2021.. لبنان يترنح تحت ضربات أسوأ ثالث كارثة اقتصادية في التاريخ

حفل العام 2021 بتفاقم الازمة الاقتصادية والنقدية، التي بدأت نهاية العام 2019 ولا تزال مستمرة، وتشهد سقوطا مريعا، ولا يبدو في الافق بوادر حلول سريعة نتيجة الصراع السياسي المحتدم بين الاطراف اللبنانية كافة.

وشهد لبنان خلال العام 2021 انكماش الاقتصاد بنحو الثلث 11 % في هذا العام، ما أسفر عن أحد أكبر التقلصات في دخل الفرد عالمياً، خلال عقود وفرض ضغوطاً اجتماعية جمّة على الأسر اللبنانية، وسبب في هجرة طاقاته وادمغته ومهاراته القديرة.

أسوأ أزمة في تاريخ لبنان

وصنّف البنك الدولي الأزمة المالية في لبنان، كثالث أسوأ أزمة في التاريخ منذ أواسط القرن التاسع عشر، في ظل شبه غياب المجاميع الاستثمارية عند أدنى مستوياتها وضعف الاستهلاك الحقيقي، في ظل هبوط حاد لليرة اللبنانية امام الدولار الأميركي، حيث شارفت خلال العام على سعر 30 الف ليرة للدولار الواحد، بعدما كان في أوائل العام 15 الفا، وانعكس ذلك على المداخيل الحقيقية للأسر التي اصبح دخل الفرد اقل من 40 دولارا في الشهر، في حين أن إنفاق الدولة لا يمكنه التعويض عن ذلك بسبب متطلبات ضبط أوضاع المالية العامة والتي تأتي توازياً مع الحاجة إلى اعتماد سياسات التقشف.

الصادرات اللبنانية إلى بلدان الخليج تقدّر بنحو مليار دولار حوالي 30 % من مجموع الصادرات اللبنانية

ويعاني لبنان من أزمة سياسية كبرى وغير مسبوقة مع دول الخليج العربي، عقب تصاريح لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي بشأن حرب اليمن، ما اضطره الى الاستقالة لاحقا، والتي اعتبرت ذات طابع مناهض لسياسات دول الخليج، ما أدى على قطع العلاقات والتبادلات الاقتصادية والمالية وكل ما له تفاعل إيجابي على مستوى الطرفين.
اذ انّ الصادرات اللبنانية إلى بلدان الخليج تقدّر بنحو مليار دولار حوالي 30 % من مجموع الصادرات اللبنانية، بينما تقدّر تحويلات العاملين السنوية من هذه البلدان بنحو 3 مليار دولار حوالي نصف مجموع تحويلات العاملين اللبنانيين والتي تصدر عن جالية تعدادها 400 ألف لبناني في بلدان الخليج، وخسر لبنان عدد السياح الخليجيين الذين يزورون لبنان سنوياً من بلدان الخليج إلى لبنان عن 200 ألف زائر.

نكسة لبنانية خليجية

وأجمع عدد من الخبراء الاقتصاديين والماليين في لبنان “ان من شأن الخلاف مع دول الخليج ان يعرقل المسار الإصلاحي وجهود النهوض للحكومة نظراً للعلاقات التاريخية الراسخة للبنان مع دول مجلس التعاون الخليجي”.

تراجعت ودائع الزبائن بقيمة مليارين و200 مليون دولار في الفصلين الاول والثاني من العام 2021

وأظهرت احصاءات عام 2021 المصرفية تراجعاً مستمراً في الودائع والتسليفات، وانخفاضاً مستمراً في معدلات الفوائد ترافق مع زيادة في السيولة المصرفية الأولية في الخارج. وتراجعت ودائع الزبائن بقيمة مليارين و200 مليون دولار في الفصلين الاول والثاني من العام 2021.

في ظل هذه الأجواء، توقّع صندوق النقد الدولي أن يسجل الاقتصاد اللبناني انكماشاً نسبته 9% في العام 2021 وذكر في بيانات متتالية “أن لبنان هو البلد الوحيد في المنطقة الذي من المتوقع أن يسجل تقلصاً إضافياً في اقتصاده الحقيقي، ما يعكس عمق الأزمة الاقتصادية والمالية التي يرزح تحتها والتي زادتها حدّة الموجة الثانية من جائحة كورونا واوميكرون”.

صندوق النقد يتحرك

وكشفت معلومات “ان الدولة اللبنانية ستقر اتفاقا في النصف الثاني من كانون الثاني المقبل مع صندوق النقد الدولي، وان أي اتفاق ينبغي أن يتوصل إلى توزيع عادل للخسائر بين مختلف العملاء الاقتصاديين، ويشير الى ان الدولة تتحمّل الى جانب المصارف بشكل أساسي مسؤولية الأزمة الراهنة، إلا أن أي خطة تعافٍ يجب أن تبقي على حد أدنى من الأموال الخاصة للمصارف أي عند ما لا يقل عن 7 إلى 8 مليار دولار بعد احتساب كل الخسائر، أي ما يقارب15% من الأصول المعاد هيكلتها، وذلك انسجاماً مع المعايير العالمية للرسملة”.

