ليبيا ومسار برلين

عبد الحسين شعبان
يستضيف موقع "جنوبية" الأكاديمي والمفكر العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان عبر مقالات تحاكي القضايا الاستراتيجية و التحديات السياسية والإقتصادية ومجالات حقوق الإنسان في المنطقة والعالم.

هل ستصل حكومة عبد الحميد الدبيبة إلى محطتها الانتخابية في24 ديسمبر/كانون الأول 2021 أم ثمة عقبات وتحديّات تعترض طريقها؟ فتعارض الصلاحيات بينها وبين المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي يشكّل أحد التحديات الجديدة التي تواجه استعادة وحدة القرار الليبيّ. فبعد مؤتمر برلين2 انعقدت عدة جلسات في جنيف وبحضور من الأمم المتحدة لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن الانتخابات، وهو ما دعا الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومنسق بعثتها لدعم ليبيا إلى القول في الجلسة الختامية “سيشعر الشعب الليبي بالخذلان على الرغم من توقه إلى فرصة مواتية لممارسة حقه الديمقراطي في انتخابات رئاسية وبرلمانية”.

وكانت الدعوة الإيطالية لأطياف تمثّل الجنوب الليبيّ لحضور ملتقى المصالحة في روما سبباً جديداً في الاحتكاك والتوتر بين الطرفين. فحسب المجلس الرئاسي أن مخرجات “ملتقى الحوار السياسي الليبي” في جنيف أوكلت إليه لإطلاق مصالحة وطنيّة، في حين هناك من يرى أن الدبيبة يتحرّك وفق السلطة المخوّلة له باعتباره رئيساً للحكومة منوط به التعاطيّ في المسارين الداخلي والخارجي.
وقبل ذلك كبرت الفجوة بينهما حين اعتلى الدبيبة ظهر جرّافة لإزاحة التراب عن عرض الطريق الساحلي بين مصراته وسرت، لتسارع اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وتعلن استمرار غلق الطريق لحين إنهاء بعض المعوّقات. وقد وصفت القيادة العامة “للجيش الوطني” بقيادة المشير خليفة حفتر هذا الإجراء بأنه “استعراضيّ ومرفوض لأنه جاء من جانب واحد”.

إقرأ أيضاً: عبد الحسين شعبان يكتب لـ«جنوبية»: الإعدام.. «القتل بالقتل»!

وحاول مؤتمر”برلين 2″ الذي انعقد في 23 حزيران/يونيو2021 الوصول إلى تسوية طال انتظارها في ظل الاحترابات الداخلية والتدّخلات الخارجية للأطراف الدوليّة والإقليميّة، حيث شارك فيه الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي، وكل من تركيا وإيطاليا والإمارات العربية المتحدة ومصر والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، إضافة إلى ألمانيا البلد المضيف.

لقد عانت ليبيا حرب أهليّة زادت على أكثر عقد من الزمن تخلخلت فيها وحدتها الوطنية وتمزّق نسيجها الاجتماعي وتفككت مؤسساتها وانقسمت قواتها المسلّحة وارتفع منسوب العنف والإرهاب والفساد إلى درجة مريعة، وذلك منذ انهيار نظام معمّر القذافيّ الذي حَكَمَ البلاد بالحديد والنار طيلة أربعة عقود من الزمن في ظل حكم أحاديّ إطلاقيّ، لاغيّاً مظاهر التعددية والتنوع والاختلاف، حيث تولدت قناعة لدى الجميع بضرورة وضع حد لهذه الحرب، التي ألحقت الضرر بالمصالح الحيويّة للفرقاء جميعاً المختلفين دوليين ومحليين.
وبعد عام ونصف على انطلاق “مسار برلين” وانعقاد المؤتمر الأول في يناير/كانون الثاني 2020، لم تهدأ الأوضاع، وظلت عقدتان معلقتان هما: حظر تصدير السلاح إلى أطراف النزاع، وسحب القوات الأجنبية والمرتزقة. ويتعلق الأمران بمصالح قوى دوليّة وإقليميّة متشابكة، فضلاً عن مصالح الشعب الليبي وأمنه وأمانه ووحدته الوطنية وتعايشه السلمي.

