لبنان بين الضغط الفرنسي والنفوذ الإيراني والوضوح السعودي

لبنان

بعد أن تبين حجم الدور الفرنسي في تشكيل الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي، وهو دور غير مؤثر، اذا ما اخذنا بعين الاعتبار حجم النفوذ الإيراني في لبنان، المرتكز على تحالف حزب الله والتيار العوني، الذي عطل تشكيل الحكومة وسفه المبادرة الفرنسية نفسها، مستغلا دور رئاسة الجهمورية المنحاز لرؤية جبران باسيل ومطلبه، في الحصول على الثلث المعطل الذي يضمن له مستقبلا، الحضور الفاعل حتى نهاية ولاية الرئيس عون وربما ما بعدها، ومكرسا مصالح الصهر العزيز الذي اخرجته ثورة 17 تشرين من الباب، ليعود من شباك التقاء المصالح الخارجية التي تمثلت في التفاهم الفرنسي الإيراني، الذي استطاع أن يضع تخريجة للحكومة، تشي في شكلها ومضمونها، بشبهة انتصار وتفوق  لرئيس الجهمورية وفريقه السياسي.

إقرأ أيضاً: لبنان خارج الإهتمامات السعودية..و«اللويا جيرغا» تُدير حكومة ميقاتي!

فيما يخص ايران، فهي قادرة أن تؤثر اكثر من الدولة الفرنسية في الساحة اللبنانية، كيفما تريد، وباستطاعتها أن تعطل عمل المؤسسات الدستورية ساعة تشاء، وفي كل لحظة من لحظات الصراع الدولي والإقليمي، إن  حول برنامجها النووي او حول دورها الباعث على الفوضى في الإقليم، خصوصا في العالم العربي الذي تعيث فيه ميليشياتها المنافسة لدور الدولة الخراب، حيثما وجدت، وما لبنان والعراق واليمن، الا المثال الساطع على ذلك السلوك المدمر لفكرة الدولة والمؤسسات. 

الرئيس الفرنسي يدرك تماما، أن تشكيل الحكومة في لبنان وحده غير كاف، لاظهار الدور الفرنسي على النحو الذي يليق بفرنسا كدولة كبرى، تملك حق الفيتو في مجلس الامن، والدولة المؤثرة في الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي. فلبنان بحاجة لمساعدات اقتصادية عاجلة تقدر بمليارات الدولارات، لكي توقف الانهيار في لبنان على الصعد المختلفة. ومعلوم أن فرنسا راهنا، في ظل ازمة كورونا تعاني من تباطؤ في نمو اقتصادها، فهي غير قادرة على مد لبنان بما يحتاجه، لذلك هي تسعى صوب العرب، وتحديدا المملكة العربية السعودية للقيام بتلك المهمة الملحة، لتقطف النجاح من جانبيه السياسي، في تشكيل الحكومة والاقتصادي في جلب المساعدات العربية الخليجية.

ويمكن وصف محاولة الضغط الفرنسي على القيادة السعودية بالمستغربة والمستهجنة، فهي تريد من السعوديين تقديم الحلوة على عشاء لم يساهموا في اعداده، بدلا من أن يطلب من ايران أن تتعامل مع لبنان كدولة مستقلة، لتضغط على حلفائها في لبنان  للكف عن تجاوز السيادة ووقف التهريب عبر الحدود، والكف عن استهداف الاشقاء العرب في امن دولهم وشعوبهم، والسماح لمؤسسات الدولة اللبنانية، العمل وفق منهج يعلي من مصالح الشعب اللبناني، وفي ذلك اقصر الطرق لوضع لبنان على سكة التعافي، قبل أن تطلب أي مساعدة. فمن العقلانية السياسة قبل طلب المساعدات، لا بد من اغلاق الثغرات التي تطيح بكل مجهود إصلاحي جدي وواقعي، يساعد في وقف الانهيار السياسي والاقتصادي.

ومن نافل القول، إن  لبنان يعاني من ازمة سياسية بنتائج اقتصادية، فلبنان في ظل الحرب لم يبلغْ هذا المستوى من الترهل والهذيان السياسي، الذي يقوده هذا العهد و الحلفاء، الذي يتمثل في المعاداة المجانية للدول العربية وتحديدا الخليجية منها، فلا منطق في مطالبة الاشقاء العرب في تقديم المساعدات، في ظل هيمنة إيرانية على لبنان تشجع على التحريض ضد العرب، بحيث اصبح لبنان منصة لنشر العداء والكراهية ضدهم قولا وفعلا.

الحكومة السعودية تملك من الثقافة الاستراتيجية  ما يكفي للتعامل مع تداعيات تشكيل الحكومة اللبنانية، خصوصا لناحية محاولة الرئيس الفرنسي ماكرون، لدفعها لتقديم الدعم لهذه الحكومة ورئيسها، من دون أن تقدم ما هو مطلوب منها سياسيا تجاه الدول العربية، لتصحيح الخلل الذي ارتكبه ركنا الدويلة في لبنان تجاه العرب ومصالحهم وامنهم القومي، الذي لا ينفصل عن الامن القومي اللبناني من كافة النواحي. المطلوب من الرئيس ميقاتي بداية، تسفيه تلك المقولة المتهافتة التي تدعي وقوع لبنان تحت الحصار، لاخفاء وتجهيل المسؤول الحقيقي عما يعانيه البلد من موت بطئ، سياسيا واقتصاديا، كذلك الدفع نحو اعادة صياغة سياسة خارجية ، تعيد علاقات لبنان بالعرب على أسس المصالح المشتركة. فلبنان عربي الهوية والانتماء، هكذا كان وسيبقى.  

السابق
نهاية مروعة.. مصرع رسام الكاريكاتير السويدي صاحب الرسومات المسيئة للرسول!
التالي
جوزف حرب شاعر الحضور والغياب.. وتاريخ من المحطات البراقة