفة لشعوب المنطقة بالتخلص من انظمتها الكتاتورية الظالمة، وقد بات غالبية المسلمين السنة وعامة جمهورهم مقتنعون، ان الشيعة يناصرون الانظمة المستبدة التي تقتلهم لاسباب طائفية، وهو امر خطير جعل كثير من الموتورين منهم ينضمون الى تنظيمات جهادية تكفيرية لمقاتلة الشيعة في المنطقة متوهمين ان المذهب الشيعي حلّل قتلهم، وهم بالتالي يقابلونهم بالمثل.

وبعد عودة الشيعة المفترضة الى وطنهم لبنان، فان خطوة الانقاذ التالية التي لا بدّ منها هي قيام “الدولة المدنية” الحديثة، أو دولة بلا دين كما كان عبّر الامام الراحل شمس الدين، وهي دولة يحكمها قانون واحد يضمن الحرية والعدالة والمساواة للجميع دون النظر الى الديانات والاعراق التي ينتمي اليها رعايا تلك الدولة، في ظلّ دموقراطية حقيقية تكفلها “ولاية الامة على نفسها” وهي نظرية اجترحها ايضا الامام شمس الدين مقابل ولاية الفقيه، تؤصل لديمومة حكم رشيد يستند على حرية الشعوب وارادتها لا رأي الفقهاء، وذلك من اجل السير في ركب الحداثة التي فاتت المسلمين لقرون مضت فأورثتهم التخلف. 

وخلاصة القول، أنه لو تم الإلتزام بوصايا الإمام الراحل، لما ناصر جزء من الشيعة، محور الاقليات ومنعه من الإنهزام المحقق، مع ان المحللين يؤكدون انه لولا التدخل الروسي بتواطؤ أميركي عان 2015، لكانت الكارثة على قاب قوسين أو أدنى، ولكن مع الاسف لم يعتبر حزب الله ولا زعيمة المحور ايران، واعتبرت ان التدخل الروسي وسيلة للاستمار السياسي ايضا، في حين ان ما وصل اليه الحال اليوم من محاصرة سوريا اقتصاديا وسياسيا بقانون قيصر الاميركي، وإهمال مساعدة لبنان من قبل العرب والغرب ما جعله على شفير انهيار اقتصادي وشيك، والضغط حتى على ايران للموافقة على اتفاق نووي يتوّج اتفاق سياسي يقصيها وفصائلها المسلحة في سوريا، كل هذا من شأنه ان يبرهن عن قصر نظر من انخرط في هذا المشروع الانتحاري الذي يرتدّ حاليا سلبا على جميع اقطابه. 

السابق
خاص «جنوبية»: لا رواتب للموظفين المتعاقدين هذا الشهر!
التالي
«حزب الله» يضع «الخطوط الحمر» أمام «القبعات الزرق».. لإحراجها وإخراجها!