رفع عصا «المقاومة» لضرب اللبنانيين.. لا الإسرائيليين!

علي الامين

شتان ما بين ثورة تأكل أبناءها، ومقاومة تخطف شعبا بأكمله، وتحوله الى رهينة لأجندتها الداخلية والإقليمية، غير عابئة بمستقبله، ولا آخذة في الحسبان أو بالاعتبار تاريخه، كمجموعات شبت على الحرية و الإنفتاح و ستشيب عليها. 

والأنكى من ذلك، ان “عصا” السلاح الذي ترفعه هذه المقاومة، أضاع بوصلته وضل طريقه، التي يفترض ان يكون، كما هو مزعوم، لدحر الإسرائيليين، و إذا به يتحول إلى “هراوة” لضرب اللبنانيين.. و”تأديبهم”!   

السطوة الأمنية والتهديد لكل من يخرج عن سلطة المنظومة، لم يزل فاعلا ومؤثرا في المجتمع اللبناني، وكابحاً لأي تغيير في عنصر من عناصر هذه السلطة، التي تسعى عبر خلافات مكوناتها إلى معاودة السيطرة والتحكم على من تفلت من القطعان المذهبية والطائفية في ١٧ تشرين وما بعده، لكن هذه المحاولات، وإن أظهرت قدرة لدى المنظومة على استعادة السيطرة، الا انها عكست ايضا عجزا متماديا، عن تغيير الرأي العام الرافض لبقائها، والمُطالب بحلول لأزمات صنعتها هذه المنظومة، وهي عاجزة اليوم عن معالجتها أو لا تريد حلاً لها.

القوة المادية العارية للمنظومة شكلت حجر الرحى في عملية الانقضاض على انتفاضة اللبنانيين ضد السلطة

القوة المادية العارية للمنظومة، والتي يقف على رأسها ويديرها “حزب الله”، شكلت حجر الرحى في عملية الانقضاض على انتفاضة اللبنانيين ضد السلطة، ولكن ذلك ليس كافياً لضمان تحكم المنظومة، بل هو مؤشر على العجز والافلاس السياسي، ويمهد لاستكمال الإفلاس المالي والاقتصادي الذي سببته المنظومة نفسها للدولة

السلاح والصواريخ والقوة القمعية يمكن ان ينجحوا في حماية منظومة حاكمة في كوريا الشمالية مثلا أو في أية دولة مختلفة عن لبنان

لذا فإن السلاح والصواريخ والقوة القمعية، يمكن ان ينجحوا في حماية منظومة حاكمة في كوريا الشمالية مثلا، أو في أية دولة مختلفة عن لبنان، بمعنى ان تنجح في دولة قادرة على أن تنغلق على نفسها، ويقتات شعبها من ارضها، وتغلق نوافذها على العالم، رغم ان هذا النموذج ايضا يفقد جاذبيته، و هو مرشح للانهيار، في ظل التباين الذي يتسع بين كوريا الشمالية وجوارها اقتصاديا وسياسيا وتنمويا لصالح الجوار، وهذا كفيل مع الوقت أن يؤدي إلى انهيار نظام الحكم الشمولي فيها.

في لبنان التاريخ، وكذلك النموذج الذي قام عليه الكيان، يتعارض تماما مع فكرة الاصطدام مع الجوار العربي، والانغلاق عن المحيط الإقليمي وعن الغرب عموما، طبيعة الكيان الجغرافية والديمغرافية، لا تتآلف مع الانغلاق، ولا تتماشى مع القوة المسلحة كقوة حاكمة ومقررة ومتحكمة، فالواقع يشير إلى أن قوة “حزب الله”، التي تتركز في الجنود والسلاح والعتاد والصواريخ، لم توفر للبنان حصانة من التداعي والانهيار على الأقل، وبالتالي فإن وجود ملايين الصواريخ للحزب، وحتى وجود قنبلة نووية افتراضا، فإن ذلك لن يضيف على الواقع، الا المزيد من التدهور والانهيارات. 

وجود ملايين الصواريخ للحزب وحتى وجود قنبلة نووية افتراضا فإن ذلك لن يضيف على الواقع الا المزيد من التدهور والانهيارات

مشكلة “حزب الله”، وكل من يؤيده بذريعة مقاومة إسرائيل وتحرير فلسطين، انهم في تأييدهم البريء هذا، قد قصروا مفهوم المقاومة على بعد واحد، و هو البعد العسكري، واهملوا ما هو أهم وأكثر فاعلية، اي البعد السياسي والاجتماعي والتنموي وحرية المجتمع. باختصار، فإن الأهم هو منظومة القيم التي تحكم أية دولة متقدمة التي بالضرورة تضم مجتمعا حيويا يحرص على حماية تلك القيم وأهمها الحرية.

كل ذلك تم تقويضه في لبنان لصالح السلطة والاستبداد ولقمع المختلف، فقد تحولت “المقاومة” إلى عصا لتأديب الشعب اللبناني والثورة السورية،  وملاحقة الأفراد الذين يجاهرون باختلافهم السياسي وباعتراضهم على منظومة السلطة والدفاع عن حقهم بالاختلاف والتعبير الحر.
لقد انهمك “حزب الله”، الذي احتكر حق المقاومة لنفسه في لبنان، في تأديب اللبنانيين والسوريين، أكثر مما انشغل في تأديب العدو، ونظره واحدة جلية نحو الحدود كفيلة بأن تظهر أين كان القتال واين كان الهدوء والاستقرار.

بينما يحقق “حزب الله” الانتصار تلو الانتصار كما يروج، ويعتبرها انتصارات للبنان فيما لبنان ينهار ويتراجع

كل ذلك، يشي بمفارقات عجيبة بل قاتلة، فبينما يحقق “حزب الله” الانتصار تلو الانتصار كما يروج، من انتصار على إسرائيل وانتصار في سوريا وصولا إلى اليمن، فإن كل هذه الانتصارات يعتبرها “حزب الله” انتصارات للبنان، فيما لبنان ينهار ويتراجع، وشعبه يزداد فقرا وبؤسا، ويبحث عن فرصة للهروب والهجرة، ليس بسبب حصار دولي مزعوم، بل بسبب هذه المنظومة المتحكمة والحاكمة، والتي نهبت المال العام، ودمرت الدولة، ونهبت أموال الناس، في جريمة موصوفة وغير مسبوقة ارتكبتها وهي تتفيأ برايات المقاومة وتحتمي بسلاحها، وتستكمل تدمير ما تبقى من إسرائيل..عفوا من لبنان!

السابق
2021.. لبنان يترنح تحت ضربات أسوأ ثالث كارثة اقتصادية في التاريخ
التالي
«حزب الله».. عام «الخطايا الوطنية الكبرى»