حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: «ليالي الأنس» في بروكسل وليس في فيينا!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

الاعلان الايراني عن عقد جلسة تفاوض مع الاتحاد الاوروبي في مدينة بروكسل، يحمل الكثير من علامات الاستفهام والتساؤل، حول الهدف الذي دفع ايران على لسان المساعد السياسي لوزير الخارجية الجديد علي باقري كني لهذا الخيار، والابتعاد عن مسار فيينا. وان تصل الثقة بباقري ان يحدد موعد عقد هذا اللقاء في يوم الخميس 21/10/2021، بعد الاجتماع الذي عقده مع المفاوض الاوروبي انريكي مورا في طهران، وان الهدف من لقاء بروكسل، والتفاوض مع مفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل، هو بحث مواضيع لم يتم حلها في زيارة مورا. 

اقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: العراق ينتخب وإيران «تنتحب»!

واذا ما كان المؤشر الاول لهذه المبادرة الايرانية، يكشف عن وجود نية جدية لدى طهران بالعودة الى طاولة المفاوضات، الا ان اختيار بروكسل والاتحاد الاوروبي، يفتح الباب امام تأويلات وتفسيرات متشعبة، بعضها يتعلق بالصراع الداخلي الايراني، وبعضها الاخر يصب في اطار جهود ايران، لمحاولة الضغط على الادارة الامريكية، لتليين موقفها والحصول منها على بعض التنازلات، التي تساعد على اطلاق  عجلة التفاوض من جديد.

الهدف من لقاء بروكسل هو بحث مواضيع لم يتم حلها في زيارة مورا

يبدو ان طهران ومن خلال اختيارها لبروكسل بديلا عن فيينا، ورمزيتها كمقر للاتحاد الاوروبي، تريد ان توصل رسالة مزدوجة الى امريكا وبريطانيا، بامكانية فتح باب التفاوض مع الدول الاوروبية، والتوصل الى تفاهمات معها بعيدا عن واشنطن ولندن، التي تدعم الموقف الامريكي المتصلب في مواقفه، وعدم التعاون في تسهيل عملية العودة الى التفاوض، بما يلبي جزء من الشروط الايرانية. وهو ما تنبه له الاتحاد الاوروبي، وسارع الى نفي اي لقاء مرتقب مع المفاوض الايراني، على اعتبار ان الخطوة الايرانية، تحاول اللعب على المتناقضات بين الاتحاد الاوروبي وواشنطن، والسعي لعزل واشنطن ولندن، على ان تفاهمات قد تتوصل لها مع الاتحاد، الذي يشارك في المفاوضات النووية الى جانب مجموعة 5+1. 

طهران ومن خلال اختيارها لبروكسل بديلا عن فيينا تريد ان توصل رسالة مزدوجة الى امريكا وبريطانيا بامكانية فتح باب التفاوض مع الدول الاوروبية بعيدا عن واشنطن ولندن

اما في البعد الداخلي،  يبدو ان الفريق السياسي الجديد، مازال عالقا في دائرة التخلص من الارث التفاوضي، الذي وصل اليه من الادارة السابقة للرئيس الايراني السباق حسن روحاني، وفريقه المفاوض بقيادة وزير خارجينه محمد جواد ظريف ومساعده السياسي عباس عراقتشي. بما يوحي بان الادارة الجديدة تسعى لاعلان وفاة مسار فيينا، واستعدادها لتفح مسار جديد في بروكسل، تكون هي صاحبة الانجاز فيه، بغض النظر اذا ما كان هذا المسار الجديد هو استمرار لمسار فيينا وما وصل اليه من نتائج، او ادى للاطاحة بكل انجازات وتفاهمات المرحلة السابقة، انطلاقا من كون الفريق الجديد، ينظر الى هذه النتائج بانها تقع  خارج استراتيجية النظام، ولم تحقق الهدف الذي يسعى وراءه النظام. 

النظام في طهران يحاول بناء مسار جديد للملف النووي ينطلق من النقطة التي وصلت اليها عمليات تخصيب اليورانيوم

ويبدو ان النظام في طهران، يحاول بناء مسار جديد للملف النووي في حواره مع المجتمع الغربي وواشنطن، ينطلق من النقطة التي وصلت اليها عمليات تخصيب اليورانيوم، التي استعاد انشطته فيها في اطار خطته الاستراتيجية، للرد على قرار الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب الانسحاب من اتفاق عام 2015، وفرض امر واقع بان التفاوض يجب ان يبدأ من النقطة التي وصل اليها التخصيب، اي 60 في المئة، وان اي تأخير سيرفع مستوى التخصيب، الى مراحل متقدمة تضع ايران على عتبة الانتقال الى المستوى العسكري، وبالتالي سيكون على المجتمع الدولي التعامل مع ايران النووية، وما فيه من تداعيات قد تقلب المعادلات الدولية والاقليمية. 