وكان مؤتمر”برلين2″ قد اتّخذ قراراً شدد فيه على التزام جميع الفاعلين بعقوبات مجلس الأمن الدولي ضد منتهكيّ قراراته ذات العلاقة.
ودعا مؤتمر برلين إلى انسحاب المرتزقة دون أيّ تأخير، مع تأكيد الحكومة الليبيّة على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، انسجاماً مع تصريحات ألمانية واتفاق روسي- تركي، والأمر يحتاج إلى ضمانات محددة بفترة زمنية وعدم تركه إلى رغبات أو إرادات الدول التي استخدمت المرتزقة.

من المهام المطروحة على هذا الصعيد هو إعادة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية بدعم من القاهرة

ومن المهام المطروحة على هذا الصعيد هو إعادة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية بدعم من القاهرة، وكذلك مواجهة الجماعات الإرهابية، فهل سيكون الطريق سالكاً لتحقيق ذلك أم أنها مجرد رغبات ستكون حظوظها ضعيفة في الواقع العملي، إنْ لم تكن مسندة بإرادة دوليّة قادرة على تحقيقها؟ لقد كانت محطة جنيف بعد نحو أسبوع من مؤتمر”برلين 2″ اختباراً لمدى إمكانية حلحلة الأمور وصولاً إلى الانتخابات.

وهو أمر يحتاج إلى رعاية الأمم المتحدة ومساعدتها اللوجستية للحكومة الليبيّة على إنجاز برنامج التحوّل السلمي والديمقراطي، وخطوته الأولى تطبيق قواعد العدالة الانتقالية، التي تبدأ بكشف الحقيقة، فما الذي حصل ولماذا حصل وكيف حصل ومن المسؤول؟ ثم المساءلة، وجبر الضرر والتعويض المادي والمعنوي للضحايا، أو لعوائلهم. والهدف هو إصلاح النظام القانوني والقضائي وأجهزة إنفاذ القانون وصولاً إلى المصالحة الوطنيّة الشاملة واستعادة التعايش السلمي المجتمعي في إطار سلطة “حكم القانون”.

إذا كانت واشنطن لم تولِ الاهتمام الكافي بالمسألة الليبية في فترة إدارتي ترامب وأوباما فإنها حسبما يبدو عائدة إلى المشهد بقوة

وإذا كانت واشنطن لم تولِ الاهتمام الكافي بالمسألة الليبية في فترة إدارتي دونالد ترامب وباراك أوباما، فإنها حسبما يبدو عائدة إلى المشهد بقوة أكبر. وبإمكانها لو أرادت الضغط على الأمم المتحدة للإسراع في وضع الترتيبات الخاصة بالانتخابات، فهل ستفعل واشنطن ذلك بالتعاون مع حلفائها، خصوصاً بعد فشل محطة جنيف؟ وهل ستكون القوى الدولية والإقليمية الأخرى بالاتجاه نفسه أم ثمة إشكالات بحاجة إلى مزيد من الحوار والضمانات الدوليّة في إطار تسوية شاملة سبق أن هيّأت لها جهودا ومؤتمراتٍ عربية وإقليمية عُقدت في كل من “الصخيرات” و”باريس” و”بالميرو” و”أبوظبي” و”غدامس” و”موسكو” وصولاً إلى “برلين”؟.

ويبقى دور النخب السياسية والعسكرية والثقافية الليبية محورّياً، إذ لا يمكننا تصوّر معافاة الوضع الليبيّ دون قناعة منها ومشاركة جدّية ومسؤولية من جانبها وإرادة وطنية فاعلة.

السابق
بعد اعتذار الحريري.. السفيرة الأميركية تُعلن بذل بلادها قصارى جهدها لدعم اللبنانيين
التالي
تفاصيل مروعة يرويها قاتل الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي.. هذا ما قاله