«حزب الله» يسبح عكس «التيار»!

حزب الله والبحر

التيار الوطني الحر، لم يكن في يوم من الأيام، اكثر من صناعة مقبولة لحاجة إستراتيجية، ارادها حزب الله لأجل انجاح مشاركته في الحرب الإقليمية، التي خاضها ويخوضها في دول عربية إنطلاقا من لبنان. التفاهم الذي أسس لهذه العلاقة لم يبن على ما هو منطقي ومتوازن، ويفترض به أن يكون موجودا بين متساويين. الجنرال العائد من منفاه، بنى سياساته ومواقفه حينها، على قواعد أبسطها تمثل في معاداة الوجود السوري والهيمنة الايرانية على لبنان، في المقابل شكل حزب الله و منذ تاسيسه رافعة لهذا المحور، ليتحول مع الوقت إلى نموذج صالح معتمد من قبل إيران، في كل الأماكن التي خاضت فيها تدخلاتها في المنطقة.

لماذا وقع الإختيار على تيار الجنرال؟

الجواب على هذا السؤال هو بديهي وبسيط، ويمكن لاي متابع استنباطه من خلال النتيجة التي وصل إليها لبنان اليوم، وفيها أن حزب ولاية الفقيه أمن من خلال هذا التفاهم الهجين، ما كان يحتاج إليه على المستوى السيادي والخدماتي، وخص نفسه بغطاء سياسي وأمني، وأزاح عنه مطرقة القضاء ومراقبة سلطة المال. العلاقة مع التيار الوطني إرتكزت، على الإجحاف اللاحق حينها بالطوائف المسيحية، وهي شكلت من دون أدنى شك مدخلا لبناء هذه العلاقة المستجدة، بحيث استغل حزب الله هذه الهوة وسارع إلى ملئها بالمادة العونية، التي بدورها بادلته الإستفادة بإفادة، ولاحقا ساهمت بالتخفيف من الضغوط الداخلية والدولية، التي كانت تمارس عليه على اكثر من صعيد، سيما في الامور المتعلقة بالملفات الخارجية، و الملاحقات القضائية أو الداخلية المتصلة بالامن و بتجاوزاته المالية.

شراكة عون السياسية مع حزب الله، والتي تولى لاحقا جبران باسيل، رئاسة مجلس إدارتها، أنجزت الكثير مما كان يطلب منها، هي سهلت عملية غسل وتبيض وتهريب أموال حزب الله، من الخارج إلى الداخل وبالعكس، وفتحت له بعد تمكينها من الوصول الى الحكم، الحدود البرية والبحرية والجوية، و ساهمت بتوجيه وتخطيط ومتابعة منه، برسم سياسة خارجية قيدت الدولة، وفرضت واقعا جديدا في العلاقات الدولية والإقليمية ومع الدول العربية.

أصبحت ورقة عون-باسيل الإستراتيجية، ليست بذات الأهمية التي كانت عليها في الأعوام السابقة

بعد إقرار العقوبات الأمريكية على باسيل، وإتهامه بتسهيل وتغطية أعمال وأفعال حزب المصنف على لائحة الارهاب، وبعد أن وضع هذا القرار موضع التنفيذ في العديد من الدول، أصبحت ورقة عون-باسيل الإستراتيجية، ليست بذات الأهمية التي كانت عليها في الأعوام السابقة، وما زاد الطين بله والأمور تعقيدا، إلا إنفجار الرابع من أب، الذي اودى بحياة المئات من الأبرياء وشرد الآلاف، ودمر جزءا كبيرا من العاصمة، وأصاب مناطق أغلب سكانها وقاطنيها من المسيحيين، الذين يعانون كما غيرهم في هذا البلد من فساد السلطة، وتخبط الطبقة القاصرة الحاكمة، ومن تعطيل للعدالة وتدهور في العلاقات الدولية، وإنهيار معيشي جعل غالبية الشعب يعيش على خط الفقر وتحته، وباتوا يتهمون شريك عون وتياره بعدما آل الحكم لهم بشكل رئيسي، بما وصلت إليه أحوالهم.

حادثة عين الرمانة والطيونة لم تكن تفصيلا، ولا يمكن تجاهلها، فالشارع الذي اسقطت عليه هذه التسوية، ضاق ذرعا بالعزلة التي فرضت عليه، وتحمل تبعات هو بغنى عنها، عزلته وهشمت وبخرت العلاقة مع الدول العربية والأوروبية والغربية، التي كانت الداعم الاساسي له في الصعاب والمحن.

حجم الثراء الذي ينعم به الصهر وشركاؤه، والفساد الذي يصبغ أداء حاشيتهم ويشملهم مع أخرين في الحكم متهمين به، بات هدفا غير معلن لكثير من اللبنانيين الذين سيحاسبون هؤلاء على أفعالهم، إما بالإقتراع إن حصل، أو باللسان وهو حاصل ومن القلب وهو أضعف الإيمان.

لبنان أمام فرصة حقيقية للتغيير، على اللبنانيين ان يقتنعوا بفكرة أن لبنان أولاً

لبنان أمام فرصة حقيقية للتغيير، على اللبنانيين ان يقتنعوا بفكرة أن لبنان أولاً، الدول من حوله وعلى مرأى من نظره وسمعه، تخوض معركة المواجهة والنمو معا، استراتيجيتها تبدلت وتطورت، ودخلت في عالم الذكاء، البعيد عن سياسة الحديد والنار والموت بالجملة.

الحفر نزولا صوب الارض يدفن صاحبه بإرادته، و الدفع إلى اعلى يرهق صاحبه لانه سيعاند الطبيعة المستعينة بالجاذبية. عهد الثقب الأسود زمانياً شارف على نهايته، لكن ما هو جديد ومندفع منه لم يبدأ بالظهور بعد، وإلى حينه وإلى أن تأتي الساعة سيبقى معظم اللبنانيين يحصون الموت والنكبات ويلملمون الأوجاع ويدفعون بمن بقي من أبنائهم وأحبابهم على قيد الحياة إلى جنات يحسبونها خارج جهنم، التي بشرهم بها طينة من حكام أقل ما يقال فيهم أنهم لا يمتون الى الإنسانية بصلة.

السابق
جنبلاط «يجّس النبض» السعودي..وعون يتهيّب «صفعة الدستوري»!
التالي
حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»:إيران.. وعُقدة «النووي الإلهي»!