واذا ما كانت الجهود الايرانية، تصب في اطار الاقتراب من العتبة النووية من دون التطبيق العملي، او اجراء تفجير نووي، لادراكها الاثار السلبية لمثل هذا التحول، فانها من جهة اخرى، تحاول من خلال هذه الورقة، الالتفاف على الاغراءات الامريكية بتخفيف العقوبات الاقتصادية، والغاء جزء منها كمقدمة لاعادة احياء الاتفاق، مقابل قبولها بشرط واشنطن توسيع الاتفاق النووي، ليشمل البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي، خاصة وان الفريق المفاوض الجديد، يبدو اكثر تشددا في الالتزام بالموقف الذي سبق ان اعلنه المرشد الاعلى، الذي رفض فيه البحث في هذين الموضوعين، باعتبارهما على ارتباط مباشر واستراتيجي بالمصالح القومية للنظام الايراني في الاقليم. 

تمسك كل من واشنطن وطهران بمواقفهما من آليات العودة الى الاتفاق النووي، قد يدفع باتجاه سيناريوهات متعددة وباتجاهات مختلفة قد تصل حد التناقض، ولعل السيناريو الاخطر هو المتعلق بامكانية اعلان وفاة اتفاق 2015، ما يعني اطلاق يد ايران في الانشطة النووية، في المقابل، عودة الاجتماع بين دول مجموعة دول 5+1، على اعادة الملف الايراني الى مجلس الامن، وتفعيل مندرجات القرار 2231، التي تسمح باعادة فرض العقوبات الاقتصادية، باشراف مجلس الامن الدولي، وبالتالي تخسر ايران الرهان على امكانية التوصل الى تفاهم، على استمرار تعاونها مع الدول الاوروبية المعنية بالاتفاق، مع استمرار العقوبات الامريكية. 

لعل السيناريو الاخطر هو المتعلق بامكانية اعلان وفاة اتفاق 2015 ما يعني اطلاق يد ايران في الانشطة النووية

اما السيناريو المنطقي والذي يقوم على النتائج، التي سبق ان توصل اليها الفريق الايراني السابق مع مجموعة 4+1 في فيينا، وهو العودة كل من واشنطن وطهران الى الاتفاق على اساس “الخطوات المتقابلة”، والذي تضمن في خطوته الاولى ان تغلي واشنطن نحو 1043 فقرة عقوبات، سبق ان فرضها ترمب ضد ايران، على ان تعلن طهران وقف انشطة تخصيب اليورانيوم بدرجة 60 في المئة، وتفعيل آليات عمل مفتشي الوكالة الدولة للطاقة الذرية. على ان تشهد هذه المرحلة جهود ترميم الثقة بين الطرفين، وبحث آليات الحصول على ضمانات، تمنع الاطراف المشاركين في الاتفاق من تعطيله او اعاقة تنفيذه، او العودة الى سياسة العقوبات تحت عناوين مختلفة منها حقوق الانسان والارهاب. 

لعل السيناريو الاقرب الى السلوك الايراني الحالي يبدو انه يقوم على محاولة طهران تعطيل اي عملية تفاهم او تفاوض خلال الاشهر المقبلة

ولعل السيناريو الاقرب الى السلوك الايراني الحالي، يبدو انه يقوم على محاولة طهران تعطيل اي عملية تفاهم او تفاوض خلال الاشهر المقبلة، التي من المفترض بها ان تشهد جهودا ايرانية، لترتيب ملفاتها الاقليمية في اليمن من خلال الحوار مع السعودية وفي العراق، ومحاولة استيعاب المتغير الذي احدثته نتائج اللانتخابات البرلمانية المبكرة، وفي سوريا وما تشهده هذه الساحة من مساع، لاعادتها الى الحضن العربي وما يعينيه من وضع الحل السياسي على نار حامية. بما يسمح لها لاحقا بالعودة الى طاولة المفاوضات، من دون ان تكون في معرض الابتزاز الامريكي، في حال استطاعت التوصل الى تسويات في هذه الملفات، بما يضمن مصالحها ومصالح حلفائها في هذه الدول. 

من هنا، يمكن التوقف عند الرسائل التي حملها الخطاب الاخير، لامين عام حزب الله حول الجسم العسكري لقواته، والتي كان لها بالاضافة الى ترهيب القوى اللبنانية الداخلية، دورا في اعلان الاستعداد لمواجهة اي تغييرات، قد تفرض بالاساليب العسكرية في المعادلات الاقليمية، تضاف اليها الرسالة التي حملتها المسيرات الحليفة لايران، التي استهدفت قاعدة التنف في الشمال السوري، بالقرب من المثلث الحدود مع الاردن والعراق، خصوصا ما يتوافق مع استراتيجية النظام باخراج القوات الامريكية من غرب آسيا، فضلا عن محاولة وضع حد للهجمات التي تقوم بها اسرائيل، على مواقع حلفائها وقوات حرس الثورة، وتأكيد جاهزيتها لمواجهة الخطة الرديفة، التي قدمتها تل ابيب لواشنطن لتنفيذها في حال فشلت جهود احياء الاتفاق النووي. 

السابق
لا أسواق للحوم في لبنان.. والنقابة تحذر: قد نتوقّف عن العمل!
التالي
نصرالله وجعجع معاً إلى «العسكرية» أو لا أحد..والكباش الحكومي والقضائي يتفاقم!