حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: واشنطن وطهران.. من يصرخ أولاً؟!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

في السنوات الماضية، يمكن القول ان ايران اتقنت لعبة السير على حد السكين، خاصة في مفاوضاتها النووية مع المجتمع الدولي، ولعلها ايضا اثبتت في السنتين الاخيرتين من عهد الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب، قدرة على الاقتراب الكبير من السقوط من حافة الهاوية، واللعب بالنار، خاصة في المرحلة التي وصل التوتر الى مستويات غير مسبوقة، وبات الجميع يعتقد باقتراب وقوع المواجهة العسكرية بين الطرفين، بعد ان تحولت مياه الخليج وبحر العرب الى ثكنة عسكرية، حشدت فيها واشنطن الجزء الاكبر من قدراتها العسكرية والقتالية المتقدمة والمتطورة. وانتهت بلجوء الطرفين الى تصويب قواعد الاشتباك بينهما في المنطقة، كانت ابرز معالمها الامر العسكري الذي اصدره ترمب، بتنفيذ عملية اغتيال قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني في العراق، والرد الايراني المنسق على الاغتيال بقصف قاعدة عين الاسد بعدد من الصواريخ الباليستية.

ايران اتقنت لعبة السير على حد السكين خاصة في مفاوضاتها النووية مع المجتمع الدولي

اقرا ايضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: واشنطن وطهران.. مفاوضات كثيرة وضمانات قليلة!

واذا ما كانت مرحلة ترمب قد هيمن عليها الصراع المفتوح، الذي اعاد في الرئيس الامريكي فتح جميع الملفات المسكوت عنها في المفاوضات، التي قادها الرئيس الاسبق باراك اوباما مع ايران، والاكتفاء بالاتفاق حول البرنامج النووي واطلاق يد ايران في المنطقة، من خلال التمدد عبر حلفائها او مباشرة في دول الشرق الاوسط، وتحويل برنامجها الصاروخي الى مصدر قلق وتهديد لامن واستقرار هذه الدول، وتحويلها الى رهائن امنية بناء على منسوب التوتر مع واشنطن، فان ادارة الرئيس جو بايدن، وضعت في مقدمة اهتماماتها في الازمة مع ايران، مسألة اعادة احياء الاتفاق النووي، لكن ليس بالشروط الايرانية، بل بتسوية تضمن لواشنطن امتلاك ورقة او اوراق ضغط قاسية، توجع النظام في طهران في حال لم تلتزم الاخيرة بموجبات اعادة الاحياء، بالاضافة الى مسألة اساسية، هي الحصول من ايران على ضمانات مكتوبة بالعودة الى طاولة الحوار بعد الانتهاء من الملف النووي، من اجل التفاوض على ملف البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي ودور الاذرع الايرانية في المنطقة. اي ان واشنطن عادت الى تبني النقاط الاثنتي عشرة، التي سبق ان اعلنها وزير الخارجية الاسبق مايك بومبيو، قبل قرار ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي، وهو ما يفسر الهجوم القاسي الذي شنه الرئيس الايراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف ضد بايدن، ووصفه بانه يتبع المسار والنهج الذي اتبعه سلفه ترمب في التعامل مع الازمة الايرانية. 

لعبة عض الاصابع التي يمارسها الطرفان الايراني والامريكي في مفاوضات فيينا غير المباشرة اصبحت اكثر وضوحا

لعبة عض الاصابع التي يمارسها الطرفان الايراني والامريكي في مفاوضات فيينا غير المباشرة، اصبحت اكثر وضوحا في الموقف الذي اعلنه وزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكين، عندما اعتبر “ان الحل الاختلافات الباقية في مفاوضات فيينا لاعادة احياء الاتفاق النووي ترتبط بالقرار المباشر لخامنئي” المرشد الاعلى للنظام، وعلى ايران ان تتخذ القرار حول “مدى جديتها في هذا الامر”. ما يفسر ان الجانب الامريكي لا ينظر الى المفاوض الايراني المشارك في اجتماعات فيينا، انه الطرف القادر على اتخاذ القرار على الرغم من الصلاحيات التي فوضت له، على اعتبار ان النتائج التي توصلت اليها الجولة السادسة من المفاوضات والتي اكد بعدها عباس عراقتشي ان الجانبين – الايراني والامريكي- توصلا الى تفاهم على الغاء نحو الف واربعين (1040) مادة عقوبات، سبق ان فرضها ترمب بعد الانسحاب من الاتفاق، الا انه لم يكن قادرا على القيام بالخطوة النهائية بالتوقيع وانطلاق مسار الحل، وكان عليه العودة الى المرجعية التي تملك حق القرار والتي حدد بلينكن بالمرشد الاعلى مباشرة. 