تراجع زراعي وصناعي

وتراجع القطاعان الزراعي والصناعي، اللذان يعتمدان كثيراً على المحروقات. وهذا ما أدّى الى ارتفاع جديد لأسعار المنتجات المحلّية، مستتبعاً بالتالي مزيداً من إضعاف القدرة الشرائية للمستهلكين اللبنانيين إضافة الى وقف الصادرات الزراعية والصناعية الى الخارج وتراجعها على نحو ملحوظ جدا.

خيار إعادة الهيكلة المنتظمة، ينبغي أن يترافق مع الالتزام ببرنامج لصندوق النقد الدولي

ويؤكد الخبراء “إن خيار إعادة الهيكلة المنتظمة، ينبغي أن يترافق مع الالتزام ببرنامج لصندوق النقد الدولي الذي من المتوقع ان يتم التوقيع على اتفاق بين الصندوق والدولة اللبنانية المتمثلة بالحكومة، ويشمل الإصلاحات الهيكلية والمالية المطلوبة، ما من شأن ذلك أن يساهم في استعادة الثقة وإطلاق المساعدات الدولية التي ترتبط ارتباطا مباشرا، حسب خبير مالي بقرارات سياسية دولية، وهو ما ينبغي أن يعتمد على إعادة هيكلة القطاع العام للحدّ من حاجاته الاقتراضية، إنشاء صندوق سيادي يتضمّن قسطاً من أصول الدولة اللبنانية يقدّر بحوالي 30 مليار دولار لسدّ الثغرة القائمة بالعملات الأجنبية”.

تباطؤ القطاع العقاري

من جهته، واصل القطاع العقاري اللبناني نموه، وإن بوتيرة أبطأ هذا العام. ففي الواقع، إن النظرة الى القطاع العقاري باعتباره ملاذٍ آمن أخذت تتراجع نسبياً بين بداية الأزمة الاقتصادية والمالية حتى اليوم. فالطلب على العقارات تباطأ هذه السنة، بسبب توقف عمليات الدفع بواسطة الشيكات المصرفية، واشتراط البائعين تسديد الأثمان نقداً بالدولار الأميركي أو الدفع في الخارج.
وانعكس تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية ورفع الدعم عن المحروقات، والنقص في التغذية بالتيار الكهربائي سلباً على القطاعين الزراعي والصناعي، اللذين منيا بخسائر جمة ناتجة أيضا عن عدم التصدير الى دول الخليج العربي.

تقلص تجاري و خدماتي

وسجل قطاع التجارة والخدمات التقلص الأبرز، هذا وقد تأثر الاستهلاك الخاص سلباً بالمخاوف الاقتصادية والمحاذير النقدية المتنامية، إضافة إلى التأثير السلبي لجائحة كورونا على السلوك الاستهلاكي. وقد تلقى الاستثمار الخاص ضربة قاسية بفعل الضبابية المتزايدة في المشهد الاقتصادي والقلق المتنامي بشأن الآفاق السياسية والاقتصادية المحلية عموما.

.. الى 2022

وفي المحصلة، فإن اللبنانيين يعولون في سنتهم المقبلة 2022، على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي سيقوم بتأمين الدعم للبنان في حال تم التوصّل إلى اتفاق متكامل مع الحكومة اللبنانية يستند على عدد من النقاط أبرزها: الاتفاق على حجم الخسائر وتوزيعها على مختلف العملاء الاقتصاديين، تشريع قانون الكابيتال كونترول، توحيد أسعار الصرف المختلفة، التحضير لموازنة تقشفية تستهدف عجزاً لا يتجاوز 2% من الناتج المحلي الإجمالي، إصلاح قطاع الكهرباء، وإصلاح القطاع المصرفي من أجل تعزيز الحوكمة وقدرته على مواجهة الضغوط والعمل على استعادة دوره كعميل ذو صدقية بنّاءة يعوّل عليها إعادة هيكلة القطاع العام. في حال توفّرت مجمل هذه الشروط، يمكن للبنان ان يتوصّل إلى إبرام اتفاق تاريخي مع صندوق النقد الدولي، ما يمهّد الطريق أمام انعكاس النمط السائد على الصعيد الاقتصادي ووضع حدّ للضغوط الماكرو-اقتصادية والاجتماعية الضخمة التي ترزح تحتها البلاد منذ عامين.

في حال توفّرت مجمل هذه الشروط، يمكن للبنان ان يتوصّل إلى إبرام اتفاق تاريخي مع صندوق النقد الدولي

وتبقى مسألة إعادة المفاوضات البحرية لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل رهن الاتصالات اللبنانية والإقليمية والدولية، وبحسب المعلومات “ان ثمة إشارات أوروبية، تشير الى إمكانية عودة التفاوض، وبالتالي في حال تم ذلك، سينعكس إيجابا على الواقع الاقتصادي والمالي اللبناني الذي ينتظره اللبنانيون بفارغ الصبر”.

السابق
صور تحت رحمة التفلت الأمني.. وإستنفار حزبي!
التالي
رفع عصا «المقاومة» لضرب اللبنانيين.. لا الإسرائيليين!