غبريل لـ«جنوبية»: لا يمكن التكهن بسقف الدولار.. وسعره خارج العرض والطلب!

نسيب غبريل
بورصة الدولار في السوق السوداء، لا تحكمها قواعد ولا معايير، هي "طالعة نازلة" بحسب أمزجة ومصالح المضاربين، الذين يسرحون ويمرحون دون حسيب أو رقيب، إلى أن يؤخذ القرار السياسي بتوحيد سعر صرف الدولار، والقيام بالاصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي وإستعادة الثقة، عندها يمكن أن تعود أموال المغتربين والمستثمرين إلى لبنان ويزول الشح الحاصل في سوق العملات الصعبة. و إلى أن يحصل ذلك على اللبنانيين أن يتعودوا على إرتفاع و إنخفاض سعر الدولار مع كل "خبرية " عن تشكيل الحكومة.

لم يعد مفاجئا إنخفاض سعر الدولار في السوق الموازي (السوق السوداء) أو إرتفاعه مع كل شائعة تنتشر حول قرب تأليف الحكومة، أو تراجع الأمل بإخراجها إلى النور، إذ بات اللبنانيون يترقبون جنون الدولار والاسعار مع كل حفلة تفاؤل أو تشاؤم  تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي  ووسائل الاعلام، حول المفاوضات الجارية حول تأليف الحكومة، منذ إندلاع ثورة تشرين في العام 2019، وصولا إلى تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب، وقرارها الشهير بوقف دفع ديون لبنان من سندات اليوروبند، وصولا إلى إستقالتها وتكليف السفير مصطفى أديب بتأليف الحكومة ثم الرئيس سعد الحريري ثم الرئيس نجيب ميقاتي.

إنها الدوامة نفسها التي يعيشها اللبنانيون منذ ما يقارب عامين، ومن المتوقع أن تستمر طالما لم تتشكل الحكومة، ولم يتم وضع لبنان على سكة الاصلاح والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، لأنه ببساطة ليس هناك اي قواعد وخطوط حمراء لسعر الدولار في السوق الموازية، بل جل ما في الامر أن شراهة المضاربين في السوق السوداء، تدفعهم لإستغلال أي خبر سياسي لرفع السعر حينما يريدون، و خفضه حين يحتاجون إلى لمّ كمية من الدولارات.

أزمة الثقة أدت إلى تراجع حاد في تدفق رؤوس الاموال 

إذا لا معايير علمية ولا إقتصادية، يمكنها أن تفسر ما يجري في السوق السوداء، لأنه ببساطة لا يثق اللبنانيون والمغتربون والمستثمرون ( وهم مصدر تدفق رؤوس الاموال إلى لبنان )، بالطبقة السياسية ولا بسياسة مصرف لبنان ولا بالقطاع المصرفي ككل، وبالتالي ستستمر هذه الفوضى الضاربة، إلى حين يؤخذ القرار السياسي بمعالجة علمية للوضع الاقتصادي والنقدي في البلد، و هذا ما يوافق عليه الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الابحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل الذي يشرح ل”جنوبية” أن “سبب وجود سعر مواز للدولار في لبنان، هو أزمة الثقة التي بدأت في أواخر العام 2017، بسبب قرارات حكومية غير صائبة وعدم القيام بالاصلاحات المطلوبة، وقد توسعت إلى أن إنفجرت في تشرين الاول 2019″، موضحا أن ” أزمة الثقة هي بين المواطن اللبناني والقطاع الخاص و المغتربين من جهة، وبين القوى السياسية والاحزاب من جهة أخرى، وهذا ما أدى إلى تراجع حاد في تدفق رؤوس الاموال إلى لبنان،  وظهور سوق مواز لصرف الدولار منذ عام تماما ولأول مرة  منذ 25 عاما”.

المسؤولون اللبنانيون لم يتخذوا إجراءات بديهية للجم التدهور وأولها قانون  الكابيتال كونترول

 يضيف:”من ذلك الوقت لم يتخذ أي قرار إصلاحي للجم التدهور أو معالجة الازمة، ومنها مشروع قانون الكابيتال كونترول ( كان يجب أن يقر في تشرين الاول 2019 ) ولغاية اليوم لم يقر، والمشكلة هو توقف كامل لتدفق رؤوس الاموال، بعد توقف لبنان عن تسديد سندات اليورو بوند في آذار 2020، هذا ما أدى إلى ظهور سوق موازي وشح السيولة في السوق اللبناني”.

يوضح غبريل أن” المسؤولين اللبنانيين لم يتخذوا إجراءات بديهية، للجم التدهور وأولها إقرار قانون  الكابيتال كونترول، وهو من القرارات الضرورية ويجب إتخاذها بسرعة على غرار ما حصل في العديد من البلدان”، مشيرا إلى أنه “منذ عام وأكثر، لبنان من دون سلطة تنفيذية، وهذا ما أدى إلى شلل المؤسسات وفراغ حكومي،  مما سمح للمضاربين بالتلاعب بسعر صرف الليرة  في السوق الموازي الذي هو بالاصل سوق غير شفاف ولا يخضع  للرقابة”.

الفراغ الحكومي سمح للمضاربين بالتلاعب بسعر صرف الليرة في السوق الموازي

ويشدد على أنه “لا أحد يعلم من يؤثر على سعر الصرف، وهذا ما يسمح للمضاربين أن يتحكموا بالسوق، وإستغلال الاوضاع السياسية والشلل الحاصل والتخبط الحكومي والطلب من خارج الحدود على الدولار” .

 ويرى أن “من يتوقع إنخفاض سعر الدولار بعد تشكيل حكومة، هم أنفسهم من يقول أن الدولار في السوق الموازية سيصل إلى 40 ألف ليرة، في حال فشل الرئيس المكلف في مهمته، وفي الحالتين  لا يمكن التكهن بسعر الصرف لأن ذلك يخدم المضاربين، لأن من يقرر السعر ليس العرض والطلب، بل المضاربين ولا شيء علميا يمكن الاستناد إليه”، معتبرا أن “الهدف يجب أن يكون وضع آلية، لإلغاء أسعار الصرف المتعددة للدولار في السوق اللبناني، وعندها يمكن إلغاء السوق الموازي”. 

ويختم:”سبب إرتفاع الدولار هو وقف تدفق رؤوس الاموال إلى لبنان، لأنه عامل أساسي وحيوي لتراجع شح السيولة في الاقتصاد اللبناني، على أن يقترن بعملية إصلاحية، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي وبدون هذه الخطوات سيبقى السوق الموازي موجودا”.

السابق
دعوة أميركية لقادة لبنان: لتنحية الخلافات جانباً وتشكيل الحكومة
التالي
هاني شاكر يعلّق على قرار وقف حسن شاكوش عن الغناء