لبنان المهدَّد بالعطش عينُه على تفاعلات «الإنزال النفطي» لـ «حزب الله»!

عاد «هديرُ» الأزماتِ التي تتدحْرجُ في طولِ لبنان وعرْضه ليحجبَ الغبارَ الكثيفَ الذي يلفّ مسارَ تأليف الحكومة الذي تشي المعطيات المتصلة به إلى أن تزخيم المفاوضات على تخومه ما زال على طريقة «جعجعة بلا طحين» وسط تَناسُل التعقيدات الداخلية كما الاقليمية التي يُخشى أن تَحْكُمَ على مهمة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بالمصير نفسه الذي لقيه قبْله، على مدار عام ونيف، كل من السفير مصطفى أديب ثم الرئيس سعد الحريري.

فعلى وقْع تفعيلِ وضعيةِ «التأليف الجوّال» عبر موفدين لكل من رئيس الجمهورية ميشال عون وميقاتي والذي بدا معه تشكيل الحكومة وكأنه يتمّ بـ «بريد المستشارين»، في سابقة جديدة في عمليات التأليف في لبنان، تَصاعَدَ عصْفُ الانهيار الكبير في ظلّ قبْضِ أزمة البنزين والمازوت على «خِناق» بلاد الأرز وشعبها وقطاعاتها كافة و«تَفَشي» كارثة عدم توافر الكهرباء، بمختلف مصادرها، في شكلٍ باتت معه فاجعة حرمان ملايين السكان من المياه تطرق «باب الجحيم» اللبناني.

ورغم تكرار «اليونيسيف» أمس تحذيرها المخيف من أنه «ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، سيواجه أكثر من أربعة ملايين شخص في جميع أنحاء لبنان – غالبيتهم من الأطفال والعائلات الأكثر هشاشة – احتمال تعرضهم لنقص حاد في المياه أو انقطاعهم التام عن إمدادات المياه الصالحة للشرب في الأيام المقبلة»، معتبرة أنه «إذا أُجبر أربعة ملايين شخص على اللجوء إلى مصادر غير آمنة ومكلفة للحصول على المياه، فذلك سيعرّض الصحة والنظافة العامة للخطر، وقد يشهد لبنان زيادةً في الأمراض المنقولة عبر المياه، بالإضافة إلى زيادة في عدد حالات «كوفيد – 19»، فإن «ناقوس الخطر»الجديد هذا بدا أقرب إلى «صرخة في وادٍ» تتناتش فيه القوى السياسية ما بقي من «هيكل عظمي» لـ…«الدولة الزومبي».

ميقاتي يشكو «دسائس الليل» والأسبوع الطالع… يا أبيض يا أسود حكومياً

وإذ كان اللبنانيون منغمسين أمس في يومٍ جديد من«سِباق المحروقات» الذي انفلشتْ فيه مَعارك كأنها «بالسلاح الأبيض» بين المواطنين على محطاتٍ صارت حلبات مصارعة على آخر ليترات بنزين، فإن الغموض الكبير بقي يلفّ ترجماِت محاولاتِ إنقاذ لبنان من «الموت الوشيك» بـ «جرعاتٍ ناقصة» من البنزين والمازوت عبر إرساء مرحلةٍ انتقاليةٍ جديدة يُعتمد فيها سعر لهاتين المادتين يكون «وسطياً» بين الحالي الذي يدعمه مصرف لبنان وفق تسعيرة دولار بـ 3900 ليرة وبين الذي يريده «المركزي» أي بسعر السوق الموازية (نحو 18 ألف ليرة) وذلك«لمرة أخيرة»، وهو ما كان أمس محور اجتماع استثنائي في القصر الجمهوري.

إقرأ ايضاً: نصرالله «شريك نفطي» بغض نَظر اميركي..و«قنبلة» رفع الدعم تؤخر حكومة ميقاتي!

وجاءت هذه المحاولات بعدما كان البرلمان رفض مسعى فريق رئيس الجمهورية ميشال عون لرمي «كرة نار» تعطيل سريان قرار «المركزي» في ملعب مجلس النواب عبر الرسالة الرئاسية التي طلبت «إجراء المقتضى» لوقف قرار الحاكم رياض سلامة واستطراداً تغطية الصرف من الاحتياطي الإلزامي، إذ خلص إلى«توصية بالثلاث» بـ«تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت، والإسراع في توزيع البطاقة التمويلية وتحرير السوق من الاحتكار».

وفيما لم تَخْلُ الجلسةُ النيابية مِن المزيد من تَشَظّي علاقة«الودّ الملغوم»أصلاً بين عون ورئيس البرلمان نبيه بري، الذي «نازَل» رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في «ساحة الاستقالة» التي لوّح بها بعدما اعتبر قرار سلامة في سياق «سعي قوى سياسية لإسقاط الرئيس عون وبعدها الانتقال لضرْب المقاومة» فخاطبه:«ما حدا يهدّد ويلي بدو يستقيل يستقيل»، فإن أزمة المحروقات بدأت تتحوّل قنبلة «متعددة الصواعق»، السياسية والديبلوماسية والأمنية، ربْطاً بإطلاقِ «حزب الله» مسار استيراد البنزين والمازوت من إيران بكل «فتائله» الداخلية والخارجية.

