في ذكرى الاستقلال: أي لبنان نريد؟

في الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني من كل عام يحتفل اللبنانيون بعيد الاستقلال الذي حصلوا عليه عام ١٩٤٣.
تاريخيا كانت تقام الاحتفالات الرسمية والشعبية في مختلف المناطق اللبنانية.

هذا العام، كلمة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون نعى فيها عهده، واشار الى عجزه عن القيام باي إصلاح وتغيير، وهو شعار تياره السياسي، الذي هو اصلا شريكا اساسيا في هذه السلطة العاجزة عن القيام باي شيء سوى نهب ما تبقى من خيرات الوطن.

كما شهد البلد مبادرة هنا واخرى هناك، ولكنها لا تعبر فعليا، وعلى الرغم من اهميتها، عن قيمة اي استقلال نريد.
لا يختلف اثنان ان الخوف من المستقبل هو من يمتلك عقول وقلوب المقيمين في لبنان، بسبب الانهيار الذي يصيب الجميع في مختلف نواحي الحياة.

لكني أشعر بخوف من نوع آخر، خوف من ان استيقظ صباح الثاني والعشرين من تشرين الثاني في احد الاعوام القادمة، لاقرأ او استمع لوسائل الإعلام تنقل الخبر الآتي:

“في مثل هذا اليوم من كل عام كانت المجموعات البشرية المقيمة على هذه المساحة، التي تبلغ ١٠٤٥٢ كلم مربع والتي كان يطلق عليها اسم لبنان، تحتفل بعيد الاستقلال  الذي حصلت عليه عام ١٩٤٣، وقبل ان يتفكك الكيان ويتحول الى ولايات يحكمها زعماء الطوائف المختلفة”.

هذا هو الخوف الذي ينتابني وخصوصا، عندما اناقش الكثير من الأصدقاء والاصحاب ولا نصل الى خارطة طريق قد تؤدي إلى توحيد الشعب والوطن وبناء الدولة الديمقراطية.

قبل نحو عشرين يوما كنا في حلقة نقاش حول العلاقات بين مكونات الوطن، وتناول النقاش الخيارات المتاحة امام لبنان بعد انسداد الافق امام الطغمة الطائفية لتقديم حلول تؤدي إلى بناء  دولة لجميع مواطنيها.

الخيار الاول: بقاء نظام المحاصصة الطائفية، ويبقى التنازع بين مكونات سلطته، واستقواء كل مكون بجهة خارجية، وهذا يعني استحالة بناء دولة ديموقراطية.

الخيار الثاني: يتجه نحو غلبة إسلامية ضمن السلطة الحاكمة، اي ما يمكن وصفها بالمثالثة، وهذا بدوره سيزيد من النزاع بين المكون السني والمكون الشيعي، ويبقى البلد عبارة عن مجموعات متنازعة تستقوي كل منها بطرف إقليمي ينهي كل مفاهيم الاستقلال وبالتالي يستحيل بناء الدولة التي نريد من خلالها.

الخيار الثالث: هو خيار الفيدرالية، اي تحويل البلد الى مناطق في كل منها صفاء مذهبي، او خليط يغلب عليه لون مذهبي محدد، وكل منطقة تربط نفسها بجهة خارجية وبالتالي يقضي على اي مفهوم للمواطنة ويستحيل عندها بناء دولة ديموقراطية لجميع مواطنيها.

الخيار الرابع: هو خيار الفوضى المناطقية وهو الخيار الذي نشهده حاليا والذي يمكن ان نشهد خلاله حوادث أمنية متفرقة تشير  اليها التقارير الأمنية التي تصدر يوميا، وتصير أجهزة الدولة هي الأضعف بين سلطات الامر الواقع التي تشهدها اكثر من منطقة، وبالتالي يستحيل من هذا الواقع ان نبني دولة ديموقراطية.

الخيار الخامس: وهو الخيار الأصعب لبناء دولة لجميع المواطنين، دولة ديموقراطية حقيقية تفصل ما بين الدين والدولة، وتفصل ما بين الخاص والعام، وتبني مؤسسات عامة يحكمها القانون، وتشرك المواطنين بالقرار والمراقبة.
انه خيار صعب جدا لكنه الوحيد الممكن لبناء دولة.

الخيارات الاخرى، يستحيل في ظلها بناء دولة، لكنها خيارات سهلة، تحافظ على دور العامل الخارجي الذي يرعى النزاعات الداخلية المستمرة.

فيما الخيار الخامس هو الأصعب لكنه الوحيد الممكن، اذا عرفنا كيف نبني نظام المصلحة المشتركة لكل اللبنانيين.
لتكن ذكرى الاستقلال مناسبة لنقل اي لبنان نريد، وكيف نصل الى لبناننا.

السابق
بعدسة «جنوبية»: عرض مدني بمناسبة الاستقلال امام تمثال المغترب
التالي
الانتخابات النيابية.. المغتربون يتحمسون والمقيمون يتفرجون!