الشعر هو الحب الممزوج بمتعة الدهشة والمفاجأة

السيد محمد حسن الامين

لا مقدمة للشعر، لا كلام يسبـق حضوره، حضوره الغامر المبارك فوق كل حضور.

لا كلام يرشدك للدخول إلى ملكوته، هو المرفق الوحيد الذي لا يحتاج فيه السائح إلى دليل.. وكلّ كلام يدعي امتلاك مفاتيح أبوابه كلام باطل.. ليس باطلاً فحسب.. بل أكثر.. إنه يفسد عليك متعة الدهشة والمفاجأة.

الكلام على الشعر أو عنه لا يساهم في إضاءة العتمة والالتباس في أروقته.. لأن الغموض والالتباس في القصيدة غيره في الأماكن السياحية.. أنه في الثانية بحاجة إلى دليل من خارج يسلط الضوء ويشرح ويفسِّر.. وفي القصيدة بحاجة إلى دليل من داخل الذات يتوهم ويحدس ويكتشف بذاته ولذاته.. فأنت وحدك ولا أحد سواك فالوحدة شرط توهجك وانكشافكما أنت والقصيدة الواحد على الآخر.

اقرأ أيضاً: روحه لا تغيب – شعر عبد الباسط حدرج إلى السيد الأمين

فالقصيدة حضور كامل لا يحتاج إلى مبرر من خارج وللقصيدة كيانها الخاص.. تحبها فكأنك تدخل في الحب لأول مرَّة.. تستسلم لك وتتمنع عليك وفق القوانين نفسها التي تحكم علاقة العاشق بالحبيبة.. فاستماع القصيدة هو الفن الذي يلي في الأهمية مباشرة درجة إبداعها والبعض يذهب إلى أكثر: إلى أن القصيدة لا تستكمل حضورها إلاَّ بعد أن يكتشفها المتلقي الذي يوفر لها شرطها الإبداعي.

القصيدة حضور كامل تحبها فكأنك تدخل في الحب لأول مرَّة

عفو الشعر ـ إذن ـ فأنا لا أقدمه ولا أمهد لحضوره الأبهى ولا أريد أن أفسد اللحظة المباركة بالكلمة التي تشرح وتفسر وتمهد وقصارها أن تستلهم ومضة من فانوسه السحري تشعل فينا بعض الرغبة والتحفز لدخول القصيدة.

وبناء صرح شعرنا العربي المعاصر الذي يشهد أخطر تحول في تاريخه.. منذ أكثر من ألف وخمسمائة عام ملاحظاً أن المفاصل التاريخية التي شهد فيها الشعر العربي تحولات عميقة كانت هي الفاصل الزمنية التي عاش فيها كبار الشعراء العرب وعلى أيديهم تمت تلك التحولات العميقة منذ طرفة ابن العبد الشاعر الجاهلي مروراً بالثلاثي الأموي الأخطل وجرير والفرزدق ثم بشعراء العصر العباسي كابن الرومي وابن تمام والمتنبي وصولاً إلى شعرنا العربي المعاصر حيث يشهد الشعر العربي تحولات أكثر جذرية وعمقاً .

* كلمة القيت للعلامة السيد محمد حسن الامين في امسية شعرية بدعوة من المركز الثقافـي للبحوث والتوثيـق في صيدا، في 23/12/1989 في دوحة المقاصد.

السابق
«حمى الإنتخابات» والمزايدات تُعطل البلد.. وباسيل «يلتف»على الإستحقاق النيابي!
التالي
«الجحيم» يَتمدد..الكهرباء والمحروقات والدواء «تُحرق» الجنوبيين والبقاعيين!