لعبة الابتزاز التي مارستها طهران في الجولة الخامسة لم تؤد دورها وهدفها المطلوبين في تسريع التفاوض

لعبة الابتزاز التي مارستها طهران في الجولة الخامسة، والتي اعلنت قبل انطلاقها بانها وصلت الى مستويات متقدمة، من تخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق الستين في المئة (60%)، لم تؤد دورها وهدفها المطلوبين في تسريع التفاوض، والحصول على تنازلات من واشنطن والترويكا الاوروبية (فرنسا والمانيا وبريطانيا)، بل دفعت هذه الدول الى المزيد من التشدد، ورفع سقف مطالبه والعودة الى النقطة الاولى قبل بدء المفاوضات، التي عبر عنها وزير الخارجية الالماني هايكو ماس، الذي شدد ان على ايران القبول بمبدأ التفاوض على موضوع برنامج الصواريخ الباليستية، التي تشكل مصدر قلق لجيمع الدول في المنطقة وخارجها. فضلا عن عودة بايدن للتأكيد امام نظيره الاسرائيلي رؤوفين ريفلين، بانه ” لن تستطيع ايران في عهدي من الحصول مطلقا على السلاح النووي”، وهو موقف وان كان في جانب منه، يحمل بعدا لطمأنة الجانب الاسرائيلي ومخاوفه من اختلال معادلة التوازن العسكري الاستراتيجي، الا انه ايضا يعبر عن ان الادارة الامريكية، لن تتهاون في الضغوط التي تمارسها على طهران وفي الحصول على الشروط التي وضعتها في الموضوع النووي او في المواضيع الاخرى التالية، خصوصا في المسائل المتعلقة بحقوق الانسان ودعم الارهاب والبرنامج الباليستي والنفوذ الاقليمي. وان المفاوضات الجارية لن تكون محطة ينتهي مفعولها مع اعادة احياء الاتفاق النووي، بل مسار متواصل ومتشعب يجب ان يستمر ليشمل لاحقا تلك المواضيع، وان على طهران تقديم تعهدات والتزامات في هذا الاطار مقابل الحصول على الاتفاق النووي، او انها لن تحصل على اي شيء، وكما سبق لمندوب البيت الابيض في المسألة الايراني روبرت مالي ان قال ” اما كل شيء او لا شيء”، في حين اعتبر بيليكن ان توقيت خروج واشنطن من المفاوضات “بات يقترب كثيرا”. 

سياسة الفريق الجديد لا يمكن التكهن بطبيعتها خصوصا اذا ما ذهبت الى مزيد من التشدد ورفض اي تنازلات

طهران التي قالت على لسان المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي، ان الايام المقبلة اذا لم تثمر عودة الى الاتفاق النووي، فان الامور ستترك وتنتقل الى الحكومة الجديدة التي سيشكلها ابراهيم رئيسي، وهي قد تكون رسالة الى واشنطن بان التعامل الايجابي مع حكومة روحاني والتسريع بالحل معها، سيكون خيارا مناسبا للطرفين، لان سياسة الفريق الجديد لا يمكن التكهن بطبيعتها، خصوصا اذا ما ذهبت الى مزيد من التشدد ورفض اي تنازلات او تسويات منطقية، خصوصا وان البرلمان الايراني على لسان رئيسه محمد باقر قاليباف، اكد ان طهران لن تسلم الوكالة الدولية للطاقة الذرية تسجيلات كاميرات المراقبة في المنشآت النووية، في وقت لم تعلن طهران ردها على طلب الوكالة تمديد الاتفاق حول استمرار التعاون، وموضوع الاحتفاظ بالتسجيلات لحين التوصل الى اعادة احياء الاتفاق النووي. وهو تمديد قد يستمر من اتفاق، الا انه سيكون ورقة ابتزاز بيد طهران، خصوصا في ظل معلومات تتحدث عن تضييق ايران، على عمل مفتشي الوكالة في منشآة نظنز لتخصيب اليورانيوم، والحد من حرية عملهم في اطار معاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل. 

السابق
رغم رفع اسعار المحروقات.. المحطات ترفع خراطيمها
التالي
مواقف نارية للراعي من الفاتيكان: الكل يخالف الدستور وعون منهم.. ماذا قال عن «حزب الله»؟