مَعارك كأنها «بالسلاح الأبيض» انفلشتْ على محطات المحروقات

وإذ كان «حزب الله» بلسان نائبه حسن فضل الله يفاخر بالمفاعيل السريعة لـ «سفينة المازوت الدقيقة» التي أبحرتْ وشكّل الحزب ما يشبه «الدرعَ» حولها بإعلانها «أرضاً لبنانية»، متحدّثاً عن تزامُن ما اعتُبر «إنزالاً بالنفط» خلف خطوط العقوبات على طهران ودمشق مع إبلاغ واشنطن موافقتها على استجرار لبنان الطاقة من الأردن والغاز من مصر عبر سورية، لم يكن عابراً مقاربة خصوم الحزب هذا التطور من زاوية كونه أشبه بـ«سفن سباقة لفيديرالية حزب الله في لبنان»، وسط تفاعلاتٍ لقرار شركة «توتال» (مساء الخميس) تفريغ شحنة محروقاتٍ تم إدخالها وبدء تزويد محطاتها بالبنزين مع حصْر التوزيع في جبل لبنان وقسم من بيروت واستثناء مناطق الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع.

ورغم تأكيد الشركة أن القرار لا أبعاد سياسية له تتصل ببدء «حزب الله» استجرار المحروقات من إيران، فإن هذا التطور قوبل بتوترات على الأرض حيث قامت بلدية الغبيري بوضع اليد على إحدى محطات «توتال» المقفلة وتشغيلها موقتاً عبر شرطة البلدية، متحدثة عن «تمييز في سياسة الشركة بين منطقة وأخرى، وقد تكون لهذا القرار خلفيات سياسية»، وصولاً إلى تحذير المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان من «لعب شركات النفط بعقلية ميليشيات»، معتبراً «ان قصة توزيع هنا ومنع هناك أمر خطير جداً، ومَن يمنع محطات الضاحية من المحروقات يفعل ذلك بإيعاز أميركي، وهو ممنوع بشدة».

وعلى وهج هذا الملف الذي بات بمثابة «حمولة زائدة»على عملية تأليف الحكومة ومحاولات ميقاتي تدوير زواياها، تُبْدي أوساط مطلعة اقتناعها بأن دخول لبنان مرحلة التزوّد بالنفط الإيراني، ولو عبر «حزب الله» ووفق مسارٍ جغرافي يجنّب توريط السلطات الرسمية ووضْعها تحت«مقصلة»العقوبات على الدولة اللبنانية، لن يمرّ من دون انعكاساتٍ بالغة السلبية على مساعي إيجاد «جدار فصْل» ولو نسبي بين الدولة وبين «حزب الله» وتموْضعه الاستراتيجي، وهو الأمر الذي لا مفرّ منه لإزالة «الحائط»الذي يقف بين لبنان ودول الخليج خصوصاً وتشجيعها على الخروج عن«النأي بنفسها» عن أزمات بلاد الأرز ومسارات الحلول لها، ناهيك عن المَخاطر الأمنية المرتفعة جراء أي قرار من اسرائيل بالتصدي لهذا التحول ذات الطابع الاستراتيجي، هي التي وجهّت «رسالة صاروخية» عبر سماء لبنان بقصفها مواقع في ريف دمشق فجر الجمعة.

وفي موازاة كل هذه الضوضاء، بدا الملف الحكومي عالقاً في «فم» التعقيدات القديمة – الجديدة التي تتمحور في جوهرها، وفق خصوم فريق رئيس الجمهورية، حول إصرار باسيل على تشكيلةٍ بمعايير «الحكومة الرئاسية» (التي يرجح أن ترث صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولاية عون خريف 2022) بما يحصّن «معركته الرئاسية» ومِن عُدّتها الإمساك بالثلث المعطل المغلّف بعنوان «الميثاقية» التي يؤمّنها عون بتسميته «نصف الحكومة» (المقاعد المسيحية) الذي يخرج منه فقط وزيران للمردة وواحد للحزب السوري القومي الاجتماعي، وهو العنوان الذي جرى تمويهه بتكتيك «تَشارُك» عون وميقاتي في تسمية كل الوزراء.

اتصالات تأليف الحكومة… جعجعة بلا طحين

واستوقف الأوساط المطلعة أمس، ما نُقل عن قريبين من ميقاتي عبر موقع «لبنان 24»، من أنه لا تبدو المهلة التي منحها الرئيس المكلف لنفسه لانجاز مهمته مفتوحة، لا بل فان قرار الحسم لديه بات أقرب مما يعتقد المراهنون على إمكان الاستمرار في نهج التحاور دون نتيجة، معتبرين انه «يخطئ مَن يعتقد أنه يمكنه الاستمرار في الرهان على طول بال الرئيس المكلف، والتلطي خلف الأبواب الليلية المقفلة لحياكة أساليب المماطلة والتأجيل لتحسين الشروط والأخذ والرد، ودس الأسماء الملغومة من هنا وهناك، وإشاعة اجواء أعلامية غير صحيحة استباقاً لتكرار نظرية، ما خلّونا نشتغل، ومش نحنا اللي عرقلنا، هني».

ويُنتظر أن يكون الأسبوع الطالع حاسماً لجهة تأكيد «حكومة أو اعتذار» في ظل حرص فريق عون على تأكيد حُسن العلاقة مع ميقاتي ورفض اعتذاره مع اتهام أطراف أخرى، في غمزٍ من الحريري، بمحاولة إفشال مهمة التأليف عبر ابتداع شروط جديدة في الأسماء والحقائب.

السابق
الاعتكافُ المسيحي..إحتجاجٌ أم إحتجاب؟
التالي
البلد يتجه الى مأساة جديدة مع «نصف رفع دعم»..أسعار المحروقات تحلق وتتضاعف!